بطيئات المشية هي من الحيوانات الأقوى في العالم. تستطيع هذه الحيوانات المجهرية التي يطلق عليها عادة اسم "دببة الماء" البقاء على قيد الحياة في بيئات تسودها درجات الحرارة المتطرفة دون الماء أو الأوكسجين. من المحتمل أن العلماء اكتشفوا الآلية الجزيئية الدقيقة التي تطبقها هذه اللافقاريات الصغيرة لتحمّل مثل هذه الظروف القاسية. تتمتع بطيئات المشية بمستشعر جزيئي يتحسس العوامل التي تجعل البيئات غير صالحة للحياة ويدفعها للدخول في حالة سبات ثم استئناف أنشطتها المعتادة. وُصفت النتائج الجديدة في دراسة نُشرت بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2024 في المجلة المفتوحة الوصول بلوس ون (PLOS ONE).
اقرأ أيضاً: لماذا تنصبُّ جهود الحفاظ على الحيوانات الجميلة والمحببة حصراً؟
ما هي بطيئات المشية؟
هناك أكثر من 1,100 نوع من بطيئات المشية. وتعد هذه اللافقاريات المستقلّة قريبة للغاية جينياً من مفصليات الأرجل. يبلغ طول بطيئات المشية نحو ملليمتر واحد فقط، وهي تعيش في مختلف البيئات؛ إذ إنها شوهدت في النباتات المزهرة والنباتات الحزازية والرمال والمياه العذبة والمحيط.
تخترق أغلبية بطيئات المشية التي تتغذى على النباتات الخلايا النباتية باستخدام مراوِدها وتمتص محتويات الخلية للحصول على الغذاء. يُعد بعض أنواع بطيئات المشية من المفترسات الآكلة للحوم، وهي تتغذّى على اللافقاريات الصغيرة الأخرى.
راقب عالم الحيوان الألماني، يوهان أوغوست إيفرايم غوتسه، بطيئات المشية باستخدام المجهر في عام 1773، ووثّق أن أجسامها تبدو مثل الدببة الذابلة والمنكمشة. أطلق غوتسه على هذه الحيوانات اسم "دب الماء الصغير" بالألمانية (kleiner Wasserbär).
كيف تبقى بطيئات المشية على قيد الحياة في البيئات المتطرفة؟
تدخل بطيئات المشية في سبات يحمل اسم "حالة الرقود" عند وجودها في البيئات الجافة والقاحلة والقاسية. في هذه الحالة، تنكمش أرجل بطيئات المشية الثمانية وتصاب أجسادها بالجفاف وتتباطأ عمية الاستقلاب لديها لدرجة أن تحسسها يصبح مستحيلاً تقريباً. تأخذ بطيئات المشية شكل كرة في هذه الحالة، وتستطيع البقاء فيها سنوات. في السابق، لم يعرف العلماء بدقة ما السبب الذي يدفع بطيئات المشية إلى الدخول في حالة الرقود، التي لا تحتاج فيها إلى المغذيات، أو الخروج منها.
اقرأ أيضاً: لماذا تنجذب الحشرات للضوء؟ دراسة حديثة تحل لغزاً عمره آلاف السنين
عرّض الباحثون في الدراسة الجديدة بطيئات المشية لدرجات حرارة تصل إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر أو مستويات عالية من بيروكسيد الهيدروجين أو الملح أو السكر لتحفيز حالة الرقود في المختبر. أفرزت خلايا هذه الحيوانات جذور الأوكسجين الحرة المتلِفة استجابة إلى هذه الظروف الضارة. تتفاعل هذه الجذور الحرة مع جزيئات أخرى، وهي تؤكسد أيضاً حمضاً أمينياً يحمل اسم "السيستين".
السيستين هو أحد المكونات الرئيسة لتركيب البروتينات في أجسام بطيئات المشية، وتتسبب تفاعلات الأكسدة هذه بتغيير وظيفة البروتينات وبنيتها؛ ما يدفع بطيئات المشية إلى الدخول في حالة السبات. يمنح السيستين بطيئات المشية القدرة على تحسس بيئاتها والاستجابة إلى عوامل الضغط.
تتوقّف عملية أكسدة المستشعر عندما تتحسن الظروف البيئية وتختفي الجذور الحرة. وعندها، تخرج بطيئات المشية من حالة السبات. استخدام الفريق أيضاً المواد الكيميائية التي تعزل السيستين ولاحظوا أن بطيئات المشية لم تتمكن من تحسس الجذور الحرة ولم تدخل في حالة السبات.
وفقاً للفريق؛ تبيّن هذه النتائج أن السيستين هو مستشعر ضروري لبدء حالة السبات وإنهائها استجابةً لضغوط متعددة. وهي تشير أيضاً إلى أن أكسدة السيستين هي آلية حيوية تستخدمها بطيئات المشية للبقاء على قيد الحياة في البيئات التي تتغير باستمرار.
قال الباحثون في بيان صحفي: "تكشف دراستنا أن بقاء بطيئات المشية على قيد الحياة في الظروف التي تتسبب بالإجهاد يعتمد على أكسدة السيستين القابلة للعكس؛ التي تؤدي من خلالها مركبات الأوكسجين التفاعلية دور جهاز استشعار يمكّن بطيئات المشية من الاستجابة إلى التغيرات الخارجية".
اقرأ أيضاً: التاريخ المشترك للقمل والبشر يكشف معلومات قيمة عن الإنسان
ما فائدة هذا البحث للبشر؟
يمكن أن يكتشف العلماء في الدراسات المستقبلية إن كانت أنواع بطيئات المشية جميعها تطبّق هذه الآلية. نظراً إلى أن الجذور الحرة قد تكون مرتبطة بالأمراض المتعلقة بالتقدم في العمر، يمكن أن يتوصل العلماء إلى فهم أعمق للتقدّم في العمر من خلال إجراء المزيد من الدراسات حول بطيئات المشية.
قالت الباحثة في جامعة كارولاينا الشمالية في مدينة تشابل هيل والمؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، ليزلي هيكس، لمجلة نيو ساينتست (New Scientist): "يجب أن نتوصل إلى الأجوبة حول التساؤلات المهمة المتعلقة بإن كانت هذه الآلية الوقائية موجودة في أنواع الحيوانات جميعها أو في أنواع بطيئات المشية جميعها". تضيف هيكس قائلة إن هذه الأجوبة قد تساعدنا على التوصل إلى فهم أعمق لعملية التقدم في العمر وإلى طرق لإجراء الرحلات الفضائية الطويلة المدى.