ما هي السياحة الفضائية؟ وما هي العقبات التي تواجه انتشارها؟

6 دقيقة
ما هي السياحة الفضائية؟ وما هي العقبات التي تواجه انتشارها؟
من عدد شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2000.

هل سئمت من وجهات العطل المعتادة وتبحث عن وجهة جديدة لهذا العام؟ يمكنك حجز إقامة في عطلة نهاية الأسبوع في منتجع جزيرة ليو (LEO Island resort). تبعد فنادق المدار الأرضي المنخفض في منتجعنا مسافة تبلغ نحو 160 كيلومتراً عن أي محطة مكوكية في الأرض. يمكنك أيضاً أن تصعد على متن رحلة مدارية؛ إذ تتمتّع أحدث اليخوت الفضائية في منتجع ليو بأجنحة خاصة لها إطلالات واسعة، وتوفر حفلات موسيقية ليلية ومسابح ذات جاذبية اصطناعية وغرف ساونا وقاعات رياضات عديمة الوزن. ليت هذا واقعاً بالفعل.

بالنسبة لسكان الأرض العاديين، قد تكون الرحلات الفضائية السياحية ضرباً من الخيال العلمي، لكن مجلة بوبيولار ساينس نشرت عام 2000 مقالة بقلم الكاتب المساهم، دان كراي، تنبأت فيه بأن هذه العطل الفاخرة قد تصبح واقعاً بحلول عام 2007. كان من المفترض أن يتحقق العديد من الشروط لجعل السياحة الفضائية واقعاً، خصوصاً في هذا الإطار الزمني الضيق. أحرز البشر بعض التقدم في هذا المجال خلال الربع قرن التالي، لكن التنبؤ بأن السياحة الفضائية ستصبح واقعاً بحلول عام 2007 كان تنبؤاً مفرطاً في التفاؤل حتى بالنسبة للأشخاص الفاحشي الثراء.

المصدر: فريق بوبيولار ساينس، نوفمبر/تشرين الثاني 2000

اقرأ أيضاً: ما هو تأثير الرحلات الفضائية المستقبلية في صحة البشر؟

بدايات الضجة حيال السياحة الفضائية

بدأت الضجة والإثارة حيال السياحة الفضائية عام 1990، عندما أصبح الصحفي الياباني تويوهيرو أكياما أول مدني يسافر إلى الفضاء. سافر أكياما على متن صاروخ سوفيتي من طراز سويوز إلى محطة مير الفضائية ضمن مهمة استغرقت 8 أيام اسمها "صحفي محطة مير الفضائي" (Kosmoreporter). مولت شركة طوكيو برودكاستنغ سيستم (Tokyo Broadcasting System) تذكرة أكياما، إذ دفعت للسوفيتيين مبلغاً غير محدد، لكنه تجاوز 12 مليون دولار على الأرجح. لم تكن برامج البث الليلية التي قدمها أكياما في أثناء إقامته نموذجاً جذاباً عن السياحة الفضائية، على الرغم من أن شركة طوكيو برودكاستنغ سيستم شهدت زيادة أولية في عدد المشاهدين والتقييمات. وصفت صحيفة نيويورك تايمز أكياما بأنه "بطل مزيف" في ديسمبر/كانون الأول 1990؛ إذ قالت: أمضى السيد أكياما الكثير من الوقت خلال [البث الليلي] وهو يصف التفاصيل الشنيعة لغثيان الفضاء. أكياما مدخّن شره وشعر برغبة في تدخين السجائر في الفضاء على نحو متكرر، علاوة على أنه اشتكى من شعوره بأن دماغه يطوف في رأسه، ولم يصطحب ما يكفي من الملابس الداخلية لأنه تلقى توجيهات بألا يحمل الكثير من الأمتعة".

