يمكن لنيزك فريد من نوعه يتمتع بكيمياء غير متوقعة، تحسين نماذج العلماء التي تتناول كيفية تشكل الكواكب الأرضية، وذلك وفقاً لدراسة جديدة تناولت صخوراً فضائية ناتجة عن نيزك ضرب الأرض منذ 200 عام.
تشير القرائن الكيميائية من هذه العينة البعيدة إلى أن المريخ والأرض -واللذين عادةً ما يُنظر إليهما على أنهما توأمان محتملان لأنهما كوكبان صخريان وجاران في النظام الشمسي- قد تشكلا بطرق مختلفة جداً: تشكلت الأرض ببطء، بينما تشكل المريخ بسرعة أكبر بكثير.
تشير الفرضيات الحالية حول تكوين الكواكب الصخرية، مثل المريخ أو الأرض، إلى أن بعض العناصر الموجودة في باطن الكوكب يجب أن تكون لها نفس الخصائص الكيميائية الموجودة في غلافه الجوي. وذلك لأن الكواكب الصخرية كانت مغطاة بمحيط من الصهارة في الأيام الأولى لنظامنا الشمسي منذ 4.5 مليار سنة. عندما بردت الكواكب وتصلب غلافها المنصهر، ربما أطلقت هذه العملية الغازات التي أصبحت أغلفة جوية.
اقرأ أيضاً: كيف ستعيد ناسا العينات من المريخ إلى الأرض؟
لم تكن تلك الغازات مجرد مواد كيميائية عادية. كانت موادَّ متطايرة وعناصر كيميائية ومركبات شديدة التبخر. تشمل المواد المتطايرة الهيدروجين والكربون والأوكسجين والنتروجين، وكذلك الغازات النبيلة، وهي عناصر خاملة لا تتفاعل مع العناصر الأخرى في بيئتها. على الأرض، ساهمت هذه المواد الكيميائية في النهاية بتطور عالمنا وجعلت الحياة ممكنة عليه.
مقارنة عينات المريخ
للبحث عن علامات مشابهة لهذه العملية على المريخ، قامت زميلة ما بعد الدكتوراة في معهد الجيوكيمياء والبترولوجيا في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ، ساندرين بيرون، بمقارنة مصدرين لغاز الكريبتون النبيل على المريخ. كان أحد مصادر هذا الغاز نيزكاً نشأ في داخل المريخ، بينما كان المصدر الآخر عبارة عن نظائر الكريبتون التي تم جمع عينات منها من الغلاف الجوي للمريخ بواسطة مسبار كيوريوسيتي التابع لوكالة ناسا. خلافاً للتوقعات، لم تتطابق تواقيع الكريبتون في كلا المصدرين. من شأن ذلك في الواقع تغيير تسلسل الأحداث حول كيفية تكوين المريخ لغازاته المتطايرة وغلافه الجوي في المقام الأول.
تقول بيرون: «يخالف ذلك النموذج القياسي لتراكم المواد الطيارة في الكواكب. تُظهر دراستنا أن الأمر أكثر تعقيداً بعض الشيء». نشرت بيرون نتائج دراستها يوم الخميس في مجلة "ساينس".
تشكلت الكواكب في نظامنا الشمسي من بقايا عملية ولادة شمسنا. في البداية، تجمعت كتل المواد في قرص دوار من الغاز والغبار، يسمى السديم الشمسي، حول النجم الجديد. ثم نمت بعض الكتل بفعل الجاذبية والاصطدامات إلى درجة كبيرة بما يكفي لتصبح كواكب، وطوّرت عمليات جيولوجية معقّدة فيها. بينما بقي بعضها الآخر صغيراً وغير نشط مثل الكويكبات والمذنبات البدائية.
اقرأ أيضاً: اكتشاف مياه في أحد أودية المريخ الكبيرة تنعش آمال الحالمين بالعيش عليه
يعتقد العلماء أن المواد المتطايرة قد اندمجت لأول مرة في العوالم الجديدة مباشرة من السديم الشمسي في المراحل المبكرة من تطور الكواكب. في وقت لاحق، ومع تبدد السديم الشمسي، دخلت المزيد من المواد المتطايرة إلى العوالم الجديدة مع النيازك الغضروفية التي كانت تضرب تلك العوالم، وهي قطع صغيرة من الكويكبات الصخرية التي لم تتغير منذ الأيام الأولى للنظام الشمسي. ثم ذابت تلك النيازك لاحقاً في محيطات الصهارة.
