ما هي مركبات الكربون الهيدروفلورية وكيف سيؤثر منع استخدامها على المناخ؟

5 دقائق
ما هي مركبات الكربون الهيدروفلورية وكيف سيؤثر منع استخدامها على المناخ؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Andrew Rafalsky

تركّز العديد من استراتيجيات مقاومة التغيّر المناخي على إزالة ملوثات الهواء من الغلاف الجوي أو منعها من الوصول إليه في المقام الأول. وعلى الرغم من أن الجميع يعرف أن غازي ثنائي أوكسيد الكربون والميثان هما من هذه الملوثات، انضمت الولايات المتحدة لنحو 130 دولة أخرى في اتخاذ خطوة مهمة للتخلّص من نوع ثالث من المركبات الملوثة، وهو مركبات الكربون الهيدروفلورية.

يشير بعض الخبراء إلى هذه الخطوة على أنها "أهم اتفاقية بيئية انضمت إليها الولايات المتحدة خلال عقد من الزمن على الأقل". وصف تشاك شومر (Chuck Schumer)، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي هذه الخطوة، إلى جانب إقرار قانون خفض التضخّم، بأنها "أقوى ضربة مزدوجة ضد التغيّر المناخي قام بها الكونغرس الأميركي على الإطلاق". لكن هذه الخطوة التي تهدف للتخلّص من إحدى أكثر مجموعات الغازات الدفيئة خطورة لها تاريخ طويل.

ترقّق (وإصلاح) طبقة الأوزون

ظهرت مركبات الكربون الهيدروفلورية لأول مرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لتستبدل مركبات الكربون الكلورية الفلورية (مركّبات الكلوروفلوركربون) في البرادات ومكيّفات الهواء. تم اختراع مركبات الكربون الكلورية الفلورية في عشرينيات القرن الماضي لصنع وسائط التبريد والترغية. وتعتبر هذه المركبات غير قابلة للاشتعال وعديمة الطعم والرائحة بشكل فريد، بالإضافة إلى أن درجة حرارة غليانها منخفضة وتقترب من درجة الصفر المئوية.

لكن تعتبر هذه المركبات أيضاً كارثية بالنسبة للبيئة. تتسبب هذه المركبات الاصطناعية، والتي توجد أيضاً في المنتجات الرذاذية مثل رذاذ الشعر، بتفكك الأوزون من خلال إطلاق الكلور في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، فهي تنتج أحد الأنواع الخطيرة من الغازات الدفيئة، والذي يمكن أن يرفع درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار يصل إلى 10 آلاف ضعف غاز ثنائي أوكسيد الكربون (على الرغم من أنه لا يبقى في الهواء لنفس الفترة).

بحلول عام 1974، اكتشف الباحثون مدى سوء مركبات الكربون الكلورية الفلورية. ولكن لم يتم اتخاذ الإجراءات بخصوصها حتى توقيع بروتوكول مونتريال عام 1987. نص هذا الاتفاق على التخلص التدريجي من استخدام هذه المركبات التي تمثّل خطراً كبيراً على طبقة الأوزون وتتسبب بارتفاع درجة حرارة الأرض. وتم تحديد أهداف تتمثّل في التخلص النهائي من هذه المركبات يجب أن تحققها الدول المتقدمة والنامية بحلول عامي 2020 و2030 على الترتيب.

لكن مثلما يتعين على المجتمعات استبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة المتجددة، يجب أن يتم استبدال مركبات الكربون الكلورية الفلورية بمركبات أخرى. هنا تدخل مركبات الكربون الهيدروفلورية المعادلة. وهي مركبات أقل سمية وخطورة على طبقة الأوزون. أو على الأقل هذا ما اعتقده العلماء.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تؤدي صناعة الأغذية إلى المزيد من انبعاثات الكربون؟

مركبات الكربون الهيدروفلورية من الغازات الدفيئة الخطيرة

يكمن الفرق بين مركبات الكربون الهيدروفلورية ومركبات الكربون الكلورية الفلورية في أن الأولى تفتقر إلى الكلور، وهو المكون الرئيسي الذي يؤدي دوراً في تفكيك الأوزون. مع ذلك، تتسبب مركبات الكربون الهيدروفلورية بآثار بيئية خاصة بها. أدرك علماء الغلاف الجوي منذ تسعينيات القرن الماضي أن هذه المركبات قد تؤدي دوراً في الاحتباس الحراري. كتبت اللجنة الفرعية للمجلس الوطني للأبحاث في الولايات المتحدة المعني بمراجعة سمية بدائل مركبات الكربون الهيدروفلورية في تقرير صدر في عام 1996 ما يلي: "يشعر المسؤولون في وكالة الحماية البيئية الأميركية بالقلق من أن الانتشار السريع لاستخدام بعض أنواع مركبات الكربون الهيدروفلورية قد يساهم في التغيّر المناخي"، أضاف مؤلفو التقرير أيضاً قائلين: "مع ذلك، يتسبب استخدام مركبات الكربون الهيدروفلورية بآثار أقل خطورة من استخدام مركبات الكربون الكلورية الفلورية، بالإضافة إلى أنه يقلل الوقت اللازم للتخلص من استخدام هذه المركبات".

