هل احتوى المريخ على أشكال الحياة الميكروبية قديماً؟

الحياة الميكروبية على المريخ
فوهة جيزيرو كما كانت ستبدو قبل مليارات السنين عندما كانت بحيرة. وكالة ناسا/ مختبر الدفع النفاث- معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تسود الكوكب الأحمر ظروف قاسية للغاية؛ إذ يبلغ متوسط درجة حرارة سطحه نحو 26 درجة مئوية، ويمتلك غلافاً جوياً لا يحميه من برودة الفضاء. كما أنه قد يحتوي على شكل من الماء مختلف للغاية عما نعرفه. لن تتشكّل الحياة على هذا الكوكب في أي وقت قريب على الأرجح. ولكن لا يزال العلماء يجهلون ما إذا احتوى من قبل على بعض أشكال الحياة.

في قديم الزمان: ربما استضاف المريخ بعض أشكال الحياة

وجدت دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر أسترونومي أنه قبل نحو 4 مليارات سنة، ربما احتوى المريخ على أعداد كبيرة من الكائنات الحية المجهرية تحت السطحية. لكن وفقاً لما قاله الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة السوربون والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، بوريس سوتيري (Boris Sauterey)، لوكالة أسوشيتد برس، إذا عاشت أشكال الحياة الميكروبية البسيطة في المريخ من قبل، “فمن المحتمل أنها تسببت في زوالها بنفسها”. أضاف سوتيري قائلاً إن نتائج الدراسة الجديدة “تبعث على التشاؤم نوعاً ما، ولكنها مُحمِّسة بنفس الوقت؛ إذ إنها تدفعنا لإعادة التفكير في الطريقة التي يتفاعل فيها المحيط الحيوي والكوكب”. (المحيط الحيوي، أو الغلاف الأحيائي، هو مجموع جميع النظم البيئية على كوكب ما).

ربما امتلك المريخ في المراحل الأولى بعد تشكّله غلافاً جوياً أكثر كثافة بكثير من غلافه الجوي الحالي. ومن المحتمل أنه كان غنياً بالماء أيضاً. وفقاً لعالم الأحياء التطوري في جامعة أريزونا والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، ريغيس فيرييه (Regis Ferrière)، ربما تسبب كل من ثنائي أوكسيد الكربون والهيدروجين في الغلاف الجوي القديم للمريخ في تشكّل مناخ معتدل سمح بتدفق المياه على الكوكب وازدهار أشكال الحياة الميكروبية.

اقرأ أيضاً: هل سيصبح المريخ مكب نفايات فضائياً؟

محاكاة لقشرة المريخ

بهدف إجراء محاكاة افتراضية لظروف المريخ التي سادت قبل مليارات السنين، صمم الفريق نموذجاً لقشرة هذا الكوكب وغلافه الجوي ومناخه بالإضافة إلى نموذج بيئي لمجموعة من الميكروبات التي توجد على الأرض، والتي تقوم باستقلاب الهيدروجين وثنائي أوكسيد الكربون. قال فيرييه في بيان صحفي: “هدفنا هو تصميم محاكاة لقشرة المريخ بما تحتويه من صخور ومياه مالحة والسماح لغازات الغلاف الجوي أن تتغلغل في السطح في هذه المحاكاة لمعرفة ما إذا كانت مولّدات الميثان قادرة على التكيف مع هذه الظروف”. (مولّدات الميثان هي الكائنات الدقيقة التي تطلق غاز الميثان كمنتج ثانوي لعملية الاستقلاب في الظروف منخفضة الأكسجة). وأضاف: “ما وجدناه هو أن هذه الميكروبات كانت قادرة على العيش في قشرة المريخ”.

