بحث جديد يكشف تلوث مياه الشرب المعبأة بجزيئات البلاستيك النانوي

4 دقيقة
بحث جديد يكشف تلوث مياه الشرب المعبأة بجزيئات البلاستيك النانوي
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشر الدكتور حزام بن سعود السبيعي على موقع إكس (تويتر سابقاً)، دراسة حديثة حول احتواء المياه المعبأة في الزجاجات البلاستيكية على قطع بلاستيك نانوية ضارة بالصحة، حيث تنصُّ الدراسة التي نُشرت أول مرة على وجود الجزيئات البلاستيكية النانوية في المياه المعبأة، وكانت النتائج “مثيرة للقلق” وتستوجب المزيد من البحث.

اقرأ أيضاً: أبرز مخاطر استعمال البلاستيك في حفظ المياه

ما هي الملوثات البلاستيكية الموجودة في المياه المعبأة بالزجاجات البلاستيكية؟

وفقاً للدراسة التي نشرها باحثون من جامعة كولومبيا في 8 يناير/كانون الثاني 2024، يمكن أن تحتوي المياه المعبأة بالزجاجات البلاستيكية على مئات الآلاف من القطع البلاستيكية الصغيرة التي لم يُتعرف عليها من قبل، واستطاعوا أن يرصدوها باستخدام تقنية مجهرية جديدة.

دُرِست في السنوات الأخيرة جزيئات تُعرف باسم “البلاستيك الدقيق” أو الميكروي أو الميكروني، وهي قطع بلاستيكية صغيرة من رتبة ميكرومتر أي واحد بالمليون من المتر تنشأ عن التلوث بالمخلفات البلاستيكية التي ينتجها الإنسان، إذ تتحلل المنتجات البلاستيكية معطية هذه الجزيئات الصغيرة التي تنتشر في كل مكانٍ على الأرض، حيث عُثِر عليها في الجليد القطبي والتربة ومياه الشرب والغذاء.  


وقد أثبتت الدراسات السابقة أن المياه المعبأة بالزجاجات البلاستيكية تحتوي على عشرات الآلاف من أجزاء البلاستيك الدقيق، لكن البحث الحالي من جامعة كولومبيا يرصد فيه الباحثون مجالاً مختلفاً من التلوث بـ “البلاستيك النانوي” الذي لم يُرصد سابقاً، وهي جزيئات بلاستيكية من رتبة نانومتر أي جزء واحد من مليار جزء من المتر، وتنشأ هذه الجزيئات عن تحطم البلاستيك الدقيق.

وجد الباحثون في الدراسة أن اللتر الواحد من المياه المعبأة يحتوي في المتوسط ​​على نحو 240 ألف قطعة بلاستيكية نانوية يمكن اكتشافها، أي ما يفوق 10 إلى 100 مرة التقديرات السابقة التي استندت بشكلٍ أساسي إلى البلاستيك الدقيق ذي الأحجام الأكبر.

اقرأ أيضاً: إنزيم مركب يأكل البلاستيك ويخلصنا من النفايات 

ما مدى خطورة البلاستيك النانوي؟

تُعدُّ المواد البلاستيكية النانوية صغيرة لدرجة أنها قادرة على المرور عبر الأمعاء والرئتين مباشرة إلى مجرى الدم، على عكس جزيئات البلاستيك الدقيق التي لا تستطيع ذلك، ويمكن لجزيئات البلاستيك النانوية الانتقال من مجرى الدم إلى الأعضاء بما في ذلك القلب وحتى الدماغ، على الرغم من وجود الحاجز الدماغي الدموي الذي يمنع الكثير من المركبات الدقيقة ومنها البكتيريا والمركبات الدوائية من الوصول إلى الدماغ. 

ويمكن لجزيئات البلاستيك النانوية أن تغزو الخلايا الفردية وتعبر المشيمة لتصل إلى أجسام الأطفال الذين لم يولدوا بعد عند الحوامل، وتكمن خطورة هذه الجزيئات النانوية في أن آثارها لم تُدرس بعد وأنها لم تكن قابلة للرصد سابقاً، وهذا الاكتشاف يفتح مجالاً جديداً لدراسة السموم من رتبة صغيرة لم تكن متاحة بالتكنولوجيا المتوفرة في السنوات القليلة الماضية.

