نيزك يضرب الأرض، سيناريو من بين السيناريوهات الأكثر رعباً بالنسبة للبشر. ولكن، ليست كل النيازك التي تدخل الغلاف الجوي للأرض ستصل إلى سطحها، بل منها ما يشتعل في الأعلى بسرعة كبيرة ما يمنحنا مشهداً مدهشاً وفرصة لتمني أمنية صغيرة. ألا تتمنى شيئاً عندما ترى شهاباً؟ حسناً، قد يكون أخطر ما يمكن تمنيه هو عدم رؤية هذا الشهاب! هذا ما تمناه سكان مدينة تشيليابينسك الروسية عام 2013، لأن نيزكاً انفجر فوق مدينتهم بطاقة تفوق طاقة قنبلة هيروشيما بـ 20-30 ضعفاً، مسبباً إصابة أكثر 1500 شخص وتضرر آلاف المنازل. فما هي النيازك إذاً ومن أين تأتي وما مدى خطورتها؟
ما هي النيازك؟
كتب بطليموس، عالم الفلك الأشهر في العصور القديمة، في وقتٍ ما من القرن الثاني الميلادي، أن الآلهة وعندما تمعن النظر إلى الأرض، فإن بوابة ما تُفتح بين السماوات والأرض، فتسقط النجوم من خلالها كوميض ضوء في السماء، وفي حال رأيت هذا "النجم المتساقط"، تمنّ أمنية، لعل الآلهة تراك أثناء نظرتها العابرة وتستجيب لك. أما اليوم، فنحن نعلم أن النجوم المتساقطة ليست نجوماً، بل يمكن القول إنها "صخور فضائية" دخلت الغلاف الجوي للأرض، فمنها ما يحترق في الغلاف الجوي ويُدعى شهاباً، ومنها ما يصل إلى الأرض ويُدعى حجراً نيزكياً، وإليك الفرق فيما بينها.
اقرأ أيضاً: ما هي رائحة الفضاء؟
النيازك
هي عبارة عن كتل من الصخور أو الحديد تدور حول الشمس تماماً كما تفعل الكواكب والكويكبات والمذنبات. تتكون معظمها من معادن السيليكات (السيليكون والأوكسجين)، وقد تحتوي على معادن أثقل مثل النيكل والحديد. تنشأ العديد من النيازك نتيجة اصطدام الكويكبات الموجودة في منطقة حزام الكويكبات (Asteroid belt)، وهي منطقة من النظام الشمسي تقع بين المريخ والمشتري مليئة بالكويكبات والصخور الصغيرة.
عندما تصطدم الكويكبات ببعضها بعضاً، فإنها تنتج حطاماً متفتتاً (النيازك)، ويمكن لقوة تصادم هذه الكويكبات أن ترمي بعضاً من حطامها، أو حتى الكويكبات نفسها، خارج مدارها المعتاد، وهذا ما يضع النيازك في مسار تصادمي مع كوكب ما كالأرض أو قمر ما كقمر الأرض. وقد تنشأ النيازك أيضاً نتيجة الحطام الذي تقذفه المذنبات أثناء سفرها في الفضاء، بالإضافة إلى أن نسبة صغيرة جداً من النيازك قد تنشأ نتيجة انفصال قطع صخرية من القمر أو المريخ بعد أن تصطدم بها أجرام سماوية مثل الكويكبات أو النيازك. وقد عُثر على النيازك أيضاً على حافة النظام الشمسي في منطقة تسمى حزام كايبر (Kuiper Belt) وسحابة أورت (Oort Cloud).
النيازك متفاوتة الحجم، يتراوح حجمها من حبيبات الغبار إلى كويكبات صغيرة، وهي تدور حول الشمس بسرعات مختلفة ووفق مدارات مختلفة، وقد تصل سرعة النيازك إلى نحو 42 كيلومتراً في الثانية وهي أقصى سرعة تصلها النيازك في النظام الشمسي.
