لا يهتم العلماء عادة في جهوهم المتعلقة بالحفاظ على البيئة بالحيوانات التي تعيش في المستنقعات المعرضة للخطر والكهوف المظلمة. يعدّ البشر عموماً هذه الكائنات أقل جاذبية من الأنواع الأخرى التي تجري الجهات المختلفة حملات التوعية الواسعة بهدف الحفاظ عليها.
تقول عالمة البيولوجيا في مؤسسة ري:وايلد (Re:wild) للحفاظ على البيئة، كريستينا بيغز، لبوبساي: "عندما نتحدث عموماً عن الحيوانات المحبوبة، فنحن نفكّر بأطفال الملصقات إذا جاز التعبير؛ إذ تخطر على بالنا دببة الباندا والنمور والفيلة، وتكون هذه الحيوانات عادة من الثدييات الكبيرة".
اقرأ أيضاً: في يومه العالمي الأول: إليك بعض الحقائق المثيرة حول النمر العربي
التركيز على الحيوانات المهمّشة
تشهد الأرض حالياً موجة سادسة من الانقراض الجماعي تهدد الكائنات الحية جميعها، سواء كانت جميلة ومحبوبة أو لا. تعمل بيغز مديرة الأنواع المفقودة في مشروع البحث عن الأنواع المفقودة (Search for Lost Species) التابع لمؤسسة ري:وايلد للمساعدة على إنقاذ هذه الكائنات، وهي مبادرة تبحث عن 2,200 نوع مفقود في 160 دولة. وثّق المشروع 12 نوعاً من الأنواع التي يعد العثور عليها الأهم والبالغ عددها 25 نوعاً منذ عام 2017. تجري هذه المؤسسة نشاطاتها في الوقت المناسب؛ إذ أُزيل أكثر من 20 نوعاً من قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض في عام 2023 بسبب انقراضها.
تقول بيغز: "نركّز في مشروعنا على ما ندعوه ”الحيوانات المهمشة”؛ وهي تلك التي لم يدرسها العلماء كثيراً. تعد الحيوانات جميعها التي تعيش في نظام بيئي ما جذابة، وهي تؤدي دوراً يعزز صحة المنطقة التي تعيش فيها بأكملها".
لا تحظى هذه الكائنات اللزجة أو المكسوة بالحراشف أو المخيفة الأصغر حجماً بالقدر نفسه من الاهتمام والرعاية من البشر غالباً. يتمتّع البشر بتحيّز تطوري يدفعهم للخوف من الكثير من هذه الكائنات لأنها قد تشكّل خطراً عليهم. يعني ذلك أن البشر لا يدركون أهمية هذه الكائنات كما يدركون أهمية تلك التي لا يخافون منها، كما أن هذه الحيوانات تستحق الاهتمام وتحتاج إليه، وهو ضروري للغاية في عملية إعادة اكتشاف الأنواع المفقودة أو المنقرضة.
تعترف بيغز، التي كانت عالمة بيولوجيا بحرية سابقاً، بأنها اضطرت إلى التغلّب على تحيزاتها عندما طُلب منها الذهاب إلى الكهوف في مدغشقر لدراسة بعض الحيوانات التي تعيش هناك؛ إذ تقول: "يتمهل المرء عندها ويفكّر على نحو منطقي ويدرك أن دراسة هذه الحيوانات هي سبب وجوده في مواطنها. ففي النهاية، ذهبت إلى هذه المناطق لإجراء هذه الاكتشافات".
اقرأ أيضاً: اكتشاف نوع جديد من الضفادع قد يعلمنا كيفية حماية الأجنة من الأمراض
فقدان عدد من الأنواع أكبر من تلك المكتشفة
شاركت بيغز في تأليف دراسة نشرت بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2024 في مجلة غلوبال تشينج بايولوجي (Global Change Biology) فهرس فيها العلماء رباعيات الأرجل، وهي حيوانات ذات 4 أطراف، ظن العلماء أنها مفقودة من قبل ولكن أُعيد اكتشافها لاحقاً. يُعد نوع ما مفقوداً إذا لم يُرصد في البرية خلال مدة تتجاوز عقداً من الزمن على الرغم من أن العلماء والعلماء المواطنين يبحثون عنه. والنوع المعاد اكتشافه هو نوع فُقد مدة عقد من الزمن على الأقل ثم اكتُشف من جديد.