يبلغ إنتاج البلاستيك العالمي نحو 400 مليون طن متري سنوياً، وتوجد أطنان من النفايات البلاستيكية التي يتخلص منها في المياه أو على الأرض، ولكن على عكس المواد العضوية، لا تتحلل المواد البلاستيكية إلى مواد خاملة، فهي تنقسم إلى جزيئات أصغر بالتركيب الكيميائي نفسه الذي قد يكون ضاراً وناشراً للسموم أو مسبباً للانسدادات في الأمعاء والأوعية الدموية عند تراكمها.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: علماء يكتشفون وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان

ما التقنية الجديدة التي طوّرها الباحثون لرصد البلاستيك النانوي؟ وماذا تبين لديهم؟

استخدام الباحثون تقنية تُسمَّى “مجهر رامان المحفز” (SRS)، وتعتمد هذه الطريقة على فحص العينات باستخدام جهازَي ليزر متزامنين يتم ضبطهما لرصد الإشارات الضوئية المنعكسة من اصطدام الليزر بالجزيئات المدروسة، وبعدها تُجمع النتائج المرصودة بالمجهر لتُحلل، ومن خلال استهداف سبعة أنواع من البلاستيك الشائع، أنشأ الباحثون خوارزمية لرصد آثار البلاستيك النانوي بهذه التقنية. 

اختبر الباحثون 3 علامات تجارية مشهورة من المياه المعبأة المبيعة في أميركا، وحللوا الجزيئات البلاستيكية التي يصل حجمها إلى 100 نانومتر فقط، ورصدوا ما بين 110,000 إلى 370,000 جزيء شكَّل البلاستيك النانوي 90% منها في كل لتر، وحددوا نوع البلاستيك الأساسي الذي نتجت عن تحطمه.

وتضمنت الجزيئات البلاستيكية النانوية التي درسوها ما يلي:

ولا تمثّل الأنواع البلاستيكية السبعة التي اختارها الباحثون سوى نحو 10% من الجسيمات النانوية جميعها التي عثروا عليها في العينات، إذ ليس لديهم أي فكرة عن باقي أنواع الجزيئات النانوية التي رصدوها في العينات، وفي حال تبين لاحقاً أنها ذات طبيعة بلاستيكية، هذا يعني أن التلوث بالبلاستيك النانوي يمكن أن تصل نسبته إلى عشرات الملايين من الجزيئات لكل لتر. 

كيف يمكن تجنب ضرر جزيئات البلاستيك النانوي؟

حالياً، لا توجد دراسات للوقاية من التلوث بالبلاستيك النانوي، لكن يمكن اتباع نصائح للوقاية من البلاستيك الدقيق والتي تضم ما يلي:

  • تجنب شرب المياه المعبأة بعبوات بلاستيكية واعتماد العبوات المصنوعة من الزجاج إن أمكن.
  • تجنب شرب المياه بالأكواب البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد واعتماد الأكواب المصنوعة من الزجاج.
  • الشرب من مياه الصنبور مع تركيب فلاتر للمياه معتمدة على الكربون أو التقطير.
  • تجنب استخدام أكياس الشاي، واستبدالها بالشاي الذي يباع بشكله العادي.
  • تقليل تناول الأطعمة البحرية، لأنها غالباً ما تحتوي على ملوثات من جزيئات البلاستيك. 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد وجود علاقة بين الجسيمات البلاستيكية النانوية والإصابة بالخرف وباركنسون

يخطط الباحثون في المراحل اللاحقة لدراسة التلوث البلاستيكي في مياه الصنبور، ومدى انتشار تلوث المصادر المائية بالجزيئات البلاستيكية النانوية بالإضافة إلى تلوث الهواء والأغذية بها، وقد نرى المزيد من الدراسات عن التلوث البلاستيكي من المستوى النانوي وتأثيراته الصحية في المدى القريب، إذ يمكن لهذه التقصيات أن تسهم في فهم الأمراض المرتبطة بالتلوث العالمي بشكلٍ أكبر.