عام 2001، بعد أشهر قليلة من نشر مقال كراي في بوبيولار ساينس، أصبح صاحب رأس المال المغامر الأميركي، دينِس تيتو، الذي عمل لدى وكالة ناسا في بداية حياته المهنية، ثاني مدني يسافر إلى الفضاء وأول سائح أميركي فضائي. كلّفت تذكرة تيتو 20 مليون دولار.

إذا كانت رحلة أكياما التي قضاها بصفته رائد فضاء واستمرت أسبوعاً هي التي أشعلت فتيل السياحة الفضائية من خلال إثبات أن المدنيين يستطيعون السفر إلى الفضاء، فإن ترقب رحلة تيتو هو الذي بعث الحياة مجدداً في هذه الإمكانية بعد عقد من الزمن. قال كراي مشيراً إلى رحلة تيتو الفضائية المقبلة: "يقول المولعون بالفضاء إن الدعاية الناجمة عن هذه الرحلة من شأنها أن تثير اهتمام المستثمرين من أصحاب رأس المال". في ذلك الوقت، تنبّأ ما يزيد على 6 من شركات السياحة الفضائية ومؤسساتها، التي تأسست في تسعينيات القرن العشرين، بأن هذا المجال سيزدهر تجارياً في العقد المقبل على الرغم من غياب سجل إنجازات فيما يتعلق بنقل أي شيء أو أي شخص إلى الفضاء.

تطوير وسائل ميسورة التكلفة للوصول إلى الفضاء

بعض المتحمسين للسياحة الفضائية، مثل رائد الفضاء الأميركي الشهير، باز ألدرين، الذي تبع نيل أرمسترونغ إلى سطح القمر في يوليو/تموز 1969، ركزوا جهودهم على تطوير وسائل ميسورة التكلفة للوصول إلى الفضاء. أسس ألدرين وكالة العقارات شير سبيس (ShareSpace) عام 1998 لترويج السياحة الفضائية للجميع، وليس فقط لفاحشي الثراء. كما أسس شركة ستار كرافت بوسترز (Starcraft Boosters) عام 1996 لتصميم صواريخ الدفع المعزِّزة القابلة لإعادة الاستخدام، والتي طورت العتاد البسيط لوكالة ناسا.

اقرأ أيضاً: هل تريد السفر إلى المريخ؟ إليك كم تستغرق الرحلة

شغل رائد الأعمال، جيفري مانبر، الذي لا يزال من الرواد في العمل على المهمات الفضائية بصفته مسؤولاً تنفيذياً في شركة فوياجر سبيس (Voyager Space)، منصب الرئيس التنفيذي لشركة ميركورب (MirCorp). ميركورب كانت مشروعاً استثمارياً مشتركاً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تأسس في تسعينيات القرن الماضي بهدف إتاحة استخدام محطة مير الروسية من قبل الشركات الخاصة قبل إزالتها من مدارها عام 2001.

ركّز المهتمون الآخرون بالفضاء على قابلية عيش البشر في الفضاء. على سبيل المثال، وظّف مؤسس سلسلة فنادق بدجِت سويتس (Budget Suites)، روبرت بيجيلو، جهده وموارده الوفيرة لتطوير مساكن فضائية قابلة للنفخ؛ إذ إنه أسس شركة بيجيلو إيروسبيس (Bigelow Aerospace) عام 1999. وضعت مجموعة سبيس آيلاند (Space Island Group) التي أسسها جين مايرز في منتصف تسعينيات القرن العشرين، خططاً لتحويل خزانات وقود المكاكيك الفضائية الأميركية المستهلكة إلى مساكن. اقترح مصممو الشركة طريقة تنطوي على ترك خزانات الوقود الفارغة، التي يبلغ حجم كل منها حجم طائرة بوينغ 747، في المدار حيث يمكن تجديدها وتحويلها إلى مساكن.

تحديات لوجستية أمام قضاء عطلات في الفضاء

بما أن قضاء العطل في الفضاء ينطوي على تحديات لوجستية فريدة من نوعها، فقد أدرك المسؤولون في شركة سبيس أدفنتشرز (Space Adventures)، التي تأسست عام 1998 ومقرها ولاية فرجينيا الأميركية، أن المواطنين المستقلين الأثرياء سيحتاجون إلى المساعدة في تخطيط رحلاتهم والتفاوض مع وكالات الفضاء والاستعداد للعيش في ظروف انعدام الوزن. سعت مؤسسة جمعية السياحة الفضائية (Space Tourism Society) عام 1996 إلى إنشاء مجتمع من المولعين بالفضاء الذين يملكون تفكيراً متماثلاً لمشاركة الموارد وحضور المؤتمرات وجذب الرعاة.

أغلبية الشركات والمؤسسات التي تأسست في التسعينيات لتطوير مجال السياحة الفضائية إما توقفت عن العمل وإما غيرت مهماتها إلى مهمات أقل طموحاً، وذلك باستثناءات قليلة مثل سبيس أدفنتشرز وجمعية السياحة الفضائية. توفر وكالة شير سبيس الآن موارد تعليمية للأطفال في المدارس، بينما توقفت نشاطات بيجيلو إيرورسبيس منذ عام 2019. مع ذلك، ملأت مجموعة جديدة من الشركات الفراغ الذي خلفته الشركات والمؤسسات القديمة في مجال السياحة الفضائية. أسس كل من المليارديرات وشركات الطيران الدولية أغلبية شركات الجيل الجديد هذه، وهي تتمتع بكم أكبر من الأموال والموارد مقارنة بأسلافها، ما يجعل إجراء رحلات السياحة الفضائية معقولاً أكثر بكثير، على الأقل بالنسبة للمليارديرات.

خلال العقدين المنصرمين، ظهرت شركات إطلاق الصواريخ في مختلف أنحاء العالم، ما رفع عدد عمليات الإطلاق المدارية ليبلغ 3 أضعاف نظيره من عام 2000، علماً أن أغلبية هذه العمليات هدفت لإرسال الأقمار الصناعية. تصدّرت شركة سبيس إكس عناوين الأخبار مؤخراً بعد نجاحها في إعادة صاروخ معزز كبير إلى منصة إطلاقه. تطوير الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام هي من الشروط الأساسية لتطوير السياحة الفضائية الميسورة التكلفة التي ذكرها الخبراء مثل ألدرين في التسعينيات.

معادلة التكلفة

شهد البشر عام 2024 أيضاً أول رحلة مشي تجاري في الفضاء يجريها مواطن مستقل، وهو الملياردير جاريد آيزاكمان. مع ذلك، لم تكن رحلة آيزاكمان الأولى من نوعها والمثيرة مبشّراً حقيقياً بنشوء قطاع السياحة الفضائية؛ إذ تشير بعض التقديرات إلى أن آيزاكمان دفع مبلغاً هائلاً قدره 200 مليون دولار لإجراء عملية المشي في الفضاء، وهو سعر ليس من المرجح أن يزيد الطلب في هذا القطاع، حتى بالنسبة لفاحشي الثراء.

اليوم، تنقسم شركات السياحة الفضائية إلى فئتين، فئة الشركات المدارية وفئة الشركات دون المدارية. في الرحلات دون المدارية، مثل تلك التي توفرها شركة فيرجن جالاكتيك، التي أسسها السير ريتشارد برانسون عام 2004، وشركة بلو أوريجين، وهي شركة الطيران والفضاء التابعة لجيف بيزوس، تسافر المركبات الفضائية إلى المنطقة الحدية بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء، على ارتفاع نحو 96 كيلومتراً فوق مستوى سطح البحر. بما أن هذه المركبات لا تدخل في مدار مستقر حول الأرض، وهذا ما يتطلب قطع مسافة إضافية تبلغ 64 كيلومتراً للوصول إلى المدار الأرضي المنخفض، فالرحلات دون المدارية قصيرة؛ إذ إنها تستغرق نحو ساعتين ذهاباً وإياباً. مع ذلك، يتمكن المسافرون من رؤية الأرض بوضوح واختبار انعدام الوزن بضع دقائق.

تنطوي الرحلات السياحية الفضائية المدارية على إرسال المسافرين إلى مدار حول الأرض، كما هو واضح من اسمها. اعتباراً من سبتمبر/أيلول 2024، أطلقت سبيس إكس 5 رحلات تجارية قصيرة لنقل مواطنين مستقلين إما إلى محطة الفضاء الدولية وإما إلى المدار الأرضي المنخفض. أجرى آيزاكمان أول عملية مشي في الفضاء لمواطن مستقل ضمن مهمة بولاريس دون (Polaris Dawn) التي أجرتها شركة سبيس إكس. أسهمت شركة سبيس أدفنتشرز، وهي واحدة من شركات السياحة الفضائية القليلة التي لا تزال قائمة منذ التسعينيات، في العديد من الرحلات الجوية الخاصة للمواطنين، على نحو أساسي من خلال ربط العملاء بفرق المهام المدارية في برنامج الفضاء الروسي روسكوسموس.

اقرأ أيضاً: رواد الفضاء يكشفون أسرار التكيُّف في محطة الفضاء الدولية: دراسة ميدانية فريدة

أصبح مجال السياحة الفضائية اليوم غنياً بالرؤى والأفكار العظيمة كما كان قبل ربع قرن من الزمن. على سبيل المثال، وضعت بلو أوريجين خططاً لمشروع يحمل اسم "الشعاب المدارية" (Orbital Reef)، وهو عبارة عن وجهة متعددة الاستخدامات، تقول الشركة على موقعها الإلكتروني إنها مخصصة "للتجارة والبحث والسياحة وغيرها". بدأت سبيس أدفنتشرز بالفعل الترويج لرحلات حول القمر؛ إذ قالت على موقعها: "سنأخذك إلى مناطق تبعد بضع مئات من الكيلومترات عن سطح القمر، حيث ستتمكن من رؤية الجزء المضاء منه والمشهد المذهل للأرض وهي تشرق على سطحه". لكن المشكلة هي أنه لا توجد حتى الآن أي مهمة مخطط لها للدوران حول القمر باستثناء مهمة أرتميس الثانية المأهولة التي ستجريها وكالة ناسا عام 2025.

تمثيل فني للمفهوم لمشروع الشعاب المدارية لشركة بلو أوريجين. المصدر: شركة بلو أوريجين

ربما لا يزال قطاع السياحة الفضائية يعاني مشكلة كبيرة تتمثل في المبالغة بالدعاية كما كان قبل ربع قرن من الزمن، ولكن أصبح عدد الشركات التي تمتلك كمّاً أكبر من الموارد وتتمتع بسجل إنجازات متنامٍ من الرحلات الفضائية الناجحة أكبر بكثير اليوم.

اقرأ أيضاً: ما مخاطر انعدام الضغط الجوي في الفضاء على جسم الإنسان؟

إذا كانت هذه الضجة بشأن السياحة الفضائية تتمتع بجانب إيجابي، فسيتمثل في أن الأميركيين لا يتوقعون أن يتمكنوا من السفر إلى المنتجعات الفضائية أو إجراء الجولات السياحية حول القمر في المستقبل القريب. بخلاف شركة سبيس أدفنتشرز، فإن شركات السفر ليست مهتمة على الإطلاق بالدخول إلى مجال السياحة الفضائية. وعلى الرغم من أن أحد استطلاعات الرأي والذي أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2023 بيّن أن 55% من الأميركيين يتوقعون أن تصبح السياحة الفضائية نشاطاً روتينياً، فإنهم لا يتوقعون أن تكون متاحة للعوام قبل نصف قرن من الآن. هذه الرحلات السياحية بعيدة المنال، إلا إذا كنت تملك مبلغ 100 مليون دولار يمكنك الاستغناء عنه.

المحتوى محمي