اقرأ أيضاً: 5 مكتشفات ورؤى جديدة عن المريخ توفرها بعثة بيرسيفيرنس

الميكروبات المولدة للميثان هي الأكثر ترجيحاً

تعيش الميكروبات المولّدة للميثان من خلال تحويل الطاقة الكيميائية في بيئتها المحيطة وإطلاق غاز الميثان، بشكل مشابه للطريقة التي يحوّل فيها جسم الإنسان الأوكسجين إلى ثنائي أوكسيد الكربون من خلال عملية التنفس. تزدهر هذه الميكروبات في المواطن التي تسودها الظروف المتطرفة مثل الفتحات الحرمائيّة التي توجد على طول الشقوق في قاع المحيطات، ويمكن أن تُغني الأنظمة البيئية التي تحتوي على أشكال الحياة المتكيّفة مع ظروف الضغط المرتفع ودرجات الحرارة القريبة من درجة التجمّد والظلام الدامس.

افترض الفريق أن الميكروبات المرّيخية المولدة للميثان تعيش تحت سطح الكوكب وتختبئ تحت سماكة بضعة سنتيمترات من التراب الذي يحميها من الإشعاعات. وفقاً لسوتيري، من المحتمل أن هذه الميكروبات عاشت في أي منطقة من المريخ لا تحتوي على الجليد، تماماً كما يحدث على الأرض.

مع ذلك، من المحتمل أن امتصاص كمية كبيرة من الهيدروجين من الغلاف الجوي منخفض الكثافة والغني بثنائي أوكسيد الكربون أضر بطبقة الكوكب الواقية. ومع انخفاض كمية الهيدروجين في الغلاف الجوي، انخفضت درجة حرارة الكوكب وانتقلت الميكروبات التي عاشت على السطح أو تحته بقليل إلى طبقات أكثر عمقاً لتبقى على قيد الحياة.

اختفاء الغلاف الجوي للمريخ هو المشكلة الأكبر

قال فيرييه: “نعتقد أن المريخ كان أبرد قليلاً من الأرض في تلك الفترة. ولكنه لم يكن بارداً كما هو الآن على الإطلاق؛ إذ تقترب درجة حرارته حالياً من درجة تجمّد الماء على الأرجح”، وأضاف: “على الرغم من أن المريخ اليوم يوصف بأنه كتلة جليدية مغطاة بالغبار، فإننا نعتقد أنه كان في مراحله الأولى كوكباً صخرياً ذا قشرة مسامية مشبعة بالماء السائل الذي تسبب على الأرجح بتشكل البحيرات والأنهار وربما البحار والمحيطات أيضاً”.

طبّق الفريق أيضاً نماذج تتنبأ بدرجات حرارة سطح المريخ وقشرته لمحاكاة ظروف الطقس التي تعرضت لها أشكال الحياة المريخية المبكرة. مزج الباحثون هذه النماذج مع نموذج بيئي آخر لمعرفة ما إذا كانت أشكال الحياة الميكروبية قادرة على البقاء في بيئة الكوكب بمرور الوقت.

قال سوتيري في بيان صحفي: “تتمثّل المشكلة التي ربما واجهتها هذه الميكروبات في أن الغلاف الجوي للمريخ اختفى عملياً؛ إذ إنه ترقق كثيراً. لذلك، فإن مصدر الطاقة الأساسي لهذه الميكروبات زال. ومن المرجح أنها اضطرت للبحث عن مصدر بديل”، وأضاف: “بالإضافة لذلك، من المرجح أن درجة الحرارة انخفضت بشكل كبير، ما دفع الميكروبات للانتقال إلى أعماق أكبر في قشرة المريخ. حالياً، لا يمكننا تقدير الفترة التي ظل فيها المريخ قابلاً لإيواء الحياة بدقة”.

اقرأ أيضاً: كيف ستعيد ناسا العينات من المريخ إلى الأرض؟

يقترح الباحثون أن المناطق الأكثر ملائمة للبحث عن أشكال الحياة القديمة في المريخ هي سهل هيلاس المنخفض (وهي منطقة غير مدروسة بعد) وفوهة جيزيرو. تقوم مركبة بيرسيفيرنس الجوالة التابعة لوكالة ناسا بتجميع الصخور من فوهة جيزيرو حالياً، والتي تقع شمال غرب سهل إيسيدس المنخفض. وسيتم نقل هذه العينات إلى الأرض خلال العقد الرابع من القرن الجاري.