ولكن منذ ذلك الحين، ازداد استخدام مركبات الكربون الهيدروفلورية؛ إذ إنه وفقاً لتحالف المناخ والهواء النظيف الدولي، تتسبب هذه المركبات التي استبدلت مركبات الكربون الكلورية الفلورية الآن بنحو 1% من إجمالي الاحتباس الحراري الناجم عن الغازات الدفيئة. كما أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب الذي قد تتسبب فيه يبلغ مئات الآلاف من الأضعاف مقارنة بغاز ثنائي أوكسيد الكربون، وذلك بناءً على كتلتها. وفقاً لمنظّمة الأمم المتحدة، تزداد انبعاثات مركبات الكربون الهيدروفلورية بمعدل يبلغ 8% سنوياً. ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل ليبلغ 7-19% من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون العالمية المكافئة بحلول عام 2050.

منذ عام 1990، تخلّصت الدول الموقّعة على اتفاقية مونتريال من 98% من المواد المفككة للأوزون، ما سمح لطبقة الأوزون الواقية بالتعافي.

مع ذلك، تفاوضت الدول الموقّعة على اتفاقية مونتريال منذ عام 2009 على التخلص التدريجي من مركبات الكربون الهيدروفلورية، ما أدى إلى توقيع اتفاقية تحمل اسم تعديل كيغالي في عام 2016. وافقت الدول الموقّعة على بروتوكول مونتريال، ومن ضمنها الدول ذات التأثير الكبير مثل الهند ودول الاتحاد الأوروبي والصين، على إضافة مركبات الكربون الهيدروفلورية إلى قائمة المواد التي سيتم الحد من استخدامها ووضع جداول زمنية للتقليل من استخدمها بنسبة 80-85% بحلول عام 2040. بدأت الدول المتقدمة بتخفيض نسب معدلات استخدام هذه المركبات في عام 2019، وستتبعها الدول النامية بعد بضع سنوات.

ولكن لم تكن الولايات المتحدة من هذه الدول. رفض دونالد ترامب (Donald Trump)، الرئيس الأميركي الأسبق، توقيع تعديل كيغالي في عام 2016، على الرغم من أن هذا التعديل حظي بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري والمجموعات الصناعية. وجدت الأبحاث التي أجراها كل من تحالف سياسات الغلاف الجوي المسؤولة ومعهد تكييف الهواء والتدفئة والتبريد أن التوقيع على هذا التعديل سيزيد صادرات السلع التي تحتوي على بدائل مركبات الكربون الهيدروفلورية بمقدار 5 مليارات دولار بحلول عام 2027، ويضيف آلاف الوظائف في القطاع الصناعي في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا جديدة مبتكرة لترشيح انبعاثات الكربون

خطوة مهمة جديدة في سياسة المناخ الأميركية

لحسن الحظ، تغيّرت سياسة المناخ الأميركية كثيراً في العامين الماضيين. في 21 سبتمبر/ أيلول 2022، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً بنسبة 69-27 على تصديق تعديل كيغالي وإعادة انضمام البلاد إلى النسخة الأحدث من بروتوكول مونتريال. وصف جون كيري (John Kerry)، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ هذا التصويت بأنه "نصر كبير للقضايا المناخية والاقتصاد الأميركي".

إذا اتبع تنفيذ تعديل كيغالي خطى سلفه الذي تم التركيز فيه على مركبات الكربون الكلورية فلورية، فقد يكون تأثيره كبيراً. منذ عام 1990، تخلّصت الدول الموقّعة على اتفاقية مونتريال من 98% من المواد المفككة للأوزون، ما سمح لطبقة الأوزون الواقية بالتعافي. (ومن المتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون بالكامل بحلول العقدين الخامس والسادس من القرن الجاري). في الولايات المتحدة وحدها، يعني ذلك الوقاية من 443 مليون حالة إصابة بسرطان الجلد و2.3 مليون وفاة بسبب نفس المرض و63 مليون حالة من مرض إعتام عدسة العين بحلول عام 2100.

إذا تابعت الحكومة الأميركية تطبيق تعديل كيغالي بالكامل، فقد يمثّل ذلك الإسهام البشري الأكبر للحفاظ على الارتفاع في درجة الحرارة العالمية ما دون درجتين مئويتين؛ وهو الحد الأدنى الذي يضمن بقاء كوكب الأرض صالحاً للعيش بالنسبة للبشر والأنواع الأخرى. يمكن أن يساعد التخلّص من مركبات الكربون الهيدروفلورية بموجب هذه الاتفاقية في تقليل انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بمقدار يتجاوز 100 مليون طن. ما يعني تجنب ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار يصل إلى 0.5 درجة مئوية بحلول عام 2100.

بالطبع، لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب إنجازها في مجال سياسات التغيّر المناخي محلياً وعالمياً. لكن التصديق على تعديل كيغالي يعتبر نصراً لصانعي السياسات والناشطين الذين يهتمون بالقضايا المناخية. قال دان لاشوف (Dan Lashof)، مدير معهد الموارد العالمية في الولايات المتحدة في بيان صحفي: "سيشجّع هذا الإجراء الدول الأخرى على الانضمام إلى الاتفاقية"، وأضاف: "إذ إنه [سيرسل] رسالة شديدة اللهجة إلى بقية دول العالم تبين أن الولايات المتحدة جادّة في معالجة أزمة المناخ والاستثمار في اقتصاد أكثر استدامة ورفقاً بالبيئة".

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي