الطيور الاستوائية الآكلة الفواكه مفيدة وليست جميلة فقط. تؤدي هذه الطيور المتنوعة الألوان دوراً مهماً في عملية تجديد الغابات الاستوائية. تشير البيانات الميدانية التي جُمعت في الغابة الأطلسية في البرازيل إلى أنه إذا تمكنت الطيور مثل المتسلّقات ذات الأرجل الحمراء وتناجر النخل وطوقان توكو من التحرك بحرية أكبر، فيمكن أن يزيد ذلك معدل تخزين الكربون بنسبة تصل إلى 38%. فُصّلت النتائج في دراسة نشرت بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2024 في مجلة نيتشر كلايمت تشينج (Nature Climate Change).
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف القدرة الكبيرة على التكيف لدى بعض أنواع الطيور
معلم طبيعي مهم ومجزّأ
الغابة الأطلسية في البرازيل هي واحدة من أكثر المناطق تنوعاً من الناحية البيولوجية في العالم؛ إذ إنها موطن لنحو 7% من أنواع النباتات و5% من أنواع الفقاريات في العالم. هذه المنطقة هي أيضاً واحدة من أكثر الغابات الاستوائية المجزّأة في العالم؛ وذلك بسبب إزالة الغابات والزراعة والنشاطات البشرية الأخرى. فُقد نحو 88% من الغطاء النباتي للغابة الأطلسية في البرازيل في نصف الألفية الأخير، ولم يتبق من الغابة الأصلية سوى نسبة 12% موزّعة في مجموعة من الغابات الصغيرة. العديد من هذه الغابات المتناثرة على نطاق واسع أكثر تباعداً من أن يلائم تحرّك الطيور. يمكن أن تؤدي الطيور البرية التي تتغذّى على مجموعة متنوعة من الفواكه (أو الطيور الآكلة الفواكه) دوراً بالغ الأهمية في أنظمة الغابات البيئية من خلال العمليات مثل أكل البذور وطرحها ونثرها في أثناء تنقلها من مكان لآخر. تعتمد نسبة 70-90% من أنواع الأشجار التي تعيش في الغابات الاستوائية على عملية نثر البذور التي تجريها الحيوانات؛ إذ إنها تتيح للغابات النمو وأداء وظائفها. خُصص 12 مليون هكتار من أراضي هذه الغابة للاستصلاح والتعافي الطبيعي في إطار ميثاق استصلاح الغابة الأطلسية (Atlantic Forest Restoration Pact) بهدف التخفيف من آثار هذا التراجع في الغطاء النباتي. وتعد البيانات في الدراسة الجديدة مفيدة في تحديد الآليات التي يمكن تطبيقها ضمن هذه الجهود.
قالت المؤلفة المشاركة للدراسة وعالمة الطبيعة في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ، وهو جامعة بحثية عامة في سويسرا، ديزي دينت، في بيان صحفي: "تمكننا هذه المعلومات المهمة من تحديد جهود الاستصلاح البنّاءة؛ مثل زراعة الأشجار، في المعالم الطبيعية التي تقع تحت عتبة الغطاء الحرجي؛ حيث يكون الاستصلاح المدعوم أكثر إلحاحاً وفعالية".
طيور أكبر، بذور أكبر
قارن الفريق في الدراسة الجديدة بين إمكانات تخزين الكربون التي يمكن تعزيزها في المعالم الطبيعية ذات التجزئة الحرجية المحدودة بالإمكانات في المعالم الطبيعية المجزّأة أكثر. لاحظ الباحثون أن المعالم الطبيعية الأكثر تجزئة تقيّد حركة الطيور وأنه تجب زيادة الغطاء الشجري فيها. وفقاً للفريق؛ يعد وجود نسبة 40% على الأقل من الغطاء الحرجي مهماً للغاية للحفاظ على تنوع الأنواع في منطقة الغابة الأطلسية بأكملها وللحفاظ على خدمات النظام البيئي اللازمة لتعظيم جهود استصلاح الغابات وإعادة تنشيطها. تشمل خدمات النظام البيئي هذه تخزين الكربون ونثر البذور. يختلف إسهام الطيور في عملية نثر البذور باختلاف أنواعها. تنثر الطيور الأصغر حجماً كمية أكبر من البذور؛ ولكنها لا تستطيع أن تحمل سوى البذور الأصغر التي تعود لأنواع تتمتع بقدرة أقل على تخزين الكربون. بينما تنثر الطيور الأكبر حجماً مثل طائر طوقان توكو أو طائر القيق المفتول التاج بذور الأشجار الأكبر حجماً ذات القدرة الأكبر على تخزين الكربون. مع ذلك، احتمال تحرّك الطيور الأكبر حجماً عبر المعالم الطبيعية الأكثر تجزئة أقل. قالت عالمة البيئة والأحياء في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ والمؤلفة المشاركة للدراسة، كارولينا بيلو، في بيان صحفي: "منح الحيوانات الآكلة للفواكه الكبيرة القدرة على الحركة بحرية عبر المعالم الطبيعية للغابات بالغ الأهمية للتعافي السليم للغابة الاستوائية. تبيّن هذه الدراسة أن عملية نثر البذور التي تجريها الطيور تؤدي دوراً مهماً للغاية في تحديد الأنواع التي يمكن أن تتجدد، خاصة في الأنظمة البيئية الاستوائية".
اقرأ أيضاً: كيف تبعد الطيور التي بنت أعشاشها على نافذتك دون أذيتها؟
الإجراءات المتاحة
منع الصيد المحظور للطيور الاستوائية هو من الاستراتيجيات المتاحة؛ إذ يؤدي ازدياد عدد الطيور إلى ازدياد عدد الأشجار. قال عالم البيئة في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ والمؤلف المشارك للدراسة، توماس كراوذر، في بيان صحفي: "نعلم منذ زمن طويل أن الطيور تؤدي دوراً مهماً؛ ولكن تحديد مدى تأثيرها كان مذهلاً. ستزداد قدرة هذه الغابات على تخزين الكربون بمقدار كبير إذا تمكنا من استعادة درجة تعقيد الأنواع فيها".
أشارت الدراسات السابقة إلى أن تعافي هذه الغابات يمكن أن يؤدي إلى التقاط أكثر من 2.3 مليار طن من الكربون. كما يمكن أن يكون التجديد الطبيعي أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بزراعة الأشجار؛ ولكن الإجراءين ضروريان. يعزز ذلك حركة الحيوانات في المناطق التي يكون فيها الاستصلاح غير النشط أكثر ترجيحاً. يعد الاستصلاح النشط؛ مثل زراعة المزيد من الأشجار، ضرورياً في المعالم الطبيعية المجزأة للغاية. ولتكون طرائق الزراعة هذه فعالة من الناحية البيئية، يجب ضمان أن تكون الأشجار المزروعة من الأنواع الأصلية وألا تُزرع في الأراضي العشبية.
قالت مديرة مشروعات الحلول القائمة على الطبيعة والمؤلفة المشاركة للدراسة، دانيال راموس، في بيان صحفي: "يمكننا من خلال تحديد عتبات الغطاء الحرجي التي تتيح نثر البذور في المعالم الطبيعية المحيطة تحديد المناطق التي يمكن أن يحدث فيها التجديد على نحو طبيعي، وكذلك المناطق التي تجب فيها زراعة الأشجار بنشاط؛ ما يمكننا من زيادة فعالية استصلاح الغابات من حيث التكلفة إلى الحد الأقصى". تعمل راموس في جامعة إكسيتر في المملكة المتحدة وجامعة سوا باولو الحكومية في بلدة ريو كلارو في مدينة ساو باولو البرازيلية.