كيف تستفيد محطة الفضاء الدولية من انعدام الجاذبية في تصنيع مواد جديدة؟

3 دقائق
كيف تستفيد محطة الفضاء الدولية من انعدام الجاذبية في الفضاء؟
جهاز اختبار على متن محطة الفضاء الدولية يصنع أشكالاً جديدة خارج نطاق الجاذبية. وكالة ناسا

كان كل ما بناه الإنسان حتى الآن، من الأدوات البدائية إلى المنازل المكوّنة من طابق واحد إلى ناطحات السحاب، مقيّداً بشيءٍ رئيسي واحد وهو الجاذبية الأرضية؛ ولكن من الممكن أن يتغير ذلك كله قريباً عندما يقول العلماء كلمتهم.

حيث يوجد الآن على متن محطة الفضاء الدولية (ISS) صندوق معدني بحجم صندوق الكمبيوتر المكتبي، وفي داخله فوهة تساعد على بناء قطع صغيرة للاختبار لا يمكن صنعها على الأرض. وإذا حاول المهندسون صنع هذه الهياكل على الأرض، فإنهم سيفشلون بسبب الجاذبية الأرضية.

تقول مهندسة الفضاء التي أسست مبادرة استكشاف الفضاء التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد الباحثين الموجودين على الأرض والمسؤولين عن المشروع، أرييل إيكبلاو (Ariel Ekblaw): "ستكون هذه أولى نتائجنا لعملية جديدة تماماً في ظل انعدام الجاذبية".

اقرأ أيضاً: بذور طماطم وبكتيريا تأكل البلاستيك تصل إلى محطة الفضاء الدولية

الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفضاء

تتضمن عملية فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أخذ قالب سيليكون مرن يشبه القطعة التي سيشكّلها في النهاية، وتعبئته بمادة الراتنج السائلة. يقول المهندس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد الباحثين الآخرين المسؤولين عن المشروع، مارتن نيسر (Martin Nisser): "إنها تشبه البالونات؛ لكن بدلاً من الهواء سنملأها بمادة الراتنج" كما أنّ هذه المنتجات متوفرة في الأسواق وجاهزة للاستخدام.

يُعد الراتنج حسّاساً للأشعة فوق البنفسجية، فعندما تتعرض هذه البالونات لوميض الأشعة فوق البنفسجية، يتسرّب الضوء عبر القالب ويؤدي إلى تصلّب الراتنج، وبعد ذلك يمكن لرواد الفضاء قصّ القالب وإخراج الجزء الداخلي.

يتم تحضير قوالب السيليكون لاحتواء الراتنج وتشكيله في أثناء عملية بثق السائل. الطباعة السريعة ثلاثية الأبعاد

كل هذا يحدث داخل الصندوق الذي تم إطلاقه في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن المقرر أن يقضي 45 يوماً على متن محطة الفضاء الدولية. إذا نجح كل شيء، ستشحن محطة الفضاء الدولية بعض القطع التجريبية إلى الأرض ليختبره باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ حيث يتعيّن على باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التأكد من أن القطع التي صنعوها سليمة من الناحية الهيكلية ويقوموا بعد ذلك بالمزيد من الاختبارات.

تقول إيكبلاو: "ستكون الخطوة الثانية، على الأرجح، هي تكرار التجربة داخل محطة الفضاء الدولية، وربما تجربة أشكال أكثر تعقيداً، أو ضبط تركيبة الراتنج". وبعد ذلك، سيقومون بمحاولة لتشكيل قطع خارج المحطة الفضائية.

اقرأ أيضاً: لماذا ترسل ناسا معدات كاشفة عن الغبار إلى محطة الفضاء الدولية؟

كيف تستفيد محطة الفضاء من انعدام الجاذبية؟

تكمن فائدة تصنيع قطع كهذه في الفضاء في أن عامل الضغط الأساسي الوحيد على الأرض، وهو جاذبية الكوكب، لم يعد عاملاً مقيّداً. تقول إيكبلاو: "لنفترض قيامك بمحاولة صنع أعمدة طويلة جداً بهذه الطريقة، فإن الجاذبية ستجعلها تسقط".

ولكن ذلك لن يحدث في ظل انعدام الجاذبية في محطة الفضاء الدولية، وإذا نجحت التجربة فسيكون هذا الصندوق قادراً على إنتاج قطع اختبار بسرعة أكبر مما يستغرقه صنع مثل هذه القطع على الأرض.

