هل تريد السفر إلى المريخ؟ إليك كم تستغرق الرحلة

هل تريد السفر إلى المريخ؟ إليك كم تستغرق الرحلة
ستتطلب زيارة القطب الجنوبي الجليدي في المريخ الظاهر في الصورة رحلة في الفضاء لمدة سنتين أو 3 سنوات. وكالة الفضاء الأوروبية/مركز الفضاء الألماني/جامعة برلين الحرة/بيل دنفورد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن مسلسل ستار تريك (Star Trek) يوحي بأنه من الممكن السفر بين الكواكب بسرعات عالية جداً، فذلك يأخذ وقتاً طويلاً جداً في الواقع. لنأخذ السفر إلى كوكب المريخ على سبيل المثال: تستغرق المسابير التي ترسلها وكالة ناسا وغيرها من وكالات الفضاء نحو 7 أشهر للوصول إليه، لكن الرحلات المأهولة يمكن أن تستغرق وقتاً أطول، ربما بضع سنوات.

يحتاج الطاقم البشري إلى الكثير من اللوازم للبقاء على قيد الحياة في الرحلات الفضائية، مثل الغذاء والماء والأوكسجين، والإمدادات الكافية للعودة أيضاً، ما يزيد من وزن المركبة الفضائية ويبطئ حركتها، بينما لا تحتاج الروبوتات الفضائية إلى هذه الأشياء مطلقاً. اعتماداً على التكنولوجيا الحالية، تقدّر ناسا أن الرحلة المأهولة إلى المريخ ذهاباً وإياباً إضافة إلى الوقت الذي يقضيه الرواد على سطح الكوكب، تستغرق ما بين سنتين و3 سنوات. تقول قائدة فريق الهندسة والتصميم لمهمات المريخ في إدارة المهمات البشرية والعمليات الفضائية التابعة لوكالة ناسا (NASA)، ميشيل روكر، إن مهمة مدتها 3 سنوات ممكنة بلا شك.

لكن ناسا تهدف إلى تقصير هذا الجدول الزمني، لأسباب تتعلق بالسلامة في المقام الأول، إذ لم نفهم بعد تماماً كيف يتأثر جسم الإنسان ببقائه فترات طويلة ضمن بيئة الفضاء (الرقم القياسي لأطول فترة مسجلة للبقاء في الفضاء حالياً هو 437 يوماً). تستثمر الوكالة في مشاريع لتطوير تقنيات دفع جديدة قد تتيح السفر الفضائي بسرعة أكبر.

الطريق إلى المريخ مليء بالتحديات

تسافر السفن الفضائية في عالم الخيال العلمي من الأرض إلى المريخ مباشرة، وسيكون هذا المسار أسرع للرحلة بالتأكيد، لكن السفر عبر الفضاء في الواقع معقد أكثر بكثير من مجرد السفر من النقطة أ إلى النقطة ب.

يقول كبير تقنيي وكالة ناسا بين عامي 2011 و2013 وأستاذ علوم الفضاء في جامعة كورنيل، ميسون بيك: “يتطلب السفر عبر النظام الشمسي دون أن تتأثر المركبة بقوى الجاذبية قوة دفع هائلة غير محدودة، ولكن هذا السيناريو ليس ممكناً في الوقت الحالي”.

يمثل اتخاذ مثل هذا المسار المباشر نحو المريخ عدة تحديات للمركبات الفضائية؛ إذ إنها تحتاج عند انطلاقها من الأرض إلى قدر كبير من الدفع للهروب من جاذبية الأرض، وبمجرد وصولها إلى الفضاء، يمكن أن تسحبها قوى الجاذبية من الشمس والأرض والمريخ في اتجاهات مختلفة، وبعد الابتعاد بما يكفي ستحتاج إلى إجراء مناورات تتطلب كمية كبيرة من الوقود لمقاومة قوى الجاذبية والاستقرار في مدار حول الشمس.

اقرأ أيضاً: تحويل الماء إلى أوكسجين في ظروف الجاذبية المعدومة قد يسهل السفر إلى المريخ

تتمثل العقبة الثانية أمام السفر بين الكواكب في أن الكواكب ليست ثابتة، إذ تدور الكواكب حول الشمس بسرعات متفاوتة، وعندما تنطلق مركبة فضائية من الأرض باتجاه المريخ، لن تكون المسافة بين الكوكبين هي نفسها عندما تصل المركبة الفضائية فعلياً إلى المريخ بعد 7 أشهر مثلاً.

لذلك، يقول بيك إن الخيار الأكثر كفاءة من حيث استهلاك الوقود عند التوجه إلى المريخ هو اتخاذ مسار إهليلجي حول الشمس، وهذا المسار في اتجاه واحد فقط، ويمتد مئات الملايين من الأميال ويستغرق أكثر من نصف سنة على الأقل في أحسن الأحوال.

لكن تصميم مركبة فضائية مأهولة إلى المريخ لا يقتصر فقط على تحديد سرعة وصول المركبة الفضائية إليه وعودتها منه، فوفقاً لقائد قسم الدفع الفضائي في فريق الهندسة والتصميم لمهمات المريخ التابع لوكالة ناسا، باتريك تشاي، الأمر مرتبط بتحقيق توازنٍ بين مجموعة متنوعة من العوامل: “يجب علينا اتخاذ مجموعة كبيرة من القرارات التي تتعلق بطرق تحسين جوانب معينة. على سبيل المثال، متى نعطي الأولوية للأداء على الوقت؟ إذا أخذت في الاعتبار مقياساً واحداً فقط، فستتخذ قرارات صائبة بالنسبة لهذا المقياس ولكنها تسبب مشكلات في مجالات أخرى”.

تتعلق إحدى المفاضلات لتسريع السفر الفضائي بحجم حمولة المركبة الفضائية، ومع التكنولوجيا الحالية، فإن أي مناورة لتقصير مسار الرحلة إلى المريخ تتطلب استهلاك المزيد من الوقود.

عندما تقود سيارتك، تدرك أن عليك الضغط على دواسة الوقود لزيادة سرعتها، وبالمثل، يجب استهلاك المزيد من الوقود لزيادة سرعة المركبة الفضائية، إلا أن الفرملة والانعطاف في هذه الحالة يستهلكان الوقود أيضاً؛ لإبطاء سرعة المركبة الفضائية مثلاً، تنطلق محركات الدفع في الاتجاه المعاكس لحركتها الأمامية.

لكن لا توجد محطات للتزود بالوقود في الفضاء، وبالتالي يستلزم استهلاك المزيد من الوقود تخزين ما يكفي منه على المركبة، وتخزين هذه الكمية يستدعي استهلاك مزيد من الوقود لدفع هذا الحجم الزائد، وهكذا دواليك. وفقاً لروكر، تصبح المفاضلة بين الوقود ومدة المهمة أقل كفاءة عند محاولة تقليل مدة مهمة الذهاب والإياب إلى سنتين، على الأقل مع التكنولوجيا الحالية.

اقرأ أيضاً: اكتشاف مياه في أحد أودية المريخ الكبيرة تنعش آمال الحالمين بالعيش عليه

تقنية جديدة لتسريع الرحلات الفضائية

وضعت ناسا نصب عينيها تقليص مدة الرحلة إلى المريخ بدرجة كبيرة، لذلك أطلقت في عام 2018 دعوة لتقديم مقترحات للبحث عن أنظمة تكنولوجية قادرة على تمكين إرسال بعثات غير مأهولة صغيرة من الأرض إلى المريخ في 45 يوماً أو أقل.

لم تحظ المقترحات بقبول كبير في ذلك الوقت، لكن التحدي حفّز المهندسين على تصميم أنظمة دفع مبتكرة غير مسبوقة، وبدأت ناسا الآن بتمويل تطوير أبرز الأنظمة المقترحة الواعدة، مع التركيز بصورة خاصة على تكنولوجيا الدفع النووي.

تعتمد المركبات الفضائية حالياً على تكنولوجيا الدفع الكيميائي في المقام الأول، يقول تشاي: “يعتمد الدفع الكيميائي أساساً على مزج عامل مؤكسد مع الوقود ليتفاعلا ويحترقا، وبالتالي يولّدا الحرارة، ثم يوجَّه الهواء الساخن عبر فوهة لتوليد قوة الدفع”.

عرف المهندسون منذ عقود أن نظام الدفع النووي قادر على توليد قوة دفع أكبر باستخدام كمية أقل بكثير من الوقود مقارنة بالصواريخ الكيميائية، ومع ذلك لم يبنوا مثل هذا النظام حتى الآن، ولكن ذلك قد يتغير قريباً.

يهدف أحد مشاريع ناسا للاستثمار في تكنولوجيا الدفع النووي إلى دمج محرك نووي حراري في مركبة فضائية تجريبية. يُدعى المشروع برنامج “صاروخ العرض العملي للعمليات المرنة في المنطقة الفلكية القريبة” (Demonstration Rocket for Agile Cislunar Operations)، أو “دراكو” (DRACO) اختصاراً، وهو تعاون بين وكالة ناسا ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية “داربا”، ويهدف إلى إثبات فعالية هذه التكنولوجيا بحلول عام 2027.

اقرأ أيضاً: بعض البكتيريا «الأرضية» قد تتمكن من العيش على المريخ

مع ذلك، ثمة مشروع آخر يعمل على تسريع رحلات الفضاء إلى المريخ؛ تموّل ناسا مشروعاً يقوده باحثون من جامعة فلوريدا، ويهدف إلى إنشاء نظام يجمع بين الدفع النووي الحراري والدفع النووي الكهربائي، وهو ما يدعوه تشاي “الخلطة السحرية” للدفع النووي.

يقول قائد هذا المشروع وأستاذ الممارسة في جامعة فلوريدا لبرنامج البحوث التطبيقية الداخلي “فلير” (FLARE)، رايان غوس: “أجرينا بعض التحليلات الأولية، وتشير النتائج إلى احتمال أن نتمكن قريباً جداً من إنجاز رحلة إلى المريخ في غضون 45 يوماً فقط، ولكن بشرط أن تكون حمولتها خفيفة وألا تحمل بشراً على متنها”، وإذا نجح المشروع، يمكن توسيع نطاق التكنولوجيا في المستقبل لدعم رحلة مأهولة.

صاروخ الدفع النووي المقترح
يُظهر أحد التصميمات المُقترحة مركبة فضائية تختبر محرك صاروخ نووياً حرارياً. وكالة داربا

للدفع النووي نوعان، ولكل منهما مزاياه الفريدة؛ الأول هو الدفع النووي الحراري الذي يستخدم الحرارة ويولد قوة دفع كبيرة في فترة زمنية قصيرة باستخدام كمية قليلة من الوقود، والثاني هو الدفع النووي الكهربائي الذي يستخدم الجسيمات المشحونة، وهو أكثر كفاءة من حيث استهلاك الوقود ولكن قوة الدفع التي يولّدها أبطأ بكثير.

يوضح تشاي أن الدفع النووي الكهربائي يتمتع بكفاءة عالية في الفضاء السحيق حيث يوجد وقت كافٍ لعملية الدفع، وكفاءته أكبر بكثير من كفاءة نظام الدفع الكيميائي من حيث عدد الأميال المقطوعة لكل غالون من الوقود، لكن الدفع النووي الحراري أفضل حين يقترب الصاروخ من الكواكب حيث يحتاج إلى قوة دفع كبيرة ليفلت من جاذبيتها.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع البشر إنشاء مستعمرات على سطح المريخ؟

لكن التحدي يكمن في أن هاتين التقنيتين تتطلبان حالياً أنواعاً مختلفة من المفاعلات النووية كما يقول غوس، ما يعني الحاجة إلى نظامَين منفصلَين، وذلك يقلل كفاءة نظام الدفع النووي. لذلك يعمل غوس وفريقه على تطوير تكنولوجيا يمكنها استخدام نظام واحد لتوليد كلا نوعي الدفع،

ويعمل فريق الهندسة والتصميم لمهمات المريخ التابع لوكالة ناسا أيضاً على تصميم نظام دفع ثنائي النسق في الفضاء السحيق يستخدم نظام دفع كيميائي للمناورة حول الكواكب ونظام دفع كهربائي يعمل بالطاقة الشمسية.

تقول روكر: “نعمل على تطوير أدوات مختلفة، لأن أداة واحدة لن تكون كافية لجميع مهمات الاستكشاف التي نخطط لتنفيذها، لذلك نعمل على هذه المشاريع كلها معاً”.