إذا كان الغلاف الجوي ناتجاً عن الصخور الفضائية، فإن علماء الكواكب يتوقعون أن المواد المتطايرة في الغلاف الجوي للكوكب تتطابق مع تلك الموجودة في النيازك الغضروفية، وليس مع السديم الشمسي. بدلاً من ذلك، وجدت بيرون أن عينات الكريبتون من داخل المريخ تكاد تعود بالكامل إلى النيازك الغضروفية، بينما الكريبتون من الغلاف الجوي يعود إلى السديم الشمسي.
لذلك تقترح بيرون أن المريخ ربما تعرض للقصف من قبل النيازك الغضروفية في وقت مبكر ثم تصلبت بينما كان هناك ما يكفي من السديم الشمسي لتكوين غلاف جوي حول الكوكب الأحمر المتصلب. تقول بيرون موضحة: «كان السديم سيتبدد بعد 10 ملايين سنة من تشكل الشمس، لذلك يُفترض أن يكون تراكم المواد الطيارة في المريخ قد اكتمل قبل ذلك بوقت طويل، ربما في الأربعة ملايين سنة الأولى له».
يقول زميل ما بعد الدكتوراة الذي يدرس تكوين الكواكب الأرضية في معهد كارنيجي للعلوم والذي لم يشارك في الدراسة، مات كليمنت: «يبدو أن المريخ قد اكتسب غلافه الجوي من الغاز البدائي الذي تخلل النظام الشمسي أثناء تشكله، وذلك يتسق مع نظرتنا بشكلٍ عام. نعتقد أن المريخ تشكل أسرع بكثير من الأرض».
دراسة كيمياء المريخ
غالباً ما يتطلع العلماء إلى المريخ لدراسة النظام الشمسي المبكر على وجه التحديد بسبب السرعة التي يُعتقد أنه تشكل بها. يبلغ حجم المريخ عشر حجم كوكب الأرض، وهو أقل نشاطاً من الناحية الجيولوجية، ما يعني أن الكوكب الأحمر ربما لا يزال محافظاً على الكثير من الظروف التي كانت سائدة في الأيام الأولى لمحيطنا الكوكبي.
ولكن لدراسة كيمياء المريخ، يتعين على العلماء إما إرسال مهام ميكانيكية مثل مسبار كيوريوسيتي إلى الكوكب وإما فحص أجزاء من حطامه الذي انفصل عنه وانطلق في الفضاء؛ ومن ثمَّ هبطت على سطح الأرض. لا يوجد سوى بضع مئات من هذه النيازك.
النيزك الذي درسته بيرون فريد من نوعه. في عام 1815، اخترق هذا النيزك الغلاف الجوي للأرض وتناثر إلى أجزاء فوق تشاسيني في فرنسا. منذ ذلك الحين، استنتج العلماء الذين فحصوا شظايا نيزك تشاسيني أنه من المحتمل أنه قد نشأ من باطن المريخ، وذلك على عكس جميع النيازك المريخية الأخرى.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: اصطدامات النيازك ربما جعلت المريخ غير صالح للحياة
ويقول كليمنت إن هذه الدراسة تسلّط الضوء على مقدار ما يجب تعلمه حول تكوين الكواكب، ويضيف: «ما زلنا لا نفهم تماماً من أين تأتي المواد المتطايرة على كواكبنا وأقرب كوكبين إلينا. كلما تعمقنا في تكوين الكواكب التي يمكننا دراستها بشكل أفضل، بدت هذه العملية معقّدة أكثر».
وحسب كليمنت، فإن كل اختلاف جديد يتم اكتشافه بين الأرض والمريخ يشير إلى المزيد من التنوع بين الكواكب في أماكن أخرى. يقول أخيراً: «إذا كان تكوين كواكب مختلفة جداً ومتقاربة جداً من بعضها بعضاً في نفس الوقت بهذه السهولة، فما هي العوالم الغريبة التي قد يكتشفها العلماء تدور حول نجوم أخرى؟».