إذا تحركت سحابة من الغبار عبر سطح المريخ ولم يكن هناك أي رائد فضاء لسماعها، فهل ستصدر صوتاً؟
الجواب هو نعم، وذلك وفقاً لدراسة جديدة نُشرت بتاريخ 13 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications). استخدم فريق دولي من العلماء جهاز ميكروفون على مركبة بيرسيفيرنس التابعة لوكالة ناسا لتسجيل صوت دوامة هوائية خارج أرضية لأول مرة.
قال أستاذ علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في جامعة بوردو والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، روجر وينز (Roger Wiens)، في بيان صحفي: "يمكننا تعلم المزيد باستخدام الصوت مقارنة ببعض الطرق الأخرى"، وأضاف: "توثّق الأدوات الصوتية القراءات بفواصل منتظمة. ويتيح لنا الميكروفون أخذ العينات بمعدل 100 ألف عينة في الثانية، وهذه سرعة كبيرة على الرغم من أنها لا تساوي سرعة الصوت تماماً. يساعدنا استخدام هذه الطريقة في استنتاج الظروف المريخية بشكل أكثر دقة".
اقرأ أيضاً: المركبة بيرسيفيرنس تكتشف أدلة على حدوث تفاعلات كيميائية قديمة على سطح المريخ
وينز هو الباحث الرئيسي المسؤول عن مجموعة سوبر كام، وهي مجموعة من الأدوات التي تُشكّل "رأس" مركبة بيرسيفيرنس. تتضمن هذه المجموعة أدوات متطورة للاستشعار عن بعد ومقاييس طيفية وكاميرات وجهاز ميكروفون واحد. في الدراسة الجديدة، عمل وينز مع المؤلفة المراسلة وعالمة الكواكب، نعومي مردوخ (Naomi Murdoch)، وفريق من الباحثين من المعهد الفرنسي العالي للملاحة الجوية والفضاء ووكالة ناسا.
أهمية الأصوات التي تسجلها بيرسيفيرنس على المريخ
لا يتم تشغيل ميكروفون مركبة بيرسيفيرنس بشكل دائم، بل إنه يسجل نحو 3 دقائق في اليوم كل بضعة أيام. سجّل هذا الميكروفون صوت الدوامة الهوائية بالصدفة، ولكن وفقاً للفريق لم يكن هذا الرصد غير متوقع تماماً. وجد الفريق أدلة على تشكّل نحو 100 دوامة غباريّة في فوهة جيزيرو منذ وصول مركبة بيرسيفيرنس إلى هذه الفوهة في فبراير/شباط 2021.
هذه الدوامات هي عبارة عن أعاصير صغيرة من الغبار والحصى، وهي شائعة على المريخ. يشير تشكّل هذه الدوامات إلى حدوث اضطرابات في الغلاف الجوي المريخي، وهي آليات ضرورية تسهم في تحريك الغبار ضمن دورة الغبار في هذا الكوكب. يسهم تراكم حبيبات الغبار في تلف أجهزة المركبات الجوالة المريخية. لذلك، فإن فهم آليات رفع الغبار عن سطح هذا الكوكب يعتبر ضرورياً في جهود استكشاف الفضاء المستقبلية.
تمكّن العلماء من الحصول على التسجيل الصوتي لدوامة الغبار لأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تشغيل الميكروفون خلال مرور دوامة هوائية فوق مركبة بيرسيفيرنس. يساعد تسجيل مثل هذه المقاطع الصوتية والتقاط صور متتالية وقياس الضغوط الجوية بنفس الوقت العلماء على فهم طقس المريخ وغلافه الجوي بشكل أفضل، وتشير نتائج تحليل البيانات التي جمّعتها مستشعرات مركبة بيرسيفيرنس العديدة وتلك الموجودة في النماذج التي أنشأتها المركبة إلى أن ارتفاع دوامة الغبار التي تم تسجيل صوتها بلغ نحو 118 متراً.
قال وينز: "تمكّنا من ملاحظة انخفاض الضغط والاستماع إلى الرياح، ثم لاحظنا انعدام الصوت لفترة وجيزة عندما مرّت عين العاصفة فوق الميكروفون. بعد ذلك، سمعنا صوت الرياح مرة أخرى ولاحظنا ارتفاع الضغط"، وأضاف: "كانت الرياح سريعة؛ إذ بلغت سرعتها نحو 40 كيلومتراً في الساعة، لكن هذه هي السرعة الاعتيادية لدوامات الغبار على الأرض، يكمن الفرق في أن ضغط الهواء على المريخ أخفض بكثير لدرجة أن الرياح تتحرك بنفس السرعة التي تتحرك فيها على الأرض نتيجة لـ 1% فقط من الضغط الجوي الأرضي. هذه الرياح ليست قوية، ولكنها سريعة بما يكفي لرفع حبيبات الغبار أو الحصى عن سطح الكوكب وتشكيل دوامات الغبار.
اقرأ أيضاً: 5 مكتشفات ورؤى جديدة عن المريخ توفرها بعثة بيرسيفيرنس
رياح المريخ لا تثير القلق
لن يضطر رواد الفضاء الذين قد يتم إرسالهم إلى المريخ في المستقبل للقلق من أن تدمّر الرياح السريعة مستوطناتهم أو هوائيات الاتصال التي يستخدمونها، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يكون للرياح المريخية بعض الفوائد. يفترض مؤلفو الدراسة أن الرياح التي تزيل الغبار والحصى عن الألواح الشمسية للمركبات الجوالة قد تساعد هذه المركبات في العمل لفترة أطول. دخلت مركبة إنسايت المريخية الهابطة والتابعة لوكالة ناسا في أيامها الأخيرة بعد 4 سنوات من الاستكشاف نتيجة لأن ألواحها الشمسية لا تولد ما يكفي من الطاقة بسبب تراكم الغبار عليها.
قال وينز: "ستلاحظ الفِرق أن طاقة المركبات ستنخفض تدريجياً على مدى أيام أو أسابيع. لكنها ستعاود الارتفاع فجأة بعد ذلك. وسيحدث ذلك نتيجة لأن الرياح ستزيل الغبار عن الألواح الشمسية".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعود تراجع أداء مركبة إنسايت إلى غياب دوامات الغبار في المنطقة التي هبطت فيها، وهي سهل إليسيوم المنخفض.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن دقائق الرعب السبع التي خاضتها المركبة إنسايت عند هبوطها؟
قال وينز: "كما هو الحال على الأرض، يختلف الطقس بين منطقة وأخرى على سطح المريخ"، وأضاف: "يساعدنا استخدام جميع الأدوات والأجهزة المتوفرة، وخصوصاً الميكروفون، في استنتاج ظروف سطح كوكب المريخ".