يضطر نمل ماتابيلي إلى القتال مع مصدر الغذاء الوحيد المتوافر له ليتمكن من التغذّي، وهو النمل الأبيض. تؤدي هذه القتالات غالباً إلى إصابات خطِرة بين نمل ماتابيلي بسبب الفكوك السفلية القوية للنمل الأبيض؛ التي يمكن أن تطعن النمل بضربات سريعة. مع ذلك، تكيّف نمل ماتابيلي بطريقته الخاصة واكتسب آلية تعتمد على اللعاب لعلاج الإصابات.
توصل بحث جديد إلى أن نملات ماتابيلي قد تكون قادرة على تمييز الجروح الملوثة من غيرها ومعالجتها بالمضادات الحيوية التي يحتوي لعابها عليها. وُصفت النتائج في دراسة نشرت بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications).
وجبة خطِرة ولكن ضرورية
يعيش نمل ماتابيلي في مناطق تقع جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. يمكن أن يصل طول النملة الواحدة إلى نحو 2.5 سنتيمترات، وهذا النوع من أكبر أنواع النمل في العالم. يتسبب النمل الأبيض الذي يعتمد عليه نمل ماتابيلي للبقاء بإصابات مهددة للحياة غالباً بالنسبة إلى هذا النوع من النمل. يمكن أن يفقد ما يصل إلى 22% من النمل ساقاً واحدة أو أكثر خلال هذه المواجهات في أثناء البحث عن الطعام في حياته. تنقل النملات أحياناً النملات المصابة إلى العش للتعافي.
وفقاً لفريق الدراسة الجديدة، السبب الرئيس لموت النمل هو الإصابة بعدوى بكتيريا الزائفة الزنجارية. لاحظ الباحثون أن النمل يعالج الجروح الملوثة بهذه البكتيريا على نحو متكرر.
يحتوي لعاب الثدييات مثل الكلاب والخفافيش جزيئات من المحتمل أنها تتمتع بخصائص علاجية، ومن المعروف أنها تلعق الجروح في محاولة للحد من نمو البكتيريا. يعتقد الفريق أنه على الرغم من أن الحيوانات الأخرى تلعق جروحها غريزياً، فإنها في الواقع لا تعرف أنها مصابة بالعدوى. مع ذلك، قد يتمتع نمل ماتابيلي بدماغ مدرك أكثر يستطيع تمييز إن كان الجرح يتطلب العلاج نتيجة تغييرات محددة في التركيب الكيميائي للجروح المصابة مقارنة بتلك غير المصابة.
اقرأ أيضاً: اكتشاف نوع جديد من آكلات النمل قد يوفر معلومات جديدة عن حلقة تطورية مفقودة
دراسة اللعاب
حلّل الباحثون في الدراسة الجديدة التركيب الكيميائي للعاب نمل ماتابيلي في المختبر. من المحتمل أن هذه الحشرات تضع اللعاب الذي يحتوي بروتينات ومركبات مضادة حيوياً على الجروح الملوثة. تفرز الغدة الجانبية الخلفية هذه المضادات الحيوية، وتقع هذه الغدة إلى جانب الصدر. تحتوي مفرزات هذه الغدة على 112 مكوناً، ومن المعروف أن نصفها له تأثيرات مضادة للميكروبات أو تأثيرات علاجية للجروح. من المرجّح أن تركيب هذه الجزيئات يتطلب استهلاك الكثير من الطاقة. لذلك؛ قدرة نمل ماتابيلي على تحسس بكتيريا الزائفة الزنجارية وأنواع البكتيريا الأخرى الضارة المنتشرة في التربة التي تعيش فيها قبل البدء بتركيب هذه المركبات هي قدرة مفيدة.
عندما وضع الفريق التربة من هذه المناطق على نمل ماتابيلي المجروح والملوث بالبكتيريا، ازدادت الأحمال البكتيرية خلال ساعتين فقط في كل من موقع الجرح وصدر النمل. يشير ذلك إلى أن هذه الحشرات قادرة على تمييز التغيرات في التركيب الكيميائي للجروح.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبيّن أن أدمغة النمل تتواصل بفعالية مدهشة لتحذير بعضها من الأخطار
قال عالم البيئة الحيوانية في جامعة يوليوس ماكسيميليانس في مدينة فورتسبورغ الألمانية والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، إريك فرانك، في بيان صحفي: "بيّنت التحليلات الكيميائية التي أجريت بالتعاون مع الأستاذ توماس شميت من جامعة يوليوس ماكسيميليانس أن محتوى بشرة النمل من الهيدروكربونات يتغير بسبب تلوث الجروح. لا أعرف أي كائن حي باستثناء البشر يمكنه إجراء مثل هذه العلاجات الطبية المتطورة للجروح".
عزل الباحثون بعض النملات المصابة عن باقي النملات لدراسة هذه الحالة بتفصيل أكبر. مات 90% من النملات المعزولة في غضون 36 ساعة؛ لكن معدل الوفيات انخفض إلى 22% بين مجموعة من النملات الجريحة التي عادت إلى مستعمرتها ولم تُعزَل. كانت معدلات البقاء بين النملات الجريحة ولكن غير المصابة قريبة من النسبة الأخيرة سواءٌ عُزلت أو أعيدت إلى المستعمرات.
لاحظ الفريق أن معدل الوفاة بين الحشرات المصابة انخفض بنحو 90% بعد استخدام العلاج باللعاب. كما لاحظو أن معدل وضع الإفرازات على النملات ذات الجروح الملوثة كان مرتفعاً للغاية مقارنة بالنملات ذات الجروح الخالية من البكتيريا.
يأمل الباحثون في الاستمرار بدراسة هذه الظاهرة لاكتشاف مدى تميز نمل ماتابيلي فيما يتعلق بسلوكيات العناية بالجروح. تشير الدراسة الجديدة إلى أن بكتيريا الزائفة الزنجارية هي السبب الرئيسي لتلوّث الجروح الناجمة عن المعارك لدى البشر، وأن الفريق يرغب في تحديد أنواع المضادات الحيوية في لعاب نمل ماتابيلي وتحليلها بالتعاون مجموعات بحثية كيميائية أخرى. قد يؤدي ذلك إلى اكتشاف مضادات حيوية جديدة، وذلك بالترافق مع ازدياد معدلات مقاومة المضادات الحيوية في العالم.