اقرأ أيضاً: لماذا الفضاء شديد البرودة بينما الشمس شديدة الحرارة؟
الشُهب
عندما يدخل نيزك إلى الجزء العلوي من الغلاف الجوي للأرض، فإنه يسخن بسبب مقاومة الهواء، حيث تسبب هذه الحرارة المرتفعة توهج الغازات حول النيزك بشكل ساطع، يُطلق على هذا النيزك المتوهج اسم "شهاب" (Meteor) وقد يسمى أيضاً "النجم المتساقط" (Shooting star). وعلى الرغم من أن معظم النيازك التي تدخل الغلاف الجوي للأرض تكون غير ضارة لأنها تحترق وتتفكك قبل وصولها إلى سطح الأرض بمسافة كبيرة، فإن بعضها قد يكون أكثر خطورة.
يمكن أن تنفجر النيازك كبيرة الحجم في الغلاف الجوي، وهو ما يُسمى "الشهب المتفجرة" (Bolides)، مسببة ضرراً كبيراً، ومن أشهر هذه الحوادث خلال العقد الماضي هو ذلك الشهاب الذي انفجر فوق مدينة تشيليابينسك الروسية على ارتفاع 30 كيلومتراً في 15 فبراير/ شباط عام 2013، حيث بلغ قطره نحو 19 متراً، وكانت قوة انفجاره تعادل 500 كيلو طن من مادة تي إن تي (TNT) شديد الانفجار، وقد حطمت موجة الصدمة الناتجة عن الانفجار نوافذ آلاف المباني السكنية، وسببت دمار المحاصيل المزروعة على مساحات كبيرة، وأصابت أكثر من 1500 شخص بأضرار متعددة، كما أن الشهاب كان ساطعاً جداً، حيث فاق سطوعه سطوع الشمس بـ 30 مرة في أقصى درجات سطوعها، ما تسبب في إصابة الناس بحروق على الجلد والشبكية.
أما الآن، وفي حال اصطدم جزء من هذه الصخرة الفضائية فعلياً بالأرض، فقد تكون النتيجة أكثر كارثية، وهنا نصل إلى المحطة الأخيرة من رحلة النيزك الممتدة من الفضاء إلى الأرض.
اقرأ أيضاً: إلى أي حدّ يمكننا الاقتراب من الشمس دون أن نموت
الأحجار النيزكية
قبل أن يكون حجراً نيزكياً كان شهاباً وقبل أن يكون شهاباً كان نيزكاً، أي كان صخرة تجوب الفضاء، أما الآن وفي حال دخلت الصخرة إلى الغلاف الجوي واحترقت ولكنها لم تتفكك بأكملها فسوف تصل إلى سطح الأرض، وهو ما يُسمى الحجر النيزكي (Meteorite).
عثر العلماء على أكثر من 60,000 من الأحجار النيزكية على سطح الأرض، وهي تشبه إلى حد كبير الصخور الموجودة على سطح الأرض، باستثناء أن الأحجار النيزكية غالباً ما يكون لها مظهر خارجي قاتم اللون ومحترق نتيجة الاحتكاك مع الغلاف الجوي. بشكل عام، قسّم العلماء الأحجار النيزكية إلى 3 أنواع بناءً على تركيبها الكيميائي والمعدني، وهي:
- الأحجار النيزكية الصخرية: تتكون بشكل أساسي من معادن السيليكات، وتشكل نحو 86% من النيازك التي ضربت الأرض.
- الأحجار النيزكية الحديدية: تتكون بشكل أساسي من الحديد والنيكل، وتشكل نحو 5% من النيازك التي ضربت الأرض، وهي من أضخم النيازك التي اكتُشفت على سطح الأرض على الإطلاق، إذ غالباً ما يسمح تركيبها المعدني الثقيل بأن تعبر الغلاف الجوي للأرض دون أن تتفتت إلى أجزاء أصغر.
- الأحجار النيزكية الصخرية الحديدية: تحتوي على كميات متساوية تقريباً من معادن السيليكات والمعادن الثقيلة الأخرى، كالحديد والنيكل.
اقرأ أيضاً: ما سبب هبوط الهواء البارد وصعود الهواد الساخن في الغلاف الجوي؟
يكون 99% من الأحجار النيزكية التي تصل إلى سطح الأرض صغيرة الحجم، ويصغر قطرها عن 2 مليمتر، وهي ما تُسمى الأحجار النيزكية الصغيرة (Micrometeorites)، في حين أن بعضها يكون كبيراً جداً، وأكبر نيزك اكتشف على سطح الأرض حتى اليوم هو نيزك هوبا المكتشف في ناميبيا عام 1921، الذي يزن 54 ألف كيلوغرام.
يُذكر أنه عندما تصطدم النيازك كبيرة الحجم بسطح الأرض، فإنها تحدث عدة حفر تُسمى "الفوهات الصدمية" (Impact crater)، اكتُشف على سطح الأرض حتى اليوم نحو 175 حفرة، ومن أشهرها الفوهة الموجودة في ولاية أريزونا الأميركية، التي يبلغ قطرها نحو 1 كيلومتر، وعمقها نحو 230 متراً.
أما أكبر وأشهر الفوهات الصدمية الموجودة على سطح الأرض هي حفرة تشيكشولوب (Chicxulub) الموجودة قبالة ساحل شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، إذ يقدّر العلماء قطرها بنحو 10 كيلومترات، وهي مشهورة ليس فقط لحجمها الكبير، وإنما لأنها وحسب اعتقاد العديد من العلماء، فإن النيزك الكبير الذي سبب هذه الفوهة هو ما تسبب في انقراض الديناصورات والحياة الحيوانية والنباتية الأخرى منذ 65 مليون سنة.
عدد النيازك التي تدخل إلى الغلاف الجوي للأرض
تختلف التقديرات عن كمية الغبار والنيازك التي تدخل الغلاف الجوي للأرض كل يوم، ولكنها تتراوح تقريباً ما بين 5 إلى 300 طن متري، يحترق معظمها أثناء عبور الغلاف الجوي. أما بالنسبة للشهب المتفجرة، فتقدّر مؤسسة بي 612 (B612 Foundation)، وهي مؤسسة متخصصة في علوم الكواكب والدفاع الكوكبي، أن ثمة شهاباً ينفجر في الغلاف الجوي للأرض مرة واحدة كل عام، بحيث تعادل قوة انفجاره انفجار القنبلة الذرية في هيروشيما، ولكننا لا نلاحظه، وذلك إما لأنه يحدث في طبقات الجو العليا، وإما لأنه يحدث فوق مكان من الأرض غير مأهول بالبشر، خصوصاً أن مساحة كبيرة من الأرض غير مأهولة.
اقرأ أيضاً: هل ضرب كويكب ثان الأرض بعد الكويكب الذي تسبب بانقراض الديناصورات؟
أما بالنسبة للأحجار النيزكية التي تصل إلى سطح الأرض، فتقدّر بنحو 500 حجر نيزكي كل عام، معظمها يسقط في البحار والمحيطات أو في الأماكن النائية من الأرض، بحيث لا يمكن الوصول إلى هذه الأحجار ولا رؤيتها وهي تسقط. وحسب ناسا، فإن اصطدام نيزك كبير الحجم بسطح الأرض لا يشكل تهديداً كبيراً هذه الأيام، إذ وعلى الرغم من أن نيزكاً بحجم سيارة يدخل إلى الغلاف الجوي كل عام، فإنه يحترق ويتفتت في الهواء.
أما تاريخياً، يقدّر معدل اصطدام جسم نيزكي بحجم ملعب كرة القدم بسطح الأرض، بمرة كل 5000 عام، وهو ما قد يتسبب بحدوث ضرر كبير، أما معدل اصطدام كويكب كبير بما يكفي ليحدث كارثة بشرية عالمية فهو واحد كل عدة ملايين من السنين.