لماذا أصبحت مكافحة بق الفراش أصعب من أي وقت مضى؟

10 دقيقة
حشرات بق الفراش تعاود الانتشار وبمقاومة أكبر ضد المبيدات الحشرية
أصبح بق الفراش مشكلة واقعية مجدداً بالنسبة للكثيرين. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبحت القصص الرهيبة عن بق الفراش مألوفة؛ إذ تغزو هذه الحشرات الماصة للدماء المنازل لدرجة أنها تتراكم على ارتفاع 2.5 سنتيمترات على الأرض، وأُغلق أحد المطارات للخضوع إلى عملية تنظيف عميق بعد أن رُصدت هذه الطفيليات وهي تتجول فيه. أُبلغ عن أن الكثيرين شعروا بالخوف والاشمئزاز خلال أسبوع الموضة لعام 2023 في باريس، حيث عملت كلاب الكشف عن بق الفراش فترات مطولة عندما ظهرت هذه الحشرات في دور السينما والقطارات.

اقرأ أيضاً: كيف تطور بقّ الفراش ليتغذى على دمائنا؟

نوعان مختلفان من بق الفراش

ظهر بق الفراش مجدداً وبشراسة في 50 دولة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي لأسباب من المؤكد أنها تتعلق بسفر البشر حول العالم وسوء إدارة الآفات. لكن الانتشار الجديد لهذه الحشرات يتمتع بسمة مميزة؛ إذ إن خبراء إبادة الحشرات لا يواجهون نوعاً واحداً فحسب من حشرات بق الفراش عند محاولة التصدي لها، بل نوعين مختلفين.

إلى جانب بق الفراش الشائع (Cimex lectularius)، الذي يعيش في النصف الشمالي للكرة الأرضية، أُبلغ الآن عن مشاهدات لنوع يُعد ابن عم بق الفراش ويحمل اسم بق الفراش الاستوائي (Cimex hemipterus) في المناطق المعتدلة.

قال عالما الحشرات ستيفن دوغيت وتشاو-يانغ لي في عدد عام 2023 من مجلة المراجعة السنوية لعلم الحشرات (Annual Review of Entomology) إن بق الفراش الاستوائي لم ينتشر بعيداً عن خط الاستواء تقليدياً. لكن بق الفراش الاستوائي ظهر في الولايات المتحدة والسويد وإيطاليا والنرويج وفنلندا والصين واليابان وفرنسا وأوروبا الوسطى وإسبانيا في السنوات الأخيرة، ويقول لي، وهو الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بمدينة ريفرسايد: “ظهرت هذه الحشرات في روسيا أيضاً، وهو ظهور لم يكن من الممكن تصوره سابقاً”.

بق الفراش الاستوائي ينتشر في أوروبا

أصبح بق الفراش الاستوائي، مثل بق الفراش الشائع، أكثر مقاومة للعديد من مبيدات الآفات الاعتيادية لدرجة أن هناك خبراء يقولون إنهم لن يكلفوا أنفسهم عناء استخدام هذه المبيدات إذا أصبحت منازلهم موبوءة. تشير التقديرات إلى أن مكافحة بق الفراش تكلّف الولايات المتحدة وحدها مليار دولار سنوياً، أضف على ذلك الوضع الجديد المُثير للقلق الذي يتجلى في أن بق الفراش عاد ليصبح مشكلة حقيقية مجدداً بالنسبة للكثيرين، كما كان خلال تاريخ البشر بأكمله.

لكن بينما يسارع العلماء للتوصل إلى استراتيجيات جديدة لمكافحة هذه الآفات تشمل مختلف الطرق بدءاً من التصنيعات الدقيقة التي تحبس الحشرات إلى الأبواغ الفطرية التي تغزوها وتقتلها، فإنهم يتعلمون أيضاً المزيد عن الحقائق البيولوجية الغريبة غالباً حول بق الفراش، التي قد تكشف يوماً ما عن نقطة ضعف هذه الحشرات.

رسمان متجاوران لبق الفراش الشائع (على اليسار) وبق الفراش الاستوائي (على اليمين)، رسمهما عالم الحشرات والرسام الإيطالي، أميديو جون إنغل تيرسي، قرابة عام 1919. يبدو أن النطاق الجغرافي لبق الفراش الاستوائي آخذ في الازدياد. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن
رسمان متجاوران لبق الفراش الشائع (على اليسار) وبق الفراش الاستوائي (على اليمين)، رسمهما عالم الحشرات والرسام الإيطالي، أميديو جون إنغل تيرسي، قرابة عام 1919. يبدو أن النطاق الجغرافي لبق الفراش الاستوائي آخذ في الازدياد. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن

اقرأ أيضاً: كيف وصلت حشرة البق إلى فراشنا وتغذت على دمائنا؟

التغذّي على دم البشر

يبيّن علم الجينوم أن بق الفراش ظهر قبل 115 مليون سنة، أي قبل انقراض الديناصورات. عندما ظهر البشر الأوائل وانتقلوا للعيش في الكهوف، كان أسلاف بق الفراش المنتشر اليوم جاهزين لغزو منازلهم. يعتقد العلماء أن هذه الحشرات تغذّت في الأصل على الخفافيش، لكن الخفافيش تخفض نشاط دورتها الدموية في أثناء حالة السبات الشبيهة بالنوم التي تدخل فيها، ما يجعل عملية تغذّي الطفيليات الماصة للدماء أصعب على الأرجح. بالتالي، يُفترض أن بعض أسلاف بق الفراش على الأقل اعتمد التغذّي على دماء البشر.

منذ ذلك الحين، لاحقت هذه الحشرات البشر عبر العالم؛ إذ إنها انتقلت عبر طرق الشحن القديمة وعبر الطائرات حديثاً. عُثر على حشرات بق الفراش المحفوظة في المهاجع التي استخدمها العمال في مصر القديمة منذ نحو 3,550 عاماً.

يستطيع بق الفراش البقاء على قيد الحياة سنة أو أكثر من الزمن دون التغذّي. يبلغ حجم هذه الحشرات حجم بذور التفاح المسطحة تقريباً، وهي تحشر نفسها في الشقوق الصغيرة للجدران أو في فواصل إطارات الأسرّة في أثناء النهار، وتزحف خارجها ليلاً بعد أن يجذبها كلٌّ من غاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يزفره النائمون ودفء أجسامهم ورائحة جلدهم.

وفقاً لدوغيت ولي، احتوى ما يقدر بـ 75% من المنازل في المملكة المتحدة على بق الفراش عام 1900. انتشرت وصفات غريبة لمكافحة هذه الحشرات على مر السنين، ومنها وصفة “لعصير القطط” وردت في دليل مكافحة الآفات من عام 1725، وتتضمن الوصفة خنق قطة وسلخها وشويها باستخدام سيخ وخلط السوائل الناتجة مع صفار البيض والزيت، ثم طلي الخليط على الشقوق حول الأسرّة.

عانى البشر هذه الحشرات خلال معظم تاريخهم، ويوجد هذا التمثيل الفني لها في كتاب نُشر في مدينة ستراسبورغ عام 1536. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن
عانى البشر هذه الحشرات خلال معظم تاريخهم، ويوجد هذا التمثيل الفني لها في كتاب نُشر في مدينة ستراسبورغ عام 1536. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن

تسبب كلٌّ من ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان (أو دي دي تي اختصاراً) ومبيدات الآفات التي تلت تطويره ببدء فترة راحة من بق الفراش امتدت بضعة عقود بين أربعينيات القرن العشرين وتسعينياته، واختفت هذه الحشرات لدرجة أن أغلبية الناس نسوها ولم يتعرفوا عليها عندما ظهرت مجدداً في مطلع الألفية الثانية.

يفترض دوغيت ولي أن عودة هذه الحشرات الماصة للدماء بدأت ضمن مناطق في قارة إفريقيا، حيث يتعايش بق الفراش الشائع والاستوائي على نحو طبيعي وحيث رُشّت مادة دي دي تي (ولاحقاً المبيدات الحشرية الأخرى) في غرف النوم لمكافحة البعوض الحامل للملاريا. قتلت هذه المواد الأغلبية الساحقة من بق الفراش أيضاً في البداية. لكن بعض الحشرات التي تتمتع بمقاومة لهذه المبيدات نجا وبدأ التكاثر.

يمص بق الفراش كمية من الدم يبلغ وزنها 3 أضعاف من وزنه، وهو يمتص في هذه العملية الفيروسات والعوامل القابلة للانتقال التي قد توجد في أجسام المضيفين، مثل فيروس التهاب الكبد ب وفيروس العوز المناعي البشري. لم يوثّق العلماء حالات نقلت فيها هذه الحشرات الأمراض التي تتسبب بها الفيروسات السابقة الذكر في البرية، لكن هذا لا يعني أن هذه الطفيليات حميدة.

يقول دوغيت، الذي يعمل في قسم علم الحشرات الطبي في مستشفى ويستميد في مدينة سيدني الأسترالية: “يتسبب بق الفراش بلدغات تعد من أكثر اللدغات تهييجاً بين لدغات الحشرات. لن أتمكن من النوم إذا لدغتني إحدى هذه الحشرات؛ إذ إن جسمي يصاب برد فعل شديد. تكون لدغات بق الفراش مروعة إذا كان عدد هذه الحشرات كبيراً”. وُثّقت حالات أشعل فيها أشخاص النار بالخطأ في فرشات أسرّتهم في محاولة يائسة لطرد هذه الحشرات، كما أنهم أحرقوا منازلهم بالنتيجة أحياناً.

اقرأ أيضاً: تجربة تكشف تطفلاً يشبه الماتريوشكا.. يرقات الفراشات تستضيف دبابير بداخلها بكتريا

البشر ليسوا الكائنات الوحيدة التي تعاني مضار هذه الحشرات. تتألف فصيلة البقيّات التي تنتمي إليها حشرات بق الفراش من نحو مائة نوع، وتفضّل الأغلبية الساحقة من هذه الأنواع لدغ حيوانات غير البشر، عادة الطيور. رصد علماء الأحياء صغار سنونو الجروف وهي تقفز من أعشاش موبوءة بشدة وتموت بسبب لدغات هذه الحشرات.

يمكن أن تؤدي حالات الغزو المتطرفة التي تتجمّع فيها مئات الحشرات في الأسرة ليلاً إلى إصابة البشر الذين يتعرضون للدغ بفقر الدم. ولكن حتى لدغات حفنة قليلة من هذه الحشرات يمكن أن تؤدي إلى إصابة الضحايا بالأرق والقلق والاكتئاب. قد يعاني هؤلاء النبذ من قبل أصدقائهم، وقد يتجنّب مؤجرو العقارات التعامل معهم، كما أنهم سيكونون أكثر عرضة لحوادث السير ومواجهة المشكلات في العمل لأنهم يعانون نقص النوم.

التُقِطت هذه الصور في شقة موبوءة ببق الفراش في مدينة باريس، وهي تبين فضلات هذه الحشرات (بلون داكن وتحتوي على الدم المهضوم) وبق الفراش في مراحل مختلفة من الحياة وبقايا الهياكل الخارجية في السرير وألواحه القاعدية والجدران. حقوق الصورة: محمد أخوندي وآخرون/مجلة دايغنوستكس 2023 (DIAGNOSTICS)
التُقِطت هذه الصور في شقة موبوءة ببق الفراش في مدينة باريس، وهي تبين فضلات هذه الحشرات (بلون داكن وتحتوي على الدم المهضوم) وبق الفراش في مراحل مختلفة من الحياة وبقايا الهياكل الخارجية في السرير وألواحه القاعدية والجدران. حقوق الصورة: محمد أخوندي وآخرون/مجلة دايغنوستكس 2023 (DIAGNOSTICS)

يتسبب بق الفراش على الأرجح بحالات الوفاة بين البشر، على الأقل على نحو غير مباشر. لاحظ دوغيت أن البعض في إفريقيا يتخلون عن استخدام الناموسيات التي تحميهم من البعوض وحالات الملاريا التي تهدد حياتهم لأن بق الفراش يختبئ فيها؛ إذ يقول: “يرتفع معدّل الإصابة بالملاريا في بعض المناطق، ونعتقد أن بق الفراش يؤدي دوراً في هذا الارتفاع”.

عدو مقاوم

أُبلغ حتى الآن أن بق الفراش يتمتع بمقاومة ضد أغلبية المبيدات الحشرية السائدة، مثل المُركّبات الكلورية العضوية ومركبات الفوسفات العضوية والكربامات والنيونيكوتينويدات ومركبات أريل بيرول والبيرثرويدات. تستطيع بعض سلالات بق الفراش المنتشرة حالياً تحمّل جرعات من مبيدات الآفات تبلغ مئات الأضعاف من الجرعات التي كانت تتسبب بموت هذه الحشرات على نحو متسق من قبل.

اكتسبت بعض سلالات بق الفراش طفرات جينية تمنع مبيدات الآفات من الارتباط بفاعلية بالخلايا، كما يركّب البعض الآخر إنزيمات تعمل على تفكيك السموم في الجسم بسرعة. اكتسبت سلالات أخرى هياكل خارجية أكثر سماكة لا تستطيع السموم اختراقها بسهولة.

كشف تحقيق أجري منذ عدة سنوات في مستشفى في مدينة كليفلاند الأميركية أن حشرات بق الفراش من سلالات مختلفة تظهر في المنشأة كل 2.2 يوم في المتوسط. يبدو أن بق الفراش الاستوائي يتكيّف أيضاً للعيش في المنازل مثل بق الفراش الشائع. يقول لي: “جعلت وسائل التدفئة وتكييف الهواء بيئات المعيشة أكثر تشابهاً. إذا أُدخل بق الفراش الاستوائي إلى منزل ما في النرويج، فسيستطيع البقاء على قيد الحياة حتى في فصل الشتاء”.

اقرأ أيضاً: 13 خرافة عن الحشرات يكشف العلم حقيقتها

بخاخات بق الفراش الوحيدة التي تُظهر فاعلية حالياً هي تلك التي تتألف من مزيج معين من المنتجات يحتوي على مبيدات الآفات من أصناف مختلفة. لكن يقول الخبراء إن هذه المواد ستصبح بلا فائدة لا محالة؛ إذ وردت بالفعل تقارير تُبيّن أن بق الفراش يكتسب مقاومة ضدها. يستخدم خبراء إبادة الحشرات أساليب غير كيميائية مثل المعالجات الحرارية على نحو متزايد؛ إذ يسخّن المحترفون المدربون الغرف إلى درجات حرارة تتجاوز 48 درجة مئوية عدة ساعات.

يرش هؤلاء غالباً غباراً ناعماً يحمل اسم التراب الدياتومي في أرجاء الغرف، ويلتصق هذا الغبار بالحشرات التي تختبئ في شقوق الجدران أو تحت فرشات الأسرة هاربةً من الحرارة. يتسبّب الغبار بحت الهيكل الخارجي للحشرات، ما يؤدي إلى إصابتها بالجفاف وموتها.

أدّى الإحباط الذي تسبب به بق الفراش للبشر عبر العصور إلى بيع العديد من المنتجات المخصصة للقضاء على الحشرات، مثل منتج ريبا (RIPA) المبين في الصورة، الذي رُوّج له على أنه "ملك المبيدات الحشرية" قرابة عام 1900. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن
أدّى الإحباط الذي تسبب به بق الفراش للبشر عبر العصور إلى بيع العديد من المنتجات المخصصة للقضاء على الحشرات، مثل منتج ريبا (RIPA) المبين في الصورة، الذي رُوّج له على أنه “ملك المبيدات الحشرية” قرابة عام 1900. حقوق الصورة: ويلكم كولكشن

ساعدت هذه التدابير، إلى جانب انتشار الوعي ببق الفراش، على إيقاف انتشار هذه الحشرات في بعض المناطق وحتى إزالتها جزئياً. على سبيل المثال، انخفض عدد الشكاوى عن بق الفراش في مدينة نيويورك إلى النصف بين عامي 2014 و2020، إذا إنها وصلت إلى 440 شكوى شهرياً في المتوسط بعد أن بلغت 875 شكوى شهرياً. مع ذلك، يقابل هذا المعدل 14 شكوى يومياً.

الطرق غير الكيميائية بطيئة عادة، على الرغم من فاعليتها. يقول عالم الحشرات في جامعة راتغرز في ولاية نيوجيرسي، تشانغلو وانغ: “تستغرق عملية القضاء على بق الفراش عادة ما يتراوح بين شهر وشهرين، وقد تستغرق 3 أشهر”. يجب أيضاً أن يبقى القاطنون في منازلهم الموبوءة خلال هذه الفترة.

قد تكون التدابير غير الكيميائية مكلفة للغاية أيضاً لأن تطبيقها قد يتطلب إجراء خطوات شاقة مثل سد الشقوق في الجدران أو إزالة الحشرات مباشرة من خلال التنظيف بالمكانس الكهربائية. في حين أن استخدام مبيدات الآفات السريعة المفعول (لكن التي تنخفض فعاليتها على نحو متزايد) قد يكلف بضع المئات من الدولارات فقط، فإن تكلفة عمليات الإبادة الميكانيكية يمكن أن تصل إلى عدة آلاف الدولارات. يعني ذلك أن الطرق الفعّالة للسيطرة على بق الفراش غير متاحة للكثير من الأميركيين، ما يجعلهم عرضة لحالات الغزو الشديدة التي يمكن أن تنتشر عبر المجتمعات.

اقرأ أيضاً: لماذا تنتشر الدعاسيق والخنافس كثيراً في فصل الخريف؟

تكاليف مكافحة باهظة

وفقاً لعالم الأوبئة في جامعة بنسلفانيا، مايكل ليفي، أدّى ذلك إلى انتقال الوباء إلى المجتمعات الفقيرة؛ إذ يقول: “على الرغم من أن العديد من المدن يطبّق سياسات لمكافحة بق الفراش حالياً، لا يقدّم إلا عدد قليل منها المساعدة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المعالجات”. أشار تقرير صدر عام 2016 حول 2,372 وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض في 43 مبنى في 4 مدن في ولاية نيو جيرسي الأميركية إلى أن ما بين 3.8% و29.5% من الوحدات كانت موبوءة ببق الفراش.

يزيد انتشار بق الفراش الاستوائي نحو الشمال الأمر تعقيداً. على الرغم من أن النوعين متشابهان، فإن بق الفراش الاستوائي يمتلك كمية أكبر من الشعر على أرجله، ما يُتيح له الخروج من العديد من الفخوخ ذات الجدران الملساء التي تُستخدم لمراقبة انتشار هذه الحشرات في المنازل. يقول لي إن هذا يعني أن الكشف عن حالات الغزو قد يتأخّر، وكلما كان عدد الجماعة الغازية أكبر، ازدادت صعوبة التخلص منها.

اقرأ أيضاً: كيف تحولت حشرة الدبور الخطيرة إلى سلاح مكافحة حيوية فعال؟

يعود العلماء إلى الطرق التقليدية للتخلص من هذه الحشرات بحثاً عن الإلهام. نشر أصحاب المنازل في منطقة البلقان في أوروبا أوراق نبات الفاصولياء الرائج (Phaseolus vulgaris L.) حول أسرّتهم لمكافحة هذه الحشرات. تحتوي أسطح هذه الأوراق على خطّافات صغيرة تثبّت الحشرات في مكانها. والآن، يعمل أحد العلماء في جامعة كاليفورنيا في مدينة إيرفاين على تطوير “مبيد حشري فيزيائي” على شكل مادة اصطناعية تحتوي على بنى مجهرية شديدة الانحناء تحاكي الخطافات على أوراق الفاصولياء.

وفقاً لما كتبته الباحثة في جامعة كاليفورنيا في مدينة إيرفاين، كاثرين لودون، في ورقة بحثية نُشرت عام 2022 في مجلة علم الأحياء التكاملي والمقارَن (Integrative and Comparative Biology)، تخترق هذه البنى أقدام بق الفراش بطريقة تمنع الحشرات من الإفلات منها. قالت لودون: “لن تتمكن الحشرات من الإفلات بمجرد أن تخترقها البنى”.

تعتمد نهجٌ جديدة أخرى على آليات طبيعية أيضاً؛ إذ اكتشف العلماء أن الزيوت العطرية تنفّر بق الفراش. مع ذلك، أثر هذه الزيوت مؤقت في أغلب الحالات. من ناحية أخرى، هناك أبواغ فطرية لها أثر دائم. يقول وانغ: “تدخل هذه الأبواغ إلى أجسام الحشرات وتقتلها”. يتوافر الآن منتج واحد على الأقل يحتوي على الفطريات القاتلة للحشرات، التي تحمل اسم بوفيريا باسيانا (Beauveria bassiana)، في بعض الأسواق، ومنها أسواق الولايات المتحدة.

تستمر الخصائص البيولوجية لحشرات بق الفراش في إذهال العلماء، لا سيما حياتها الجنسية. على الرغم من أن إناث بق الفراش تمتلك مجموعة عادية من الأعضاء التناسلية، فإن الذكور تتزاوج عادة من خلال طعن قضيب حاد للغاية مباشرة في بطون الإناث لحقن الحيوانات المنوية. يحدث ذلك عادة مباشرة بعد تغذّي الإناث، وذلك لأن التغذّي يخفض قدرتها على الدفاع عن نفسها.

يقول عالم الحيوان في جامعة دريسدن للتكنولوجيا في ألمانيا، كلاوس راينهارت، أدّت حاجة الإناث إلى التكيُّف مع هذه الإصابات المتكررة إلى اكتسابها عضو المناعة الوحيد في مملكة الحشرات. اكتسبت الإناث أيضاً مادة مرنة للغاية تغطّي أجزاءها البطنية الأكثر عرضة للطعن. يقول راينهارت: “تشبه هذه المادة سدادات زجاجات الحقن الذاتية الغلق التي تعيد إغلاق نفسها بعد سحب الإبرة منها”.

اقرأ أيضاً: كيف تُطبّق المكافحة الحيوية للتخلص من الآفات الضارة؟

على الرغم من أن هذه المعلومة لن تساعد كثيراً على مكافحة بق الفراش مباشرة، هناك سؤال آخر قد تساعد في الإجابة عنه. لماذا لا يبقى بق الفراش على جسم مضيفه مثل القمل؟ تبيّن أن بق الفراش يكره رائحة البشر. أفاد باحثون من جامعة كنتاكي في دراسة نُشرت عام 2021 في مجلة ساينتفيك ريبورتس (Scientific Reports) بأن هناك دهوناً في جلد الإنسان تنفّر هذه الحشرات. يدفع ذلك بق الفراش للهرب إلى المخابئ خلال النهار، محدداً مساراته بالفيرومونات.

يحاول خبراء إبادة الحشرات بالفعل تصيّد بق الفراش باستخدام علامات مسارات زائفة. قد نتمكن يوماً ما من إيقاف انتشار هذه الحشرات من خلال معالجة الحقائب بالروائح التي تنفّرها.

لكن حالياً، الحذر هو النهج الأنسب. ينصح الخبراء المسافرين بالتحقق من أماكن الإقامة بحثاً عن بقع من براز بق الفراش على فواصل الفرشات وقطع الأثاث وخلف الألواح الرأسية في الأسرّة. (تتبرز هذه الحشرات بضع العشرات من المرات بعد كل وجبة، عادة بجانب أجسام مضيفيها). يجب وضع الحقائب في أحواض الاستحمام في الفنادق أو لفها بأكياس بلاستيكية. عند العودة إلى المنزل، يجب وضع محتويات الأمتعة في مجففة الملابس مدة 30 دقيقة على الأقل وعلى أعلى درجة، أو في ثلاجة شديدة البرودة عدة أيام.

يقول دوغيت: “أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه إذا غزا بق الفراش منزلك هو أن تحاول التخلص من هذه الحشرات بنفسك. لا يدرك الأشخاص غير الخبيرين صعوبة السيطرة على بق الفراش، وسيستخدمون المبيدات الحشرية التي يشترونها من المتاجر التي تحمل وسماً يبين أنها تساعد على مكافحة هذه الحشرات ولكنها غير فعّالة. سيتوسع الغزو في هذه الحالة وستزداد عواقبه”.