ما مدى خطورة كبسولات الغسل المنظفة على البيئة؟

8 دقيقة
حقوق الصورة: DEPOSITPHOTOS

 قدّم العضو الديمقراطي في مجلس مدينة نيويورك، جيمس جينارو، مشروع قانون في شهر فبراير/شباط 2024 من شأنه أن يغيّر الطريقة التي يغسل بها عددٌ لا يحصى من سكان نيويورك ملابسهم، وذلك بحظر استخدام كبسولات الغسل المنظّفة.

على وجه التحديد، اقترح مشروع القانون الذي أُطلق عليه اسم "الكبسولات البلاستيكية" (Pods Are Plastic)، فرض حظراً على استخدام كبسولات غسل الصحون وكبسولات غسل الملابس المنظّفة المطلية بمادة متعدد فينيل الكحول (PVA، بي في أيه)، وهو نوع من البلاستيك يتحلل عند غمره في الماء. جادلت شركات الغسل والصابون منذ زمن بأن طلاء بي في أيه آمن تماماً وقابل للتحلل الحيوي بنسبة 100%، لكن مؤيدي مشروع القانون يقولون إن ذلك غير صحيح.

قالت المؤسِّسة المشاركة لشركة منتجات التنظيف الخالية من البلاستيك، بلو لاند (Blueland)، سارة بايجي يو، في بيان صحفي: "يجب ألا يتسبب كلٌّ من تصنيع المنتجات والسعي للربح بتلوّث البيئة". ساعدت شركة بلو لاند، التي تصنع أقراص غسل الملابس وغسالات الصحون الخالية من مادة بي في أيه، على كتابة مشروع القانون الجديد وكانت من أشد المنتقدين لهذه المادة على مدى سنوات. ساعدت الشركة عام 2022 على صياغة عريضة طلبت فيها من وكالة حماية البيئة الأميركية إزالة مادة بي في أيه من قائمة المواد الكيميائية التي تَعدُّ استخدامها آمناً. (رفضت الوكالة هذا الطلب في عام 2023)

اقرأ أيضاً: كيف أثّر تلوث الهواء في تواتر أحداث هطل الأمطار الغزيرة جداً؟

مادة بي في أيه (PVA)

لا يحظى مشروع القانون الجديد بدعم كامل في مجلس مدينة نيويورك. مع ذلك، فهو لن يُسهم إلا قليلاً في جهود الحد من التلوث الناجم عن البلاستيك الدقيق المرتبط بغسل الملابس حتى إذا أُقرّ. تشير الأبحاث إلى أن الملابس تطرح المليارات من ألياف البلاستيك الدقيقة يومياً عندما نرتديها ونغسلها ونجففها. كما يُطلَق المزيد من البلاستيك الدقيق في المنشأ، أي ضمن عملية تصنيع الملابس.

تقول الأستاذة الفخرية للعلوم الحيوية في جامعة راتغرز، جوديث وايس: "هذه مشكلة متعددة الأوجه". يدعو المدافعون عن البيئة إلى تطبيق حلول أكثر منهجية لمعالجة هذه المشكلة، ولا يقتصر ذلك على حظر استخدام مادة بي في أيه، بل يشمل إقرار قوانين جديدة تفرض استخدام المرشّحات في الغسالات وتصميم الملابس بطرق أكفأ والتخلّي الموضة السريعة.

دور الملابس في التلوث البلاستيكي

تتسبب الملابس بالتلوث الناجم عن البلاستيك الدقيق في مراحل تسبق بكثير استخدام كبسولات الغسل. ويعود ذلك إلى أن نحو 60% من الملابس مصنوعة من البلاستيك. البوليستر والنايلون والأكريليك والإسباندكس، كلها أنواع مختلفة من الأقمشة البلاستيكية المصنوعة من الوقود الأحفوري. قد يطوّر المزيد من الملابس البلاستيكية في المستقبل؛ إذ تعيد شركات الوقود الأحفوري تمحورها حول إنتاج البلاستيك استجابة للاستغناء عن استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء وقطاع النقل على مستوى العالم.

ركزت أغلبية وسائل الإعلام اهتمامها على المواد البلاستيكية الدقيقة التي تُطرح من الملابس في أثناء الغسل. وذلك لسبب وجيه؛ إذ إنه وفقاً لدراسة أجريت عام 2019 ونُشرت في مجلة نيتشر (Nature)، يمكن أن تولّد الغسالات ما يصل إلى 1.5 مليون من الألياف البلاستيكية الدقيقة لكل كيلوغرام واحد من القماش المغسول. يتسرّب نحو 200-500 ألف طن متري من هذه الألياف الدقيقة إلى مياه الصرف الصحي سنوياً ويصل في نهاية المطاف إلى البيئات البحرية، وذلك لأن هذه المواد أصغر من أن تلتقطها المرشحات القياسية في الغسّالات. تمثّل هذه الكمية نحو ثلث كمية المواد البلاستيكية الدقيقة الكليّة التي تدخل مباشرة إلى محيطات العالم.

الآثار الصحية للمواد البلاستيكية الدقيقة

يرتبط وجود المواد البلاستيكية الدقيقة في المحيطات بمجموعة من الآثار الصحية الضارة بالحيوانات البحرية، مثل إعاقة النمو والمشكلات المتعلقة بالتكاثر والتلف الجيني والالتهابات. وفقاً لوايس، هذه الآثار مثيرة للقلق بحد ذاتها؛ إذ قالت لموقع غريست: "أشعر بالقلق بشأن الحيوانات البحرية نفسها"، ولكن يمكن أن تؤثر هذه المواد أيضاً في صحة البشر، الذين قد يتناولون المأكولات البحرية الملوثة بالمواد البلاستيكية الدقيقة. عثر الباحثون على المواد البلاستيكية الدقيقة في مختلف أجزاء جسم الإنسان، من الدماغ إلى مجرى الدم إلى الكلى، كما عثروا عليها مؤخراً في 62 من أصل 62 مشيمة اختُبرت، والآثار المحتملة لهذه المواد في الجسم ليست واضحة بعد.

لكن وفقاً لما أبلغ عنه موقع غريست عام 2023، هناك العديد من الطرق الأخرى التي تُطرح وفقها المواد البلاستيكية الدقيقة من الملابس. على سبيل المثال، يتسبّب مجرّد ارتداء الملابس البلاستيكية في تآكلها وبالتالي إطلاق المواد البلاستيكية الدقيقة في الهواء. يعتقد بعض الباحثين أن التلوّث بالبلاستيك الدقيق الناجم عن ارتداء الملابس يفوق نظيره الناجم عن غسلها؛ إذ يقدّرون أن الاستخدام العادي للملابس يمكن أن يتسبب بإطلاق أكثر من 900 مليون من الألياف الدقيقة سنوياً لكل شخص، بينما يتسبب غسل الملابس بإطلاق 300 مليون من هذه الألياف سنوياً لكل شخص.

علينا أخذ مرحلة التصنيع في الاعتبار أيضاً، التي ربما تمثّل أقل المصادر المدروسة للتلوث بالألياف البلاستيكية الدقيقة. يمكن أن تتسبب كل مرحلة من عملية صنع الملابس بإطلاق المواد البلاستيكية الدقيقة، بدءاً من البلمرة الأولية للغاز الطبيعي والنفط إلى عمليات النسيج والحياكة والعمليات اللاحقة التي يحوَّل النسيج فيها إلى ملابس. وفقاً لورقة بيضاء أصدرتها مؤسسة حفظ الطبيعة غير الربحية (The Nature Conservancy) وشركة بين آند كومباني ( Bain and Company) الاستشارية عام 2021، يتسبب التآكل الناجم عن الغسل المسبق للملابس وصباغتها وطباعتها بإطلاق المليارات من جزيئات الألياف البلاستيكية الدقيقة في مياه الصرف الصحي الخاصة بالمصانع يومياً، ولا تفكّك عملية معالجة مياه الصرف الصحي هذه الجسيمات أو ترشّحها جميعها.

قدّر مؤلفو الورقة أن عملية تصنيع المنسوجات السابقة للاستهلاك تطلق نحو 120 ألف طن متري من المواد البلاستيكية الدقيقة في البيئة سنوياً، وهي كمية أقل من تلك الناجمة عن غسل الملابس أو ارتدائها ولكن لها القيمة الأسيّة نفسها.

احتمال طرح المواد البلاستيكية الدقيقة من الملابس الاصطناعية في الطرف الآخر من دورة حياة المنسوجات أكبر. يمكن أن تُطلق المنسوجات التي تُرمى وتُحرق الألياف الدقيقة والمواد الكيميائية الخطيرة في الهواء، بينما يمكن أن تُطلق تلك المبعثرة أو التي تُرسل إلى مكبات النفايات هذه المواد في التربة. هناك أدلة تشير إلى أن ديدان الأرض والكائنات الحية الأخرى يمكن أن تنقل هذه المواد البلاستيكية الدقيقة إلى طبقات أعمق من التربة، حيث يزداد احتمال تلويثها للمياه الجوفية.

قالت المديرة المساعدة لبرنامج محيطات ولاية كاليفورنيا التابع لمؤسسة حفظ الطبيعة، أليكسس جاكسون: "في حين أن ضمان معالجة مشكلة طرح البلاستيك الذي يحدث في أثناء مرحلتي الارتداء والغسل مهم للغاية، ما يهم أكثر هو التأكد من أننا نعالج مشكلة التلوث بالألياف الدقيقة عبر دورة حياة المنتجات بأكملها".

اقرأ أيضاً: دراسة تكشف تسبب ألواح التقطيع البلاستيكية بتلوث اللحوم

الكبسولات المنظفة

على عكس المصادر الأخرى للتلوث الناجم عن البلاستيك الدقيق، تُضاف الكبسولات المنظفة عمداً إلى الغسيل. تعود هذه الكبسولات إلى أوائل العقد الثاني من القرن الجاري، عندما طرحت شركة بروكتر آند غامبل (Procter and Gamble) كبسولات تايد بودز (Tide Pods) المغطاة بمادة بي في أيه ، التي أصبحت سيئة السمعة الآن ووُصِفت حينها بأنها أهم ابتكار للشركة في مجال غسل الملابس منذ ربع قرن. كان التصميم المعتمد على مادة بي في أيه، الذي قيل إن ابتكاره استغرق 8 سنوات، إنجازاً غير مسبوق بالفعل؛ إذ إنه يفصل المنظفات ومواد التفتيح ومنعمات الأقمشة في حجرات مستقلة حتى لا تختلط قبل دخولها دورة الغسل. وعلى عكس التصميمات السابقة، يمكن أن يذوب غشاء مادة بي في أيه في الماء الساخن أو البارد.

نمت القيمة السوقية لكبسولات الغسل المنظفة في الولايات المتحدة بنسبة 36% في آخر 9 سنوات ووصلت إلى 3.25 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز 3.5 مليار دولار بحلول عام 2025.

طمأنت المجموعات التجارية في قطاع غسل الملابس المستهلكين بأن طلاء الكبسولات البلاستيكية المصنوع من بلاستيك بي في أيه سيتحلل حيوياً ولن يضر بالناس أو النُظم البيئية، وذلك بهدف الحفاظ على هذا النمو. يؤكد خبراء مؤسسة المعهد الأميركي للتنظيف التجارية (American Cleaning Institute)، الذي يمثل شركات منتجات التنظيف الأميركية مثل بروكتر آند غامبل وإس سي جونسون ويونيليفر، أن "مادة بي في أيه تتحلل عند تعرضها للرطوبة والكائنات الحية الدقيقة إلى مكونات غير سامة، ما يجعلها بديلاً أكثر استدامة للبلاستيك التقليدي"،

لكن بعض الخبراء لا يتفق مع ذلك. يذكر أن مؤلفي إحدى دراسات مراجعة الأدبيات العلمية التي نُشِرت عام 2021 وأجراها باحثون من جامعة ولاية أريزونا بتكليف من شركة بلو لاند اكتشفوا أن أقل من ربع كمية مادة بي في أيه التي تصل إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي يتحلل فعلياً؛ إذ تُطلَق نسبة 77% منها، أي نحو 8 آلاف طن متري سنوياً، في البيئة دون تحلل. لا يعود ذلك إلى أن هذه المادة لا تتحلل بفعل الكائنات الحية الدقيقة، لكن التفسير هو أن الكائنات الحية الدقيقة المناسبة لتحليلها لا توجد في محطات معالجة مياه الصرف الصحي في الكثير من الأحيان، أو أن هذه المادة لا تبقى في المحطات فترة كافية لتتحلل فعلياً. وفقاً لبحث رعته مجموعات في قطاع منتجات التنظيف، قد يستغرق تحلل 60% على الأقل من مادة بي في أيه 28 يوماً، بينما يستغرق تحلل 90% منها 60 يوماً.

قال كبير علماء الأبحاث في معهد شو في ولاية مين والمؤلف المشارك في الدراسة التي موّلتها شركة بلو لاند، تشارلز رولسكي، لصحيفة واشنطن بوست في عام 2022، إنه لا توجد "محطة واحدة لمعالجة مياه الصرف الصحي في الولايات المتحدة تبقى فيها المياه التي تحتوي على تلك الميكروبات مدة تقترب من 28 يوماً. قد تبقى هذه المياه أسبوعاً على الأكثر، ولكن واقعياً، فإنها تبقى من ساعات إلى أيام فقط".

رداً على طلب موقع غريست للتعليق، شجب خبراء المعهد الأميركي للتنظيف "حملة التضليل التي تشنها شركة بلو لاند"، وقالوا إن مشروع قانون مدينة نيويورك لحظر مادة بي في أيه "غير ضروري". وجّه متحدث باسم المجموعة التجارية موقع غريست إلى تصريحات منشورة سابقاً ومخطط بياني على الإنترنت يبين كل منهما أن مادة بي في أيه المستخدمة في كبسولات الغسل المنظفة أعلى جودة من تلك التي حُلّلت في الدراسة التي موّلتها بلو لاند، وأن مادة بي في أيه المستخدمة في كبسولات الغسل "تذوب تماماً وتتحلل حيوياً خلال ساعات في عملية معالجة مياه الصرف الصحي".

