في 22 مارس/آذار، عثر طاقم بناء في ألمانيا على قنبلة غير منفجرة في مدينة إيسن الألمانية، وذلك بعد عقود من إسقاطها خلال الحرب العالمية الثانية. تم إخلاء المنطقة، بما في ذلك جزء من مستشفى قريب ودار للمسنين. وفي وقت متأخر من تلك الليلة، أبطلت الفرق المتخصصة بالتعامل مع الذخائر المتفجرة مفعول القنبلة.
الذخائر غير المنفجرة: عبءٌ تتناقله الأجيال
مع استمرار الحرب على بعد 1600 كيلومتراً شرق إيسن في أوكرانيا، تمثل هذه القنبلة القديمة تذكيراً بأن الذخائر غير المنفجرة هي عبء يمتد لأجيالٍ عديدة. عندما تنتهي الحروب، وحتى عند استمرارها، يجب القيام بعمل شاق لإزالة مخلفات الحرب المميتة هذه لمنع حدوث وفيات في المستقبل.
قال وزير الداخلية الأوكراني دينيس موناستيرسكي لوكالة أسوشيتيد برس في 19 مارس/آذار الماضي: «لقد أُطلق عدد كبير من القذائف وزرعت الكثير من الألغام في أوكرانيا، وهناك جزء كبير منها لم ينفجر. ستبقى تحت الأنقاض وستشكل تهديداً حقيقياً، وسوف يستغرق تعطيلها سنواتٍ، وليس شهوراً».
قبل بدء الحرب في فبراير/شباط، كانت أوكرانيا قد قضت عقوداً في العمل لإزالة القنابل والذخائر غير المتفجرة. في عام 2001، سمحت أوكرانيا ببرنامج لإزالة الذخائر غير المنفجرة المتبقية من الحرب العالمية الثانية. وشمل ذلك تطهير موقع «إنكرمان أديتس»، مهاوي المناجم الأفقية في شبه جزيرة القرم حيث قام الاتحاد السوفيتي بتخزين أكثر من 10000 طناً من الذخيرة. أدى انفجار حدث عام 1942 في هذا الموقع إلى جعل مخزون الأسلحة غير صالح للاستخدام، حيث انفجرت العديد من الذخائر المخزنة في الداخل، لكن بقي نحو 1000 إلى 3000 طناً من الذخيرة غير المنفجرة. كان مهمة تطهير موقع إنكرمان أديتس من المتفجرات مهمة معقدة جداً، ولا يمثل الموقع سوى واحدٍ من العديد من المواقع الأخرى التي يجب فيها إزالة بقايا المتفجرات بعد الحرب في أوكرانيا.
في وقت لاحق، اندلع حريق في قاعدة نوفوبوغدانوفكا للذخائر في 6 مايو/أيار عام 2004، جنوب ميكولايف، ما أدى لتناثر القنابل على مساحة تزيد عن 115 ميلاً مربعاً. لقد أدت الحوادث والأخطاء البشرية في العشرات من منشآت الذخيرة الأخرى في جميع أنحاء العالم إلى اندلاع حرائق وانفجارات وتناثر الذخائر غير المنفجرة.
ترسانة من الذخائر غير المنفجرة في أوكرانيا
لكن معظم الأسلحة غير المنفجرة المتبقية في أوكرانيا هي من الهجمات المتعمدة في الحرب. خلّف القتال في دونيتسك، والذي بدأ في عام 2014، قذائف مدفعية وألغام أرضية وقنابل عنقودية غير منفجرة– ولا تزال هذه الذخائر موجودة وتقتل المدنيين. في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، قتلت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة 11 مدنياً في أوكرانيا وجرحت 38 آخرين. وفي العام السابق تسببت هذه الأسلحة في مقتل 11 مدنياً وجرح 46 آخرين.
كانت ستيبانيفكا، وهي قرية تقع في مقاطعة لوجانسك المحتلة في أوكرانيا، مسرحاً للقتال بين أوكرانيا والانفصاليين المدعومين من روسيا في عام 2014. كان فيكتور بيكادوروف، القائم بأعمال عمدة القرية في ذلك الوقت، قد قال لصحيفة وول ستريت جورنال إن الناس لا يخرجون لتقطيع الأخشاب أو يتركون أطفالهم يلعبون، وذلك خوفاً من الألغام والذخائر غير المنفجرة. وقد كانت العديد من الذخائر التي لاحظ القرويون وجودها حديثة، لكن بعضها يعود إلى الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضاً: نظرة عن كثب على الترسانة النووية لروسيا وباقي دول العالم
حصاد الحديد
في عام 2015، أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنها بصدد توسيع برنامجها التدريبي لفريق التخلص من الذخائر المتفجرة في أوكرانيا بهدف مساعدة البلاد في تطوير برنامجها الخاص.
