ما هو تغير المناخ الجوفي وكيف يؤثر في حياتنا؟

تشهد المدن الكبرى مثل مدينة نيويورك، التي تتميز بكثافة الأبنية وكثرة مصادر الحرارة والمباني تحت الأرض، تغيراً مناخياً شديداً تحت الأرض على نحو خاص. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن أن تكون درجات الحرارة في المدن خلال فصل الصيف أعلى منها في المناطق الريفية المحيطة، وتمكن ملاحظة ذلك في مدن مثل نيويورك ونيوأورلينز مقارنة بالمناطق القريبة التي تحتوي على عدد أقل من الأسطح غير المسامية التي لا تسمح بنفاذ الماء إلى التربة. يحدث تأثير الجزر الحرارية الحضرية هذا لأن المباني والبنى التحتية الأخرى تمتص كمية كبيرة من الحرارة الناتجة عن أشعة الشمس وتخزنها، ثم تعيد إطلاق هذه الحرارة بدرجات أعلى مقارنة بالمساحات الطبيعية.

تأثير الجزر الحضرية في ارتفاع درجة الحرارة

قد تكون درجات الحرارة خلال النهار في المناطق الحضرية أعلى منها في المناطق الريفية بعدة درجات، لكن لا يقتصر ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض والجو فقط، إذ ترتفع درجة حرارة التربة أيضاً. يمكن أن يتسبب ارتفاع درجة حرارة الجو، بالإضافة إلى تأثيرات الأنشطة البشرية والبنية التحتية، في تكوّن جزر حرارية جوفية تحت المناطق الحضرية. إذ يتأثر تغير المناخ تحت الأرض أيضاً بالتدفئة الداخلية وتشغيل الأجهزة الكهربائية داخل المباني، والتي تضخ الحرارة في الأرض.

سعت دراسة حديثة نُشرت في مجلة كوميونيكيشنز إنجينيرينغ (Communications Engineering) إلى تقييم احتمالية أن تسبب الجزر الحرارية الجوفية تغيرات في شكل التربة وبنيتها، نظراً للتغيرات البنيوية التي تطرأ على التربة والصخور ومواد البناء عند تعرضها لتغيرات في درجات الحرارة؛ إذ يمكن أن تؤثر هذه التغيرات في أداء البنية التحتية المدنية.

اقرأ أيضاً: أفكار يورغ ديترمان مؤلف كتاب «الخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض في الإسلام»

يقول مؤلف الدراسة والأستاذ المساعد في الهندسة المدنية والبيئية بجامعة نورث وسترن (Northwestern University)، أليساندرو روتا لوريا (Alessandro Rotta Loria): “تؤكد نتائج هذه الدراسة أن التشوهات الأرضية الناجمة عن تغير المناخ تحت الأرض يمكن أن تؤثر في أداء المنشآت المدنية والبنى التحتية، بالإضافة إلى التأثير في متانة هذه المباني على المدى الطويل”.

قد يؤثر انحراف الزوايا الشديد في العناصر الإنشائية و(أو) تصدع هذه الأجزاء في المعايير الجمالية والتشغيلية للبنية التحتية. يقول روتا لوريا: “لحسن الحظ، لا تؤثر هذه التغيرات بالضرورة في أداء البنى التحتية ولا تهدد سلامة الناس”.

كيف يؤثر تغير المناخ تحت الأرض في التربة؟

تشير الدراسات إلى أن التغيرات الشديدة في درجات الحرارة تحت الأرض، في المناطق التي تقع تحت البنية التحتية أو بالقرب منها، يمكن أن تؤدي إلى تشكل فروقات حرارية تحفز تحريك المياه المحتجزة ضمن مسامات التربة والصخور الداخلية. تقول مهندسة الجيولوجيا والأستاذة المساعدة في كلية الهندسة المستدامة والبيئة الحضرية بجامعة ولاية أريزونا، كلوديا زاباتا (Claudia Zapata): “يمكن أن يؤدي جفاف التربة أو زيادة ترطيبها إلى إجهادها وتغير خواصها، ما يسبب تلفاً للمباني. على الرغم من أن مشكلة الرطوبة ليست جديدة بالنسبة لمهندسي التقنية الجيولوجية، لكن عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة فترات طويلة، يمكن أن تزداد حدة التغيرات في نسبة الرطوبة في التربة؛ إذ تمتد حالة عدم إشباع التربة بالماء إلى مناطق أعمق، ما يتسبب في حدوث تشوهات أكبر من التي تسمح بها قوانين البناء”. 