يعاد اكتشاف الأنواع أحياناً بالصدفة، مثلما حدث عند إعادة اكتشاف سحالي السقنقور القزم الأزرق اللسان، لكن عمليات إعادة الاكتشاف تنتج غالباً عن قضاء وقت طويل في الميدان.
يقول عالم الحفاظ على البيئة في جامعة برلين الحرة والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، توماس إيفانز، لبوبساي: "معدّل فقدان رباعيات الأرجل أكبر من معدل إعادة اكتشافها. لذلك، يزداد عدد الأنواع المفقودة من عقد لآخر، وهذا أمر سيئ".
وفقاً لإيفانز، تكون الأنواع المفقودة مهددة بخطر انقراض كبير عادة، كما أن أعدادها تكون منخفضة. عمل مؤلفو الدراسة مع خبراء من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية مقيمين في مختلف البلدان حول العالم لإنشاء قوائم الأنواع المدروسة، وركزوا على رباعيات الأرجل المفقودة والمعاد اكتشافها (الطيور والبرمائيات والزواحف والثدييات). حدد الباحثون أكثر من 800 نوع مفقود وجمعوا أكبر قدر ممكن من البيانات حول العوامل التي قد تساعد العلماء على إعادة اكتشافها. شملت هذه المتغيرات حجم الجسم وتأثّر الأنواع بالأنشطة البشرية وإن كانت مواطنها معزولة أكثر.
اقرأ أيضاً: العلماء يتتبعون شجرة العائلة التطورية الفريدة للتماسيح
علاقة إعادة الاكتشاف بنجاح جهود الحفاظ على الحيوانات
يعد التوصّل إلى طرق ملائمة للحفاظ على هذه الأنواع مهماً لإنقاذها، ولكنه قد يكون صعباً للغاية إذا لم يحدد العلماء المواطن المحتملة لهذه الأنواع.
يقول إيفانز: "ظاهرة رباعيات الأرجل المفقودة هي ظاهرة عالمية؛ لم يُرصد نحو ربع أنواع الطيور المفقودة في البرية خلال قرن من الزمن. وزن أنواع الثدييات المفقودة يبلغ 3 أضعاف في المتوسط من وزن أنواع الثدييات التي أعيد اكتشافها، ومن المفترض أن هذه الأنواع الظاهرة للعيان والكبيرة المفقودة يجب أن تكون مكتشفة الآن، ما يعني أنها قد تكون منقرضة".
إحدى الأفكار الرئيسية للدراسة هي أهمية الاهتمام بهذه الأنواع الأقل جاذبية التي تعيش في بعض الأماكن التي يصعب الوصول إليها. يعتقد الفريق أنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام للبرمائيات والزواحف، وأن هذه الأنواع تستحق المزيد من الاهتمام الهادف إلى الحفاظ عليها.
اكتشف الباحثون في دراسة أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أن نوعين من أصل كل 5 أنواع من البرمائيات مهددان بالانقراض، وأن البرمائيات ما تزال الفئة من الفقاريات المعرضة إلى خطر الانقراض الأكبر. مع ذلك، اكتشف العلماء في الدراسة نفسها أن خطر الانقراض الذي يتعرض له 63 نوعاً من البرمائيات انخفض بسبب إجراءات الحفاظ على البيئة التي اتُّخذت منذ ثمانينيات القرن الماضي، التي ما يزال من الممكن تطبيقها اليوم.
نقول بيغز: "يصبح الحفاظ على هذه الأنواع ممكناً وقابلاً للتطبيق عندما نبدأ بتركيز اهتمامنا على إجراءات الحفاظ وتخصيص الأموال لها. آمالنا كبيرة لأننا في خضم أزمة الانقراض، ويعد أي إجراء يمكننا اتخاذه لإنقاذ الأنواع من الانقراض مهماً".