ما هو تحديد الموقع بالصدى؟ وكيف تستخدمه الخفافيش لتوجيه نفسها؟

الخفافيش معروفة بقدرتها على "الرؤية" بالصوت؛ إذ إنها تستخدم آلية تحديد الموقع بالصدى للعثور على الطعام والمجاثم. ربما هناك أنواع من الخفافيش تستطيع إنشاء خريطة من الأصوات في نطاق مساكنها تساعدها على التنقل وتوجيه نفسها عبر منطقة يصل نصف قطرها إلى نحو 3 كيلومترات. وصف الباحثون المكتشفات الجديدة في دراسة نشرتها مجلة ساينس (Science) بتاريخ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

كيف تحدد الخفافيش موقعها باستخدام تحديد الموقع بالصدى؟

تستخدم الخفافيش التي تعتمد على تحديد الموقع بالصدى حزماً محلية وموجّهة من الصوت. مع ذلك، تتمتع آلية تحديد الموقع بالصدى هذه بمجال قصير، فضلاً عن أنها موجهة للغاية وفعالة أكثر في كشف الأجسام الكبيرة التي تبعد بضع عشرات من الأمتار فقط. على الرغم من أن العلماء يعرفون منذ زمن أن الخفافيش تستخدم آلية تحديد الموقع بالصدى لتحديد موقعها وتجنّب الاصطدام بالأجسام الأخرى، فإنهم يجهلون الكثير عن الآليات التي تتبعها لتوجيه نفسها في أثناء الطيران، وذلك لأن آلية تحديد الموقع بالصدى محدودة عندما يتعلق الأمر بالتوجيه.

اقرأ أيضاً: لماذا تأكل خفافيش الفاكهة كميات كبيرة من السكر ولا تُصاب بالسكري؟

أجرى فريق دولي من العلماء في الدراسة الجديدة تجارب على خفافيش كوهل (Pipistrellus kuhlii) التي يقل وزنها عن 28 غراماً. تعقب الفريق 76 خفاشاً بالقرب من مجاثمها على مدار عدة ليالٍ، ثم نقلوها إلى مواقع أخرى في منطقة يبلغ نصف قطرها نحو 3 كيلومترات تقع ضمن نطاق مسكنها.

تتبع الباحثون الخفافيش في الوقت الحقيقي باستخدام نظام تتبع عكسي يعتمد على نظام تحديد المواقع ويحمل اسم "أطلس" (ATLAS). تتبع الباحثون بعض الخفافيش باستخدام النظام أطلس فقط، بينما راقبوا مجموعة أخرى لتقييم تأثير كل من حاستي البصر والشم لديها وتحسسها للحقل المغناطيسي وآلية تحديد الموقع بالصدى في قدرتها على توجيه نفسها للعودة إلى مجاثمها.

عادت نسبة 95% من الخفافيش إلى مجاثمها في غضون دقائق بالاعتماد على تحديد الموقع بالصدى فقط. وفقاً للفريق، يبين ذلك أن الخفافيش تستطيع التنقل وتوجيه نفسها على نطاق 1.6 كيلومتر باستخدام آلية حسية توجيهية للغاية ومحلية نسبياً. مع ذلك، اكتشف الباحثون أيضاً أن الخفافيش تعزز قدرتها على توجيه نفسها باستخدام حاسة البصر عندما تعجز عن تطبيق آلية تحديد الموقع بالصدى.

الخفافيش تستخدم البصر أيضاً للعودة إلى مجاثمها

قالت عالمة البيئة السلوكية في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في ألمانيا والمؤلفة المشاركة للدراسة، آية غولدشتاين، في بيان صحفي: "فوجئنا باكتشاف أن هذه الخفافيش تستخدم البصر أيضاً، ولم نتوقع أنها قادرة على ذلك؛ إذ إن هذه القدرة مذهلة لأن الخفافيش تتمتع بعيون صغيرة للغاية لكنها تعتمد عليها في هذه الظروف".

بالإضافة إلى التجارب الميدانية، أنشأ الفريق أيضاً خريطة تفصيلية للوادي الذي أجروا التجربة فيه بالكامل. طور الباحثون هذه الخريطة ليتمكنوا من تصور تجربة كل خفاش على حدة باستخدام بيانات الوقت الحقيقي التي جمعها نظام أطلس خلال طيران الخفافيش، وليتوصلوا إلى فهم أعمق للطريقة التي استخدمت وفقها الخفافيش المعلومات الصوتية لتحديد المسارات التي أعادتها إلى مجاثمها.

اعتمد الباحثون في إنشاء الخريطة على البيانات المأخوذة من التجارب، وهي تبين أن الخفافيش تميل إلى الطيران بالقرب من المعالم البيئية التي تكون فيها "إنتروبيا الصدى" أعلى. هذه المناطق هي التي تزود الخفافيش بمعلومات صوتية أغنى تتمّم التصور الذي تشكّله باستخدام آلية تحديد الموقع بالصدى.

قالت غولدشتاين: "تطير الخفافيش في أثناء مرحلة تحديد الموقع بمسار متعرج ثم تتبع مساراً موجّهاً نحو وجهتها في مرحلة معينة، ما يشير إلى أنها تعرف موقعها بالفعل. تطير الخفافيش بالقرب من المعالم البيئية التي تحتوي على كمية أكبر من المعلومات الصوتية، وتتخذ القرارات المتعلقة بتوجيه نفسها".

اقرأ أيضاً: كيف توجّه الحيوانات مثل الدلافين والخفافيش نفسها باستخدام الصوت؟

تستطيع الخفافيش بعد ذلك استخدام هذه المعلومات الصوتية للتمييز بين المعالم البيئية وغيرها من المعالم (مثل التمييز بين الأشجار والطرق)، ثم تستخدم هذه المعالم على أنها معالم صوتية.

وفقاً للفريق، تبين التجارب الجديدة أن خفافيش كوهل تستطيع توجيه نفسها على نطاق بضعة أمتار باستخدام آلية تحديد الموقع بالصدى وحدها، لكنها تستطيع تعزيز قدرتها على توجيه نفسها من خلال المزج بين هذه الآلية وحاسة البصر عندما يكون استخدام هذه الأخيرة متاحاً. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الخفافيش المعالم الصوتية لتشكيل خريطة ذهنية تساعدها على العودة إلى مجاثمها.