يتخيل الباحثون أنه في المستقبل القريب إذا احتاج رائد فضاء إلى استبدال قطعة تنتَج بكميات كبيرة؛ مثل الصّمولة أو البرغي، فلن يحتاج إلى جلب هذه القطعة من الأرض. وبدلاً من ذلك، يمكنه استخدام قالب على شكل صمولة أو برغي في صندوقٍ كهذا ثم يقوموا بملئه بمادة الراتنج.

لكن الباحثين يفكرون أيضاً على المدى البعيد، فهم يعتقدون أنهم إذا تمكنوا من صنع قطع طويلة جداً في الفضاء، فإن هذه القطع يمكن أن تسرّع مشاريع البناء الكبيرة مثل المساكن الفضائية. كما يمكن استعمالها أيضاً لتشكيل هياكل للألواح الشمسية التي تُستخدم في المساكن أو لصنع أجهزة إشعاع تمنع المساكن من الاحترار الشديد.

قالب سيليكون يتم ملؤه لصنع دَعامة. الطباعة السريعة ثلاثية الأبعاد

إنّ صنع الأشياء في الفضاء له بعض المزايا الرئيسية أيضاً. هل سبق لك أن رأيت صاروخاً على أرض الواقع؟ إنه مثير للإعجاب حقاً لكنه ليس كبير جداً، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت الهياكل الكبيرة مثل محطة الفضاء الدولية (ISS) أو محطة الفضاء الصينية تيانجونج (Tiangong) تصعد إلى الفضاء بشكل تدريجي، وتجمع كل جزء منها على حدة على مدار سنوات.

غالباً يضطر مخططو البعثات إلى بذل جهد كبير في محاولة ضغط التلسكوبات والمركبات الأخرى في مساحة الشحن الصغيرة هذه. على سبيل المثال؛ يمتلك تلسكوب جيمس ويب الفضائي درعاً شمسياً كبيراً بحجم ملعب التنس، ولكي يتناسب الدرع مع الصاروخ الذي يحمله كان يجب على المهندسين طيّه بدقة والتخطيط لعملية نشره بإتقان بمجرد وصول التلسكوب إلى وجهته؛ حيث يجب تجميع تلك الألواح الشمسية في مدار الأرض لتقليل حجم اللوح الذي سيتم وضعه في الصاروخ.

وإحدى المزايا الرئيسية الأخرى هي التكلفة؛ حيث انخفضت تكلفة عمليات الإطلاق إلى الفضاء، بعد تعديلها وفقاً للتضخم، بأكثر من 20 ضعفاً منذ ظهور أول مكوك فضائي في عام 1981؛ لكن ما يزال من الممكن أن يكلف كل رطل من البضائع أكثر من 1000 دولار لإطلاقه إلى الفضاء. أصبح الفضاء الآن في متناول الشركات الصغيرة ومجموعات البحث الأكاديمي المتواضعة؛ لكن كل أوقية تُحدث فرقاً كبيراً في السعر.

اقرأ أيضاً: ما مصير محطة الفضاء الدولية بعد تمديد مهمتها حتى 2030؟

وبالنسبة للكواكب الأخرى مثل القمر والمريخ، فقد ناقش المفكرون والمخططون فكرة استخدام المواد الموجودة بالفعل؛ مثل الحطام الصخري على سطح القمر أو تربة المريخ، ناهيك من المياه المجمّدة التي تم العثور عليها في كلا الكوكبين؛ لكن لن يكون هذا الأمر سهلاً في مدار الأرض (لا يستطيع المهندسون المعماريون تحويل أحزمة فان آلن الإشعاعية إلى مواد بناء).

ويأمل إيكبلاو ونيسر وزملاؤهم أن يتفوق أسلوب حقن الراتنج الذي يتبعونه؛ حيث إن تلك الطريقة لن تنتج مكوّنات متشابكة أو دوائر معقدة في الفضاء وإنما ستصنع قطع صغيرة توفّر على رواد الفضاء عناء حملها من الأرض.

يقول نيسر: "في النهاية، إنّ الغرض من ذلك هو إتاحة عملية التصنيع هذه وجعلها في متناول الباحثين الآخرين".

المحتوى محمي