التاريخ المشترك للقمل والبشر يكشف معلومات قيمة عن الإنسان

3 دقيقة
التاريخ المشترك للقمل والبشر يكشف معلومات قيمة عن الإنسان
تطوّر البشر والقمل على نحو مشترك منذ آلاف السنين، وأقدم قملة بشرية معروفة بالنسبة للعلماء هي عينة عمرها 10 آلاف عام وجدت في البرازيل. غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ارتبط مصير القمل، وهي حشرات مكروهة في جميع أنحاء العالم لأنها تتسبب بالحكة في فروة الرأس وتنتشر بسرعة في المدارس، ببصيلات الشعر لدى البشر. هذه الحشرات هي أقدم الطفيليات المعروفة التي تتغذى على دماء البشر، لذلك، فإن اكتشاف المزيد من المعلومات عنها يساعدنا على التعلّم عن البشر وأنماط هجراتهم.

بيّنت دراسة نشرت بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في مجلة بلوس ون (PLOS ONE) المفتوحة الوصول، أن القمل وصل إلى أميركا الشمالية في موجتين من الهجرة على الأرجح. حدثت موجة الهجرة الأولى عندما عبر البشر جسراً بريّاً كان يربط قارة آسيا بألاسكا منذ نحو 16 ألف عام خلال نهاية العصر الجليدي الأخير، وحدثت الثانية في أثناء الاستعمار الأوروبي.

القمل: أحافير حية يحملها البشر

قالت عالمة البيولوجيا التطورية في وزارة الزراعة الأميركية والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، مارينا أسكونسي، لبوبساي: “من بعض النواحي، القمل مثل أحافير حية يحملها البشر على رؤوسهم”.

القمل عبارة عن طفيليات عديمة الأجنحة تعيش حياتها بأكملها على أجسام مضيفيها، وهناك 3 أنواع معروفة تصيب البشر. تطور البشر على نحو مشترك مع القمل خلال آلاف السنين. ويبلغ عمر أقدم عيّنة معروفة بالنسبة للعلماء 10 آلاف عام، وُجدت في البرازيل عام 2000. يمكن أن تساعد دراسة القمل على التوصل إلى فهم أعمق لأنماط هجرة البشر، لأن العلاقة بين البشر والقمل وثيقة جداً.

قال عالم وراثة الثدييات في جامعة فلوريدا والمؤلف المشارك للدراسة، ديفيد ريد، لبوبساي: “رافقنا القمل عبر تنقلاتنا في العالم. مع ذلك، هذه الحشرات هي كائنات مستقلة تتمتّع بقدرة محدودة على الحركة (مثل عندما تنتقل من رأس شخص ما لآخر)، كما أنها توفر لنا معلومات قيّمة عن الفترة التي عاشت فيها بالتشارك مع البشر”.

اقرأ أيضاً: 13 خرافة عن الحشرات يكشف العلم حقيقتها

جماعتان مميزتان من القمل

حلل فريق من العلماء من الولايات المتحدة والمكسيك والأرجنتين في الدراسة الجديدة التباين الجيني لـ 274 قملة بشرية وُجدت في 25 موقعاً جغرافياً حول العالم. بيّن التحليل أن الحشرات المدروسة تنتمي إلى جماعتين متميزتين يعيش أفرادهما في مواقع مختلفة ولم يتزاوجوا إلا نادراً.

عاش أفراد الجماعة الأولى في مختلف المناطق حول العالم، وعاش أفراد الجماعة الثانية في أوروبا والأميركيتين. يعيش الأفراد الوحيدون الذين ينحدرون من الجماعتين في الأميركيتين. ويبدو أن هذه المجموعة المميزة من القمل نشأت عن تزاوج القمل الذي ينحدر من الجماعات التي نقلها البشر الذين عبروا جسر بيرنغ البري إلى أميركا الشمالية والقمل المنحدر من القمل الأوروبي.

اكتشف الباحثون أدلة جينية تبين أن تنقّل قمل الرأس يعكس كلاً من هجرة البشر إلى الأميركيتين من آسيا والاستعمار الأوروبي بعد وصول كريستوفر كولومبوس في أواخر القرن الخامس عشر.

يقول عالم سموم الحشرات في المجلس الوطني للأبحاث العلمية والتقنية في الأرجنتين والمؤلف المشارك للدراسة، أرييل تولوسا، لبوبساي: “يتمتّع قمل الرأس في أميركا الوسطى بالخلفية الآسيوية المرتبطة بتأسيس الأميركيتين، في حين أن قمل أميركا الجنوبية يعكس علامات استعمار الأوروبيين. اكتشفنا أيضاً أدلة على حدث هجرة بشريّ من أوروبا إلى الأميركيتين وقع بعد الحرب العالمية الثانية”.

القمل كمؤرخ للهجرات البشرية

تدعم الأدلة المكتشفة في هذه الدراسة الفرضية التي تنص على أن البشر الأوائل الذين عاشوا في الأميركيتين قدموا إليهما من آسيا في الفترة قبل 16-14 ألف عام، وانتقلوا جنوباً إلى أميركا الوسطى والجنوبية. مع ذلك، تشير الأدلة الأثرية الأخرى مثل آثار أقدام البشر التي وجدت في منتزه وايت ساندز الوطني التي تعود إلى الفترة قبل 23-21 ألف عام، بالإضافة إلى تقاليد الأميركيين الأصليين، إلى أن البشر عاشوا في الأميركيتين قبل العصر الجليدي الأخير وخلاله. اكتشف العلماء أدوات حجرية قد يبلغ عمرها 30 ألف عام في كهف في وسط المكسيك في عام 2020، ما يدفع للشك في فرضية عبور الجسر البري بين قارة آسيا وألاسكا.

توفّر الدراسة الجديدة أيضاً بعض المعلومات التي كانت مفقودة عن تطور القمل، وسلسل الباحثون جينوم القمل بالكامل ليستفيد منه الباحثون في المستقبل.

اقرأ أيضاً: حفرية لحشرة قاتلة تخبرنا عن تكاثر الحشرات

تقول أسكونسي: “استخدمنا الحمض النووي للقمل نفسه المستخدم في هذه الدراسة لتحليل جينوم القمل بالكامل، كما جمعنا المزيد من القمل، ما يعني أنه بحلول العام المقبل أو نحو ذلك، ستُجرى دراسات جديدة تحاول الإجابة عن الأسئلة التي نحاول معالجتها”.

ستساعد التقدمات التكنولوجية الحالية العلماء على دراسة الحمض النووي القديم للقمل الذي وُجد في المومياوات وحتى المستخرج من الأمشاط القديمة. توفّر الدراسة الجديدة أيضاً معلومات قيّمة عن دراسة الحيوانات التي قد يعدّها البشر مصدر إزعاج عموماً.

يقول ريد: “العالم مليء بالنباتات والحيوانات المكروهة أو المحتقرة. ولا يمكننا أن [نعلم] تماماً ما الأدوار التي تؤديها هذه الكائنات في البيئة أو قيمتها الحقيقية. لذلك، يجب أن نتحلى بالفضول ونحاول اكتشاف المعلومات التي تخفيها حتى أدنى أنواع الحيوانات”.