يقول ألكسندر سافيليف، مسؤول المشروع المساعد في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا موضحاً: «يلعب الأطفال كثيراً في الهواء الطلق ويميلون إلى الانجذاب إلى البقايا ذات الألوان البراقة في بعض الأحيان، والتي غالباً ما تنفجر وتؤدي إلى الموت».
أفادت بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى أوكرانيا، والتي تتابع الصراع، أن الألغام والأشياء المتفجرة الأخرى قتلت وأصابت عدداً من المدنيين أكبر مما سببه القصف المدفعي أو إطلاق النار في عام 2020.
يشمل العدد الإجمالي للوفيات أولئك الذين قُتلوا بسبب الألغام الأرضية، وهي ذخائر متفجرة تُستخدم بشكلٍ خاص نظراً لقدرتها على البقاء طويلاً في البيئة. تستخدم الجيوش الألغام الأرضية لإعاقة تقدم العدو، حيث تشكل هذه الذخائر المتفجرة حاجزاً مميتاً. في الواقع، تحظر المعاهدات الدولية استخدام الألغام الأرضية جزئياً بسبب الضرر الذي تسببه للمدنيين. لا تزال أوكرانيا طرفاً في اتفاقية حظر الألغام، مع ذلك، طلبت أوكرانيا في عام 2020 تمديداً للامتثال الكامل لالتزام المعاهدة بتدمير جميع الألغام المضادة للأفراد داخل حدودها.
بحلول عام 2019، كانت أوكرانيا قد دمرت بالفعل أكثر من 70 ألف لغم أرضي والكثير من بقايا الذخائر المتفجرة، وفقاً لتقرير مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية. وقد تم ذلك بالتعاون بين الجيش وقوات الشرطة والحرس الوطني والمنظمات غير الحكومية وآخرين. اعتمدت أوكرانيا جزئياً على التبرعات بالنسبة لمعدات إزالة الألغام، حيث قدمت دول مثل كندا أدوات متخصصة للكشف عن الألغام الأرضية ومراقبتها. من هذه الأدوات الرادار المخترق للأرض، والذي يمكن أن يساعد فرق إزالة الألغام على التمييز بين البقايا المعدنية في التربة والألغام الكبيرة المضادة للمركبات.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب النووية العالمية على كوكبنا: السيناريو الأسوأ
بدأ هذا العمل قبل الحرب الحالية، وسيستمر لفترة طويلة بعد توقف القتال. على سبيل المثال، لا يزال شمال شرق فرنسا يحمل آثار الحرب العالمية الأولى. لقد عُزلت «المنطقة الحمراء» (zone rouge) هناك، والتي تبلغ مساحتها 65 ميلاً مربعاً، باعتبارها منطقة غير آمنة إلى أن يتم تطهيرها بالكامل، الأمر الذي سيستغرق نحو 300 عاماً حسب التقديرات. خارج المنطقة الحمراء، يعيش المزارعون الفرنسيون والبلجيكيون تجربة "حصاد الحديد" كل عام، حيث يقومون باستخراج المزيد من المواد العسكرية أثناء حرث الحقول.
خارج أوروبا، قدر تقرير خدمة أبحاث الكونغرس لعام 2021 أن في كمبوديا 739 ميلاً مربعاً من الأراضي الملوثة بالألغام الأرضية والقنابل الأميركية غير المنفجرة، والتي يعود تاريخ قسم كبير منها إلى حرب فيتنام. وفي سوريا، كانت الألغام الأرضية ومخلفات المتفجرات الأخرى السبب الرئيسي لوفيات الأطفال في عام 2021. كل ذلك نتيجة الوتيرة البطيئة لأعمال التخلص من الذخائر غير المنفجرة.
على الرغم من أن بعض القنابل المكتشفة هي قنابل فاسدة، إلا أن البعض الآخر يمكن أن يكون مميتاً وينفجر بعد سنواتٍ طويلة وحتى قرون. في عام 2008، توفي سام وايت، جامع تذكارات الحرب الأهلية، أثناء نقله لقذيفة مدفعية انتُشلت من أحد المواقع بعد أن انفجرت بعد 140 عاماً من صنعها.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب على البرنامج الفضائي الأوكراني؟
يقول ريتشارد مويس، مدير السياسات والبحوث لمكافحة الألغام الأرضية: «يمكن أن يكون للأسلحة المتفجرة تأثيرات لا يستطيع مستخدموها توقعها بدقة أو التحكم بها».
بعض القنابل التي تُلقى على أوكرانيا اليوم، مثل جميع المتفجرات المستخدمة في الحرب، ستهدد الأرواح في المستقبل لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب.