شارك
الرئيسية
4 دقيقة
بدأ البشر باستخدام أفران الميكرويف خصيصاً لتسخين الطعام عام 1947 بعد أن استخدموا الموجات الميكروية في الرادارات والتكنولوجيا الأخرى، وأصبحت أفران الميكرويف التجارية صغيرة وغير مكلفة بما يكفي لتصبح من المكونات الأساسية في المطبخ الحديث بحلول أواخر ستينيات القرن العشرين. بدأ العلماء بالتساؤل عن تأثير هذا الإشعاع الكهرومغناطيسي في الطعام المسخن بحلول سبعينيات القرن العشرين. تسخين الأطعمة في هذه الأفران يغير قوامها ونكهتها بطرق مختلفة عن أساليب الطهو الأخرى. لكن ما الذي يحدث للمغذيات في الطعام عندما نسخنه في أفران الميكرويف، إن كان لهذه الأفران أي تأثير في المقام الأول؟
بينت دراسة مراجعة للدراسات البحثية حول الطهو في أفران الميكرويف من عام 2009 أن "الفروق في المحتوى الغذائي بين الأطعمة المحضرة بالطرق التقليدية وتلك المحضرة في أفران الميكرويف ضئيلة". مع ذلك، هذا لا يعني أن أفران الميكرويف لا تغير نسبة المغذيات أو تخفض المحتوى الغذائي في الطعام، بل إنها تغير هذا المحتوى بنسبة مقاربة لطرق الطهو الأخرى.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن تعقيم إسفنجة المطبخ من الجراثيم؟
ما هو أثر الطهو في الطعام؟
يحدث الطهو على اختلاف طرقه تغييراً في الطعام، ويتراوح هذا التغير بين سلبي وإيجابي من حيث المحتوى الغذائي. على سبيل المثال، يسبب الطهو تغيرات بنيوية في جزيئات البروتين تجعل امتصاصها وهضمها أسهل بالنسبة للجسم. هذا السبب، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل القضاء على مسببات الأمراض، هو على الأرجح ما دفع إنسان ما قبل التاريخ لطهو اللحوم. هناك مغذيات أخرى قابلة للذوبان في الماء أكثر عرضة للتفكك بالحرارة، منها فيتامين سي وفيتامينات بي مثل الثيامين والنياسين. يعني ذلك أن نسب هذه المغذيات تنخفض في أثناء عملية الطهو، خاصة عند غلي الخضروات المغذية مثل الملفوف.
قاس باحثون صينيون عام 2009 تركيز فيتامين سي وبعض المغذيات الأخرى في البروكلي قبل طهوه بخمس طرق منزلية شائعة وبعده، وهي السلق والطهو بالبخار والقلي السريع والقلي السريع متبوعاً بالغلي والطهو بفرن الميكرويف. توصل الباحثون إلى أن الطهو بفرن الميكرويف له تأثير في محتوى المغذيات مختلف عن تأثير طرق الطهو الأخرى. مع ذلك، لم تسبب هذه الطريقة الانخفاض الأكبر في نسبة أي من المغذيات مقارنة بطرق الطهو الأخرى. على سبيل المثال، أفاد الباحثون أن "طرق الطهو جميعها، باستثناء الطهو بالبخار، سببت انخفاضاً كبيراً في نسب فيتامين سي". من المرجح أن ذلك يعود إلى أن الطهو بالبخار يتطلب أقل درجة من التلامس المباشر بين البروكلي والماء. سبب الغلي أكبر انخفاض في نسب فيتامين سي (أكثر من 30%)، بينما سبب الطهو بفرن الميكرويف انخفاضاً بنسبة 16% فقط.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب عليك التخلّص من أواني الطبخ المطلية بالتيفلون فور تشققها؟
كيف تطهو أفران الميكرويف الطعام؟
الاختلاف الرئيسي بين آلية عمل أفران الميكرويف وطرق الطهو الأخرى ليس تأثيرها في نسب المغذيات، بل تأثيرها في جزيئات الطعام. تسخن الموجات الميكروية الطعام من خلال التأثير في الجزيئات القطبية، أي تلك التي لها نهايات بشحنات كهربائية متعاكسة، مثل الماء والسكر وجزيئات الدهون. مع تغير اتجاه الحقول الكهرومغناطيسية داخل فرن الميكرويف، تدور الجزيئات القطبية بسرعة وتتوجه نهاياتها المشحونة بجهة هذه الحقول. تتحول الطاقة الحركية المتولدة عن هذه الجزيئات المهتزة إلى طاقة حرارية (أي حرارة) بفعل الاحتكاك، ثم تنتقل هذه الحرارة إلى بقية أجزاء الطعام وتسخنها.
لا تؤثر الموجات الكهرومغناطيسية في الجزيئات غير القطبية، مثل جزيئات الهواء، ما يعني أن هذه الموجات لا تسخنها مباشرة. بما أن الموجات الميكروية لا تخترق الطعام الصلب بالكامل، فإنها تسخن الطبقات السطحية الخارجية أكثر من الداخلية. لهذا السبب، قد تضطر إلى تقليب الطعام بعد تسخينه لتضمن أن يكون التسخين متجانساً، وهو أيضاً السبب في أن تسخين الأطعمة المجمدة في أفران الميكرويف لا يؤدي إلى تذويبها بالكامل.
اقرأ أيضاً: ما هي أدوات الطهي التي تحتاجها لرحلات التخييم؟
الطهو الصحي في أفران الميكرويف
في دراسة أخرى من عام 2007 عن انخفاض نسب المغذيات في البروكلي المطهو في أفران الميكرويف، نصح الباحثون بتقصير مدة الطهو واستخدام كمية أقل من الماء للحفاظ على أكبر كمية ممكنة من المغذيات. يمكن تطبيق النصيحة نفسها عند اتباع طرق الطهو الأخرى مثل السلق. كلما زادت كمية الماء المستخدمة وطالت مدة الطهو، زادت كمية المغذيات التي تنحل في الماء (وهذا ما يسمح بتحضير المرق).
لذلك، لا تقلق من أن تقضي أفران الميكرويف على المغذيات في الطعام بالكامل. مع ذلك، هناك تأثيرات محتملة أخرى لاستخدام هذه الأفران عليك الحذر منها. تشير ملصقات بعض العبوات البلاستيكية التي تحتوي على عبارة "آمن للاستخدام في فرن الميكرويف" إلى تحمل العبوة، ويعني ذلك أنها لن تذوب في الفرن، ولا يعني أن تسخينها في أفران الميكرويف لا يشكل خطراً صحياً. اكتشف العلماء منذ زمن أن العبوات البلاستيكية قد تطلق في الطعام مواد كيميائية ربما تكون ضارة عند تسخينها في هذه الأفران. بينت دراسة نشرها باحثون في جامعة نبراسكا لينكولن عام 2023 أن بعض العبوات البلاستيكية المسخنة في أفران الميكرويف يطلق المليارات من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والنانوية. لهذا السبب، العبوات الزجاجية أو الخزفية أكثر أماناً لتسخين الطعام في أفران الميكرويف.
تكهن بعض العلماء بأن أفران الميكرويف تؤدي إلى إنتاج كمية أكبر من مركب الأكريلاميد مقارنة بطرق الطهو الأخرى. بينت الدراسات على الحيوانات أن الأكريلاميد مادة مسرطنة، علماً أنه يتشكل طبيعياً في الأطعمة النشوية مثل البطاطس عند طهوها. وفقاً لتقرير نشرته هيئة بي بي سي عام 2024 حول سلامة الطعام المطهو في أفران الميكرويف، يجب إجراء المزيد من الأبحاث حول العلاقة بين الموجات الميكروية وإنتاج الأكريلاميد، وكذلك بين تناول الأكريلاميد وخطر الإصابة بالسرطان لدى البشر. وفقاً للتقرير نفسه، يمكن غلي البطاطس أو نقعها في الماء قبل تسخينها في فرن الميكرويف من باب الاحتياط، ما يثبط تشكل الأكريلاميد.
اقرأ أيضاً: نصائح الخبراء لطهي وجبات فاخرة في أثناء التخييم
قضاء الموجات المكروية على المغذيات في الطعام من عدمه يعتمد على نوع هذه المغذيات. من وجهة نظر غذائية، قد يعتمد ذلك أيضاً على نوع الطعام ومدة تسخينه في فرن الميكرويف. مثل أي جهاز آخر في المطبخ، فرن الميكرويف له مزاياه وعيوبه؛ فهو ليس ملائماً دائماً بالضرورة، ولكنه مفيد.