كوكب المريخ بارد وجاف اليوم، لكن قبل مليارات السنين، احتوى سطح هذا الكوكب على الماء السائل، واهتم العلماء دائماً بطبيعة المريخ في ذلك الوقت. فحص الباحثون في دراسة جديدة نشرتها مجلة كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرمنت (Communications Earth and Environment)، بتاريخ 7 يوليو/تموز 2024، البيانات من عيّنات التربة التي جمعتها المركبة الفضائية كوريوسيتي (Curiosity) التابعة لوكالة ناسا وقارنوها بتربة أرضية مشابهة. يساعد ذلك العلماء على تصوّر طبيعة سطح المريخ كما كانت قبل مليارات السنين، وتشير البيانات إلى أن الكوكب كان في الواقع قاحلاً وبارداً ورطباً.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثّر اصطدامات الكويكبات في الرحلات المستقبلية إلى المريخ؟
كيف توصّل الباحثون إلى هذه النتائج؟
قضت المركبة كوريوسيتي أكثر من عقد من الزمن في فوهة غيل (Gale Crater)، وهي المعلم المريخي الذي هبطت فيه المركبة في عام 2012. تشكلت هذه الفوهة التي يبلغ قطرها نحو 161 كيلومتراً نتيجة حدث اصطدام كويكبي وقع منذ نحو 3.5-3.8 مليارات سنة. اختار العلماء فوهة غيل لتكون موقع هبوط المركبة بسبب الدلائل العديدة التي تشير إلى أنها كانت بحيرة في السابق. تتمتع عينات التربة التي جمعتها كوريوسيتي من هذه الفوهة بعدة سمات مميزة؛ إذ إنها تحتوي على السيليكا كما أنها غنية بالحديد وتفتقر إلى الألومنيوم.
يتشكّل هذا النوع من التربة في الأرض من خلال عملية تحمل اسم "السربنة"، وهي عملية جيولوجية تتحول وفقها المعادن المختلفة إلى السربنتينيت. الأهم من ذلك هو أن هذه العملية تتطلب وجود الماء السائل، ما يعني أن وجود المواد التي تتمتع بتركيب مشابه في فوهة غيل يمثّل دليلاً إضافياً يشير إلى أن الفوهة كانت غنية بالماء سابقاً.
السمة الرئيسية الأخرى للعينات المريخية هي أنها "غير متبلورة تحت الأشعة السينية" إلى حد كبير، ما يعني أنها تفتقر إلى بنية بلورية متكررة يمكن فحصها باستخدام تقنية حيود الأشعة السينية. كانت الطبيعة غير المتبلورة للعينات بمثابة مفاجأة للعلماء، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن العلماء ينظرون إلى المواد غير المتبلورة عموماً على أنها "شبه مستقرة" فقط، وتشير الدراسة الجديدة إلى أن هذه المواد "عرضة للتحول إلى أطوار معدنية أكثر استقراراً من الناحية الديناميكية الحرارية وبلورية أكثر".
ما زال العلماء يجهلون سبب عدم حدوث هذه العملية في فوهة غيل، لكن إحدى الفرضيات تنص على أن "الظروف المقيدة حركياً مثل درجات الحرارة المنخفضة" تعوق عملية التحوّل. إذا صح ذلك، فإنه يشير إلى أن المريخ كان بارداً دائماً.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبين أن كوكب المريخ ربما شهد نشاطاً جيولوجياً
ما يحدث في بعض المناطق على الأرض قد يدعم فرضية المريخ الرطب القارس البرودة!
لجأ الباحثون بسبب عجزهم عن دراسة تربة المريخ مباشرة إلى العثور على عينات مشابهة في الأرض، ودرسوا خصائص تلك العينات. بحث هؤلاء في عدة مواقع تحتوي على تربة بتركيبة مشابهة، وشملت هذه موقعين في جبال كلاماث في ولاية كاليفورنيا الأميركية وموقعاً في غرب ولاية نيفادا وآخر في متنزه غروس مورن الوطني في جزيرة نيوفاوندلاند الكندية.
ما يهم هو أن العيّنات من جزيرة نيوفاوندلاند كانت غير متبلورة تحت الأشعة السينية، في المقابل كانت العينات من كاليفورنيا ونيفادا متبلورة. يشير ذلك إلى أن المناخ البارد في كندا أدى دوراً بالغ الأهمية في منع تشكّل البنية غير البلورية، ويدعم الفرضية التي تنص على أن ما حدث في المريخ كان مشابهاً. يقول عالم التربة وعالم الجيومورفولوجيا والمؤلف المشارك للدراسة الذي يعمل حالياً في معهد أبحاث الصحراء، أنتوني فيلدمان: "يتوافق وجود المواد غير المتبلورة الغنية بالحديد في فوهة غيل مع الظروف الباردة والرطبة التي كانت سائدة في أثناء تشكّل هذه المواد، التي تلتها ظروف باردة وجافة حافظت على المواد، ما يدل على أن وجود الماء ضروري لتشكّل هذه المواد؛ لكن يجب أن تكون درجات الحرارة منخفضة؛ أي أن تكون درجة الحرارة السنوية الوسطية قريبة من درجة التجمّد للحفاظ على المواد غير المتبلورة في التربة".
توفر الدراسة رؤى ثاقبة مثيرة للإعجاب حول الطرق التي يتبعها العلماء لاستنتاج المعلومات حول الماضي البعيد للبيئة من سجلها الجيولوجي. كما أنها تشير إلى أن بيئة المريخ لم تكن ملائمة للحياة قطّ حتى في ماضيه، عندما تدفقت المياه السائلة على سطحه البارد البعيد.