أحالت شركة بروكتر آند غامبل موقع غريست إلى فريق الاتصالات التابع للمعهد الأميركي للتنظيف.

الحاجة إلى مجموعة من الحلول في صناعة الملابس

سيتطلب حل مشكلة البلاستيك الدقيق في الملابس تطبيق مجموعة من الحلول. حالياً، ينصب معظم التركيز على مرشحات الغسالات التي يستطيع المستهلكون المهتمون بتلوث البيئة تركيبها في منازلهم. أفضل المرشحات المتوافرة حالياً قادرة نظرياً على التقاط ما يزيد على 80% من المواد البلاستيكية الدقيقة في الغسيل. قد يساعد على ذلك أيضاً استخدام التكنولوجيات المرافقة للمرشحات، مثل كرات كورا بول (Cora Ball) أو أكياس غابي فريند (Guppyfriend) اللذين يمكن وضعهما في الغسالات مع الغسيل.

نظر المسؤولون في عدد قليل من الولايات في إقرار قوانين تفرض على مصنّعي الأجهزة المنزلية استخدام المرشحات، أو تحفيز شراء المرشحات من خلال تقديم الخصومات للمستهلكين. يحاول بعض الشركات، مثل سامسونج، استباق القوانين التي يُحتمل إقرارها من خلال ابتكار تكنولوجيات الترشيح الخاصة بها التي تمكن إضافتها إلى الغسالات العادية، بينما تصمم شركات أخرى غسالات مزودة بمرشحات مدمجة للبلاستيك الدقيق.

في الوقت نفسه، يحاول العلماء تصميم ملابس لا تطرح الكثير من الألياف الدقيقة في المقام الأول. على سبيل المثال، تميلُ الخيوط التي تحتوي على عدد أكبر من الالتواءات والبنى المنسوجة إلى إطلاق عدد أقل من الألياف الدقيقة، وكذلك الأقمشة التي تقصها الحرارة وأشعة الليزر (بدلاً من المقصات).

قال أستاذ علوم الألياف وتصميم الملابس في جامعة كورنيل، خوان هينيستروسا: "أنا متفائل بأن العلم قادر على حل هذه المشكلة". يعتقد هينيستروسا أنه بالإمكان تصميم ملابس اصطناعية لا تطرح المواد البلاستيكية الدقيقة على الإطلاق خلال فترة لا تتجاوز عمر جيل واحد، وذلك بتوافر التمويل الكافي للأبحاث.

مع ذلك، ربما يكون الحل الأشمل هو تنظيم استخدام البلاستيك قانونياً في التطبيقات المتعلقة بالملابس والغسل والحد منه. يعد قطاع الموضة السريعة على وجه الخصوص مساهماً كبيراً في مشكلة المواد البلاستيكية الدقيقة، حتى ولو كان سبب ذلك هو الكمية الهائلة من الملابس الاصطناعية التي ينتجها. قالت وايس إن الوقت حان لمحاسبة شركات الملابس الكبرى بسبب إطلاق منتجاتها المواد البلاستيكية الدقيقة، ربما من خلال قوانين مسؤولية المنتِج الممتدة التي تجعل هذه الشركات مسؤولة مالياً عن القمامة التي تنتجها والتلوث الذي تتسبب به. يدرس مسؤولو ولاية نيويورك حالياً قانوناً من هذا النوع، لكنه يتعلق بأغلبه بمواد التغليف وليس الملابس أو المواد البلاستيكية الدقيقة. دعت وايس أيضاً إلى فرض قيود عامة على استخدام البلاستيك من خلال معاهدة المواد البلاستيكية العالمية (global plastics treaty) التي تتفاوض عليها الأمم المتحدة حالياً.

اقرأ أيضاً: بحث جديد يكشف تلوث مياه الشرب المعبأة بجزيئات البلاستيك النانوي

تدعم يو الحلول المشابهة، لكنها تواصل الضغط حالياً بهدف إقرار مشروع قانون ولاية نيويورك الذي يحظر مادة بي في أيه. تقول يو: "يتعلق مشروع القانون هذا بمسائل لا تقتصر على كبسولات الغسل. أتفّهم عندما يقول الناس إن 'هذه المشكلة ليست الأخطر'، ولكني أعتقد أن حلها قد يمثّل نقطة انطلاق مهمة للغاية؛ إذ إنه يوضّح للشركات أن المنتجات البلاستيكية يجب ألا تكون مصممة لتدخل المصارف وتصل إلى المياه".

المحتوى محمي