يرتبط هذا التأثير عموماً بنوع التربة ومدى الجفاف أو الترطيب، بالإضافة إلى عوامل أخرى. تقول زاباتا: “على سبيل المثال، تُعد التربة الرملية أقل عرضة للتشوهات الكبيرة في ظل ظروف التغير المناخي، على عكس التربة الطينية السميكة”.

يقول روتا لوريا: “عند تحليل التأثيرات المحتملة على المباني، تجب مراعاة السمات المميزة للمدن المختلفة وبنيتها التحتية؛ إذ ربما تشهد المدن القديمة ذات الكثافة العالية تغيراً مناخياً أشد تحت الأرض، ما يمكن أن يسبب تأثيرات أكبر على البنى التحتية المدنية”.

اقرأ أيضاً: ما معايير استقرار كوكب الأرض؟ وما عواقب تجاوزها؟

يقول روتا لوريا: “تشهد المدن الكبرى مثل مدينة نيويورك، التي تتميز بكثافة الأبنية وكثرة مصادر الحرارة والمباني تحت الأرض، تغيراً مناخياً شديداً تحت الأرض، لذلك، قد تكون هذه المدن معرضة بدرجة كبيرة للمشكلات التشغيلية والفنية التي يمكن أن تواجه المنشآت والبنى التحتية على المدى الطويل، إضافة إلى أن التشوهات الأرضية الناجمة عن تغير المناخ تحت الأرض تتطور ببطء لكن باستمرار، لذلك يجب الحد منها في السنوات القادمة لتجنب الآثار غير المرغوب فيها على المنشآت المدنية والبنى التحتية”. 

تخفيف حدة تغير المناخ تحت الأرض في عالم يشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة

يقول روتا لوريا: “يمثل تغير المناخ تحت الأرض فرصة لمخططي المدن وواضعي السياسات لتعزيز استدامة المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم”.

على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تطبيق أساليب العزل الحراري على تصميمات المباني تحت الأرض وأجزائها الخارجية والداخلية إلى تقليل كمية الحرارة المهدورة التي تُضخ في الأرض. من الممكن أيضاً تركيب تقنيات الطاقة الحرارية الأرضية الضّحلة لامتصاص جزء من الحرارة من الطوابق السفلية ومواقف السيارات والأنفاق لإعادة استخدامها في المباني والبنية التحتية لتدفئة المساحات وإنتاج المياه الساخنة.

ذكرت دراسة نُشرت في عام 2022 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications)، أن إعادة تدوير الحرارة الجوفية، التي تتراكم بسبب تغير المناخ والنمو الحضري، تُعد بديلاً مستداماً لأساليب التدفئة التقليدية لمختلف المواقع؛ إذ تتيح إعادة تدوير الحرارة الجوفية الاستفادة من ارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ، كما تسهم في الوقت نفسه في انتقال المجتمع إلى اقتصاد منخفض الكربون.

اقرأ أيضاً: ما سر التركيب الكيميائي الفريد للقشرة الأرضية؟

يقول روتا لوريا: “إن تدخلات إعادة التأهيل والتحديث تهدف إلى تعزيز كفاءة الطاقة والمنشآت الحرارية الأرضية بهدف إعادة استخدام الحرارة الجوفية المهدورة، وهاتان الاستراتيجيتان عمليتان ومباشرتان للحد من تغير المناخ تحت الأرض وتأثيراته على البنية التحتية المدنية في عالم يشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة”. في ضوء التأثيرات التي يتسبب بها تغير المناخ على المدن حالياً وفي المستقبل، من الأفضل أن نتخذ الإجراءات الضرورية بأقصى سرعة.