تعرّف إلى سرطان الوجه الذي يهدد حيوانات شياطين تسمانيا بالانقراض

تعرّف إلى سرطان الوجه الذي يهدد حيوانات شياطين تسمانيا بالانقراض
شياطين تسمانيا، التي تعيش في جزيرة ماريا قبالة ساحل جزيرة تسمانيا في أستراليا، هي الأمل الوحيد لبقاء النوع بأكمله. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل 8 سنوات، التقيت باحثين من برنامج إنقاذ شياطين تسمانيا (STDP) في جزيرة تسمانيا في أستراليا، للتعرف إلى طبيعة عملهم حول حماية الجرابيات المهددة بالانقراض. منذ ذلك الحين، واصلت متابعة هذا الموضوع من خلال مراقبة كيفية نجاح شياطين شبه جزيرة فورستييه (Forestier Peninsula)، التي كانت محور مقالتي الأصلية المنشورة في أواخر عام 2015، في حياتهم الجديدة.

جهود لحماية الشياطين التسمانية من الأمراض المعدية

تُعد الأمراض السرطانية المعدية؛ مثل مرض سرطان الوجه الشيطاني (DFTD)، نادرة جداً في الفقاريات. وعلى الرغم من ذلك، فإن فهم كيفية انتقال هذه الأمراض وطريقة تجنبها الجهاز المناعي يمكن أن تكون له تأثيرات في كل من مجال الحفاظ على البيئة وعلم الأورام. لإجراء هذا البحث، يجب أن يوجد أفراد من حيوانات شياطين تسمانيا يتمتعون بحالة صحية جيدة.

لهذا السبب؛ في أواخر عام 2015 وبداية عام 2016، أطلق برنامج إنقاذ شياطين تسمانيا 49 شيطاناً جرت تربيتهم في بيئة خاصة ومراقبة في شبه جزيرة فورستييه المعزولة، للانضمام إلى نحو 30 شيطاناً برياً يعيشون بالفعل في شبه جزيرة تسمان المجاورة. إن إنشاء مجتمع جديد من الشياطين الخالية من الأمراض التي تخضع إلى مراقبة دقيقة (مع وجود مجموعة أخرى بالفعل في جزيرة ماريا (Maria Island)، الواقعة قبالة الساحل الشرقي لجزيرة تسمانيا) من شأنه أن يمنح الباحثين مزيداً من الوقت لتطوير لقاح يسهم في حماية الشياطين التسمانية من الأمراض المعدية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من تجربة حماية هذا النوع من الأسماك المهددة بالانقراض؟

كان من المفترض أن يمثل إطلاق هذه المجموعة بارقة أمل للأنواع المهددة بالانقراض؛ لكنّ ذلك لم يحدث بسبب اكتشاف حدث مهم على بُعد نحو 50 كيلومتراً غرباً عبر البحر، في شبه جزيرة أخرى تابعة إلى جزيرة تسمانيا. رصد أحد السكان المحليين حيوان شيطان تسمانيا الذي كان يعاني ورماً كبيراً في الوجه؛ ما يُعد علامة مميزة لمرض سرطان الوجه الشيطاني.

أظهرت الاختبارات الروتينية نتائج غير مُطمْئنة؛ إنه سرطان جديد.

يُطلق على هذا المرض الجديد اسم “سرطان الوجه الشيطاني 2” (DFT2)، ويختلف وراثياً عن السرطان الأصلي الذي يسمَّى “سرطان الوجه الشيطاني 1” (DFT1). يشكل هذا المرض تهديداً إضافياً خطِراً لهذه الأنواع كما أن طريقة انتقاله وأعراضه مشابهة للسرطان الأصلي.

كيف يتطور سرطان الوجه لدى شيطان تسمانيا وينتقل؟

على الرغم من ذلك، فإن اكتشاف المرض الجديد يوفر معلومات حاسمة لفهم سبب تطور هذا المرض وكيفية انتقاله. اتضح أن إصابة حيوانات شياطين تسمانيا بهذا المرض ليس من قبيل الصدفة؛ إذ ربما توجد عوامل أخرى تجعلهم أكثر عرضة إلى الإصابة بهذا المرض مقارنة بالحيوانات الأخرى. توجد 3 أنواع من السرطانات المعدية المعروفة التي تصيب الفقاريات في البيئة البرية في العالم، وتعاني شياطين تسمانيا اثنين منها.

تقول الباحثة في السرطانات الجينية والقابلة للانتقال في جامعة كامبريدج في إنجلترا، إليزابيث مورشيسون (Elizabeth Murchison): “إنها مفاجأة كبيرة جداً! كنا نعتقد أن السرطانات القابلة للانتقال نادرة جداً؛ تشبه الصاعقة التي تضرب فجأة وبطريقة عشوائية. لذلك؛ كنا نظن أن الشياطين التسمانية هي مجرد حيوانات غير محظوظة تعاني هذا المرض”. لم يكن مرض سرطان الوجه الشيطاني من النوعين الأول والثاني أول الأمراض السرطانية التي تظهر لدى الشياطين التسمانية، ومن المرجح أن يظهر مزيد من الأمراض السرطانية في المستقبل.

يسهم سلوك شياطين تسمانيا، الذي يتمثل في عض بعضها لبعض أحياناً، في انتشار المرض، بالإضافة إلى انخفاض تنوعها الوراثي والتشابه الكبير في الجينات؛ ما يخلق ظروفاً مثالية للسرطانات لتجنب جهاز المناعة لدى الحيوانات الجرابية. يمكن أن يسهم عامل آخر أيضاً في عدم قدرة الشياطين على محاربة العدوى، وهو وجود مشكلة في الجهاز العصبي المحيطي لديها؛ إذ يبدو أن هذين النوعين من السرطانات يتشكلان في الجهاز العصبي المحيطي.

على الرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن تكون الملوثات البيئية مسؤولة عن ذلك كما هو مقترح في المقال الأصلي. وفقاً لمورتشيسون؛ يشير الأثر الذي تركته التغيرات الجينية في الحمض النووي لهذه الحيوانات إلى أن السرطانين هما حدثان طبيعيان. تقول: “لا يوجد أي دليل يشير إلى تعرض هذه الحيوانات إلى مواد كيماوية أو إشعاعية أو أي شيء من هذا القبيل”.

اقرأ أيضاً: الباندا لم تعد مهددة بالانقراض، لكن مشكلاتها لم تنته بعد

تطوير لقاح مضاد للمرض

لحسن الحظ، لم يؤدّ اكتشاف مرض السرطان الثاني إلى إبطاء عملية تطوير اللقاح. ويقول أحد كبار الزملاء الباحثين في معهد مينزيس للأبحاث الطبية (Menzies Institute) بجامعة تسمانيا، أندرو فليس (Andrew Flies): “نظراً إلى تشابه هذين النوعين من السرطانات في عدة جوانب، يمكن لفريق البحث تطوير لقاح لكليهما”.

في عام 2024، ستبدأ الاختبارات على لقاح تجريبي لعلاج مرض سرطان الوجه الشيطاني الأول (DFT1)، وفي الوقت نفسه، يجري العمل بالفعل على تطوير لقاح يستهدف كلا النوعين. ستنشر السلطات قطرات الطعم التي تحتوي على اللقاح عبر أراضي تسمانيا البرية الشاسعة بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من حيوانات شياطين تسمانيا وتطعيمها باللقاح.

وعلى الرغم من أن تنفيذ خطة توزيع اللقاح سيستغرق عدة سنوات، فإن الشياطين لم تعد مهددة بخطر الانقراض الوشيك. لا تبدو أعداد هذه الحيوانات واضحة تماماً؛ لكن بفضل المشروعات التجريبية لتحسين التنوع الوراثي من خلال إطلاق حيوانات الشياطين السليمة، فإن أعدادها ما تزال جيدة في عدة مناطق، على الأقل في الوقت الحالي.

تقول الباحثة في جامعة سيدني، التي تعمل مع الأنواع المهددة بالانقراض في أستراليا مثل شياطين تسمانيا منذ أكثر من 25 عاماً، كارولين هوغ (Carolyn Hogg): “لا تؤدي الأمراض إلى انقراض الأنواع بصورة مباشرة؛ لكنها تؤدي دوراً مهماً في إضعاف صحة الأنواع وتفتح الباب أمام العوامل الأخرى التي تسهم في انقراضها نهائياً”.

اقرأ أيضاً: لماذا يعد حيوان الهلبندر سيئ السمعة مهدداً بالانقراض؟

عوامل انتشار السرطان بين شياطين تسمانيا

بالنسبة إلى شياطين تسمانيا، تشمل هذه العوامل الأخرى انخفاض التنوع الوراثي وفقدان الموائل وحوادث الدهس على الطرقات؛ إذ لا تستطيع هذه الحيوانات الليلية مقاومة الجثث المتعفنة على جوانب الطرق فهي تُعد وجبة سهلة المنال، في منطقة تُعد عاصمة حوادث الدهس على الطرق في العالم. في عام 2021، تَسبب سائقو السيارات في مقتل أكثر من 100 حيوان من شياطين تسمانيا على امتداد طريق يبلغ طولها 25 كيلومتراً في شمال غرب تسمانيا.

تقول هوغ: “إذا كانت لدينا 5 إناث فقط قادرة على التكاثر وتعرضت اثنتان منها إلى حوادث دهس على الطريق، فإننا نفقد 40% من الأعداد القادرة على التكاثر في حادث واحد”.

هذا بالضبط ما حدث لشياطين شبه جزيرة فورستييه التي كتبتُ عنها في المقال الأصلي. تسبب السائقون في موت 16 من أصل 49 من الشياطين في غضون 6 أسابيع من إطلاقها. من خلال المتابعة والمراقبة، اكتشفت هوغ وفريقها أن الشياطين التي نشأت في مرافق خاصة لعدة أجيال أظهرت ميلاً أكبر لاستخدام الطرق مقارنة بالشياطين البرية.

تقول هوغ: “يجب تجنب إطلاق هذه الحيوانات بالقرب من الطرق الرئيسة لحمايتها من التعرض إلى الخطر؛ إذ إنها اعتادت من الناحية السلوكية سماع أصوات المركبات ما يؤثر في تفاعلها مع هذه الأصوات”.

اقرأ أيضاً: انقرض من 4 آلاف عام: عاج الماموث يهدد الفيلة بالانقراض

منذ ذلك الحين، أطلق برنامج إنقاذ حيوانات شياطين تسمانيا 11 دفعة أخرى من هذه الحيوانات السليمة في أنحاء الولاية جميعها لتحسين التنوع الوراثي للمجموعات البرية الحالية. التغيير الذي حدث هو أنه بدلاً من إطلاق الشياطين التي جرت تربيتها في بيئات خاصة، أصبح الأمر يعتمد الآن على النسل البري الذي ينتمي إلى المجموعات السليمة والخالية من الأمراض في جزيرة ماريا (Maria Island). جزيرة ماريا هي حديقة وطنية حيث لا توجد سيارات (باستثناء تلك التي يستخدمها حراس الحديقة)؛ إذ تحتوي شياطين برية غير معتادة على صوت حركة المرور، ومن ثَمَّ؛ من المرجح أن تبقى على قيد الحياة بنسبة كبيرة.

مجتمع من الشياطين البرية

يُعد الاعتماد على الشياطين البرية في جزيرة ماريا الخيار الأفضل لإنشاء مجتمع من الشياطين البرية حتى تطوير اللقاح المناسب. لكنّ إدخال الجرابيات إلى الجزيرة، التي كانت خالية من الشياطين حتى عام 2012، ما يزال يواجه انتقادات تشبه تلك التي كانت موجودة في عام 2015. في عام 2021، ذكرت جمعية بيرد لايف تسمانيا (BirdLife Tasmania) أنه على مدار عقد من الزمان، قضت الشياطين التي أُطلقت على 3,000 زوج من البطاريق الصغيرة التي كانت تتكاثر على الجزيرة. عُثر على بطاريق صغيرة بكثرة في البرية: توجد في تسمانيا مئات الجزر الساحلية، بالإضافة إلى نحو 110,000 إلى 190,000 زوجاً من الطيور القادرة على التكاثر.

تقول هوغ: “كنا نعلم أن ذلك سيحدث؛ لكن يوضح تقييم المخاطر أيضاً أن فوائد وجود مكان لتربية الشياطين البرية الخالية من الأمراض وتحسين تنوعها الوراثي كانت أكبر من فقدان الطيور”.

على الرغم من ذلك، فإن الأخبار ليست سيئة بالكامل. يعتقد الباحثون أن إدخال آكلات اللحوم هذه سمح بازدهار الحيوانات الموجودة على جزيرة ماريا؛ مثل البندقوط الشرقي المخطط (eastern barred bandicoots) المدرج في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض في البر الرئيس، وذلك من خلال دفع حيوانات البوسوم (possums) المفترسة إلى الإقامة في الأشجار ومن ثَمَّ تقليل تهديداتها للبندقوط الشرقي وتحسين فرص بقائه وازدهاره.

تراجعت أعداد إوز الرأس القاحلة بعد إدخال الجرابيات لكنها تعلمت أيضاً كيفية التعايش مع الشياطين. أما بالنسبة إلى مجموعات البطاريق الصغيرة، انخفضت أعداد هذه الحيوانات الموجودة في جزيرة ماريا بالتزامن مع انخفاض أعدادها في جزيرة مجاورة؛ ما يشير إلى احتمال وجود عوامل بيئية إضافية.

على الرغم من ذلك، فإن الحفاظ على الأنواع المحلية ومعرفة كيفية حمايتها على نحو فعال، بدءاً من البطاريق الصغيرة وصولاً إلى شياطين تسمانيا، ما يزال موضوعاً مثيراً للجدل وذا طابع عاطفي في أستراليا. توجد أخبار تتحدث عن أن بعض الأشخاص المتطوعين للحفاظ على البيئة يعملون سراً على إعادة توطين هذه الحيوانات البرية في أستراليا عن طريق تهريب الشياطين من جزيرة تسمانيا وإطلاقها في البر الرئيس؛ لكن تقول هوغ إنه من الممكن أن تصاب هذه الحيوانات بسرطان جديد في البر الرئيس نظراً إلى قابليتها العالية للإصابة بهذه الأمراض.

اقرأ أيضاً: كيف يهدد التغيّر المناخي حياة الدببة القطبية؟

يجب إنشاء حواجز حماية طبيعية لعزل مجموعات الشياطين؛ مثل الشواطئ الضيقة في شبه جزيرة فورستييه وشبه جزيرة تسمان أو المياه المحيطة بجزيرة ماريا، وذلك لمنع انتشار المرض وتعزيز فرص بقاء الشياطين وعدم انقراضها.

حالياً، ريثما يتوفر اللقاح اللازم، ستكون المجموعات الخالية من الأمراض على جزيرة ماريا العامل الحاسم في منع انقراض الشياطين والحفاظ عليها.