يمتلك العلم مصداقية تجعل الناس يثقون بنتائجه والنصائح التي يقدّمها؛ إذ استطاع الإنسان من خلال العلم الوصول إلى الفضاء وتطوير علاجات لأمراض كانت تفتك بالبشر مثل الطاعون وشلل الأطفال وغيرها، لكن قد تستغله عدة شركات وعلامات تجارية للترويج لمنتجاتها دون الاستناد إلى أساس حقيقي، فكيف تُزيّف هذه الشركات العلوم لصالحها؟
استراتيجيات تتبعها الشركات التجارية في تزييف العلم للترويج لمنتجاتها
يمكن لبعض الشركات أن تقدّم ادعاءات علمية قوية دون الاضطرار إلى تكبد عناء دعمها بأبحاث ودراسات فعلية، إذ يكفي أن تذكر الشركة في أحد إعلاناتها "ينصح العلماء بهذا المنتج" لجعل الناس يعتمدونه لأنه خاضع لاختبارات العلماء، حيث تُظهِر بالوقت ذاته ممثلين يرتدون معطف المختبر ويعملون بأجهزة أحياناً لا يكون لها علاقة بالمنتج لمنح المستهلكين شعوراً بأن العلماء بالفعل اختبروا هذا المنتج دون أن يفعلوا ذلك.
اقرأ أيضاً: لمَ يجب ألّا يُعتمد على محرك البحث جوجل عند البحث عن الأعراض الطبية؟
وتضم أبرز الكلمات والأساليب التي تدل على وجود تزييف للعلم في ترويج المنتجات التجارية ما يلي:
إضافة جملة "مُثبَت علمياً"
لا يوجد إثبات مطلق في العلم، لكن يمكن أن تدعم عدة أدلة ملموسة وقابلة للقياس إحدى الفرضيات، وفي العلم يبقى المجال مفتوحاً لكي ينتقد عالم آخر النتيجة التي توصل إليها أحد العلماء، وتكون التجارب خاضعة للتكرار، لذا عندما يُستخدم في الإعلانات "أثبتنا ذلك" هذا يعني أنهم وصلوا لحقيقة مطلقة لا يمكن نقضها وهذا خاطئ علمياً.
قول: "اختُبِر منتجنا وأظهر فاعلية عالية"
ويمكن أن تختبر الشركة المنتج على الكلاب أو حيوانات التجارب، وقد يُختبر المنتج على عينة من البشر ويظهر فاعلية، لكن ماذا عن الأعراض الجانبية أو الآثار البعيدة المدى للمنتج؟ حيث يختبر أطباء الأسنان معجون الأسنان وينصحون به مرضاهم لكن هل يضمنون عدم حصول تسوس لأسنان المرضى بعد شهر من استخدام معجون الأسنان هذا؟ فالنتائج البعيدة المدى لا يمكن قياسها مباشرة، ما يجعل الزبائن يقبلون على المنتج دون ملاحظة عدم الفاعلية إلّا بعد فوات الأوان، أو يستمرون في شراء المنتج والإكثار منه لتظهر الفاعلية التي تدّعي الشركة وجودها.
اقرأ أيضاً: الفرشاة ليست الطريقة الوحيدة لتنظيف الأسنان
التصريح بأن المنتج مصنوع من مواد طبيعية
يرتاح المستهلكون عندما يسمعون كلمة "مصنوع من مواد طبيعية"، وتلجأ عدة شركات إلى هذه الكلمة للقول إن منتجها طبيعي وهو صحي، لكن ليست المواد الطبيعية كلها جيدة فهناك مواد سامة بالطبيعة مثل الزرنيخ وسم الأفعى وأول أوكسيد الكربون وغيرها، حيث تتلاعب الشركات بذكر أسماء المنتجات؛ مثلاً تقول عدة شركات: "يوجد في منتجنا مزيجٌ من من اللينالول وخلات الليناليل وألفا بينين وليمونين و1.8- سينول وترانس أوسيمين و3- أوكتانون وكاريوفيلين وتيربينين-4-ول وخلات اللافندوليل"، وهي مركبات لها خصائص هرمون الأستروجين الذي يمكن أن يسبب التثدي قبل البلوغ ويُضعف الذاكرة العاملة، وستتراجع عن شراء المنتج إذا عرفت هذه الحقيقة، لكن هذه المكونات هي طريقة مفصلة لتقول الشركات: "إن منتجنا يحتوي على زيت اللافندر".
وبالوقت ذاته، هناك الكثير من المنتجات والأصبغة الطبيعية التي تعد آمنة عند استهلاكها بمستويات معينة، لكن الإكثار منها قد يسبب الإصابة بعدة أمراض، وتُغفل عدة شركات تجارية ذكر هذه المعلومات للمستهلكين، لأنها ستبعدهم عن شراء المنتج.
استخدام الاستطلاعات وترويجها كدراسات علمية
تتطلب الدراسات العلمية الخضوع لشروط ومعايير خاصة وتقنيات متطورة وفق منهجية علمية، لكن تستخدم عدة شركات الاستطلاعات الشعبية كدراسات علمية للترويج لمنتجها، فتقول إن 95% من النساء يرين أن هذا المنتج هو من أفضل منتجات الشعر في السوق وأنه الأكثر صحة لشعورهنّ، لكن نحن لا نعرف مصدر هذه النسبة المئوية، هل هي صادرة عن 15 شخصاً أم عن 100 شخص، ولا تقيس هذه الاستطلاعات مدى فاعلية المنتج، بل رأي الناس في استخدامه، والآراء خاضعة للانحياز بشكلٍ كبير.
عدم ذكر مصادر الدراسات
يتميز البحث العلمي الحقيقي بالشفافية، حيث يعلن مصالحه ويرحّب بالتحديات التي يواجهها ويذكر النتائج التي ظهرت في التجارب وكيف يمكن الوصول إليها من قبل علماء أقران لكي يفحصوا صحتها، لكن في أغلب الإعلانات لا يُذكر مصدر المعلومات ومكان الوصول للنتائج أو المركز البحثي الذي أجرى هذه الأبحاث لتُرَاجع.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح لتجاوز مشكلات عدم اليقين المتزايدة
إخفاء تضارب المصالح
تمتلك عدة شركات كبرى مراكز أبحاث خاصة بتطوير منتجاتها، لكن حتى وإن كانت الأبحاث ذات مصداقية وأعطت نتائج إيجابية عن فاعلية المنتج، تبقى هناك حاجة لاختباره من جهات خارج الشركة، فتضارب المصالح يعني أن الشركة تموّل بحثاً أعطى نتيجة إيجابية تدعم فاعلية منتجها، وهذا لا يصح في المجتمع العلمي، لذا من المهم ذكر اختبار صحة نتائج الأبحاث من قِبل جهات مختصة ورسمية لتكون النتائج ذات مصداقية.
عدم ذكر نسبة المكونات الفعّالة
تستخدم عدة شركات مكونات فعّالة أثبت العلم صحتها مثل الفحم النشط وزيوت أوميغا 3 وغيرها في منتجاتها، وتروّج لوجود هذه المكونات في منتجاتها لكنها تغفل ذكر المستويات المنخفضة من المكونات الفعّالة التي لا يكون لها أي تأثير حقيقي.
الانحياز في استخدام الدراسات لصالح الشركات
هناك العديد من الأبحاث العلمية المتناقضة، وهذا يدل على صحة الأبحاث العلمية، فهناك مركبات تساعد بشكلٍ إيجابي على تحسين صحة مجموعة من السكان لكنها قد تسبب ضرراً لفئة أخرى مثل الأطفال أو أفراد بمنطقة أخرى من العالم، وبدل أن تعرض الشركات النتائج الإيجابية والسلبية المختلفة للأبحاث حول المركبات التي تستخدمها، فهي تختار فقط الأبحاث التي تدعم منتجها كأدلة على فاعليته وعدم إحداثه آثاراً جانبية، وقد تستخدم دراسات قديمة أُثبِت خطؤها إن كانت تلائم مصالح الشركة.
غمر الدراسات المناقضة
تتبع عدة شركات طريقة في تزييف العلم من خلال تسليط الضوء على الأبحاث التي تدعم بشكلٍ إيجابي منتجاتها، حيث تروّج هذه الدراسات وتسوّقها بشكلٍ كبير وتدفع تكاليف إعلانات لتتصدر نتائج البحث وتنشرها على عدة مواقع، بينما تكون الأبحاث التي تناقضها مغمورة إعلامياً وتظهر ضئيلة مقارنة بأبحاث الشركات.
التلاعب بالكلمات والخروج عن السياق
يمكن لبعض الشركات أن تزيف نتائج الأبحاث أو تحوّرها كما تريد من خلال التلاعب بالكلمات، إذ قد تشير عدة أبحاث إلى عدم إلحاق المنتج بضرر في البشرة مع تسببه اضطرابات عصبية، فتختار الشركة أن تذكر أن منتجها مفيد للبشرة وصحي علماً أنه خامل على البشرة ومسبب للاضطرابات العصبية، أو تستخدم الشركة مصطلحات معقدة واختصاصية لعرض الآثار الجانبية لمنتجاتها بحيث لا يفهمها عامة الناس.
اقرأ أيضاً: 5 معلومات طبية ليست سوى أساطير
استبعاد بعض الأشخاص الخاضعين للدراسات بما يلبي حاجات الشركة
تُزيّف عدة شركات أدوية النتائج العلمية من خلال إخراج بعض الأشخاص الخاضعين للتجربة واختبار الدواء من الإحصائيات عندما يصابون بأمراض أو آثار جانبية، ويقولون إن هؤلاء الأشخاص المستبعدين لم يستوفوا الشروط والمعايير في الدراسة أو لم يأخذوا الدواء وفق الشروط المحددة من قبل الباحثين.
الدفع مقابل استنتاجات علمية محددة
وفق بحث منشور من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو عام 2021، تستخدم بعض الشركات المال كوسيلة ضغط على العلماء في البلدان الفقيرة لينتجوا أبحاثاً توافق تطلعات الشركات التجارية، أو على الأقل أن يخففوا حدة النتيجة إن كانت تتضارب مع مصالحهم، ويمكن أن تكون الرشاوي والتبرعات لدور النشر والمحكمين والمدققين والمحررين وسيلة أخرى تسمح بإنتاج أبحاث تصل إلى نتيجة علمية محددة.