إليك أفضل الطرق لتجنب دوار المرتفعات في أثناء رحلات المشي

6 دقائق
إليك أفضل الطرق لتجنب دوار المرتفعات في أثناء رحلات المشي
سولوفيوفا/ديبوزيت فوتوز

يمكن أن تكون المناظر من مرتفعات المناطق الجبلية ساحرة ومدهشة، وذلك إذا لم تشعر بالتعب والغثيان والصداع بسبب دوار الارتفاعات. يمكن أن يحدث دوار الارتفاعات، والذي يسمّى أيضاً داء المرتفعات الحاد، على ارتفاعات تبدأ من 1500 متر. كما يمكن أن يزداد شدّةً عند الاقتراب من الارتفاعات التي تبلغ 3000 متر. يأخذ هذا الداء عدة أشكال أيضاً. وعلى الرغم من أن بعضها يعتبر خطيراً، فإن جميعها قد تعيق رحلات المشي في المرتفعات.

إذا كنت تنوي الذهاب في رحلات المشي لمسافات طويلة في المرتفعات الجبلية، سنساعدك في هذا المقال على تحضير نفسك لهذه الحالة ومعالجة أعراضها. كما سنتحدّث عن الإجراءات التي يمكنك اتخاذها للحفاظ على استمتاعك وصحتك في الأماكن المرتفعة.

ما سبب دوار المرتفعات؟

على عكس الاعتقاد الشائع، لا يحدث دوار المرتفعات نتيجة لانخفاض نسبة الأوكسجين في الأماكن المرتفعة.

يقول غراهام بريذر (Graham Prather)، مدير التعليم في كلية قيادة رحلات الهواء الطلق الوطنية والمسؤول عن دورات الطب في الأماكن البرية: "الهواء الذي تتنفسه في المرتفعات يحتوي على الأوكسجين بنسبة 21%، لكنّه أقل كثافة فقط". 

اقرأ أيضاً: 4 نصائح لتخفيف وزن الأمتعة خلال رحلات المشي الطويلة

لا يتعلق الأمر بتركيب الهواء، بل بتركيزه. يكون الضغط الجوي منخفضاً في المرتفعات، ما يتسبب بانخفاض عدد جزيئات الأوكسجين في واحدة الحجم من الهواء مقارنة بنفس الحجم في الأماكن الأقل ارتفاعاً. على سبيل المثال، تبلغ نسبة الأوكسجين التي تستنشقها في الأماكن التي يبلغ ارتفاعها 3000 متر 69% من كمية الأوكسجين التي تستنشقها عند مستوى سطح البحر. 

كلما ازداد ارتفاع المنطقة التي توجد فيها، تقل كفاءة عملية التنفس. ما يتسبب بانخفاض كمية الأوكسجين التي تستنشقها في كل نفس. كاستجابة لذلك، يحاول جسمك الحصول على كمية الأوكسجين التي يحتاجها من خلال تسريع عملية التنفس. على الرغم من ذلك، لا تصل كمية كافية من الأوكسجين إلى الدم والعضلات. ولهذا ستشعر بأن النشاطات الجسدية أصعب بكثير في الأماكن المرتفعة. تحمل هذه الحالة اسم نقص التأكسج، وهي التي تتسبب بظهور أعراض دوار المرتفعات.

ما أعراض دوار المرتفعات؟

إن حالة دوار المرتفعات مزعجة ولا يعتبر تجاهلها سهلاً. تتضمن الأعراض غالباً الصداع والغثيان والتقيؤ وحتى فقدان الشهية أحياناً. قد تترافق الأعراض أيضاً مع مزيج مزعج للغاية من الإرهاق والأرق.

يقول بريذر في وصف أول مرة أصيب فيها بدوار المرتفعات: "شعرت بأنني أعاني من حالة شديدة من الخُمار".

يبدأ دوار المرتفعات عادة بعد قضاء يوم أو يومين في مكان مرتفع. لكن قد تظهر الأعراض منخفضة الشدة مثل الدوخة قبل ذلك الوقت، خصوصاً عند انحناء الجسم والوقوف بسرعة أو الصعود على درج.

اقرأ أيضاً: كل ما تحتاج معرفته قبل الانطلاق في رحلة برية

بالإضافة لذلك، يصبح البشر أكثر عرضة للجفاف في المرتفعات، ما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أعراض دوار المرتفعات. يعود ذلك جزئياً إلى إخراج المواد المرطبة في أثناء عملية التنفس. لذلك، يؤدي ازدياد معدّل التنفس إلى فقدان الجسم للمزيد من الماء مقارنة بالحالة الطبيعية. تساهم الظروف الجافة في الأماكن المرتفعة في ازدياد الوضع سوءاً؛ إذ إن انخفاض الرطوبة في الجو يتسبب في تبخر السوائل بسرعة أكبر، ما يوهم الجسم بأنه لا يتعرق بالقدر المطلوب وأنه لا يحتاج إلى إعادة ترطيب نفسه. إن شرب كمية كافية من السوائل في المرتفعات ضروري للغاية، خصوصاً خلال الأيام الأولى من التكيّف مع مناخ هذه المناطق.

يقول بريذر: "لا يمكنك تجنّب دوار المرتفعات من خلال ترطيب الجسم فقط. ولكن يمكنك أن تتجنب الجفاف الذي يجعل الحالة أكثر سوءاً".

لا تعتبر هذه الأعراض مهددة للحياة في أغلب الحالات، كما أن تخفيفها يتطلب التأقلم مع مناخ المناطق المرتفعة فقط. مع ذلك، يمكن أن تزداد هذه الأعراض شدةً وتتسبب بحالات صحية أكثر خطورة خصوصاً في المناطق التي يزيد ارتفاعها على 3000 متر. أكثر الحالات خطورة هي الوذمة الدماغية الناجمة عن المرتفعات والوذمة الرئوية الناجمة عن المرتفعات.

تترافق الحالة الأولى عادة مع فقدان التوازن ونوبات الارتباك، والصداع في بعض الأحيان. بينما تتمثّل أعراض الحالة الثانية بانخفاض القدرة على التحمّل وضيق النفس (حتى في أثناء الراحة) والسعال المستمر الذي يبدأ جافاً ويصبح رطباً مع الوقت، ما يشير لوجود السوائل في الرئتين. تعتبر الوذمة الرئوية الناجمة عن المرتفعات أكثر شيوعاً من الوذمة الدماغية الناجمة عن المرتفعات. لذلك يعتبر الانتقال إلى الأماكن الأقل ارتفاعاً ضرورياً للغاية فور ظهور الأعراض.

اقرأ أيضاً: 8 أشياء ضرورية تنسى جلبها دائماً عند الذهاب في رحلة

مَن الأكثر عرضة لدوار المرتفعات؟

لسوء الحظ، لم يكتشف العلماء أي علامات محددة تبين من الأشخاص الأكثر عرضة أو الأقل عرضة لهذه الحالة. يبدو أن المؤشر الوحيد المعروف حالياً هو أنه إذا أصبت بهذه الحالة من قبل، فقد تعاني منها مجدداً. مع ذلك، هذا لا يعني أنك لن تصاب بهذه الحالة في المستقبل إذا لم تعاني من أعراضها من قبل.

لا يعتبر الرياضيون أو الأشخاص الذين يتمتعون بلياقة بدنية عالية منيعين ضد هذه الحالة. في الواقع، يقول بريذر إن هؤلاء الأشخاص هم الذين يقلق بشأنهم نوعاً ما أكثر من غيرهم في أثناء قيادة الرحلات؛ إذ إن الأشخاص غير الرياضيين يميلون للاستجابة إلى أجسادهم والانتباه للأعراض. بينما قد يحاول الرياضيون تجاهل الآلام ومشاعر الضيق والتغلّب عليها.

كيف تقي نفسك من دوار المرتفعات؟

هناك 3 عوامل رئيسية تؤثر على احتمال الإصابة بداء المرتفعات وشدة الإجهاد الناجم عن نقص التأكسج الذي يعاني منه جسمك؛ وهي الارتفاع عن مستوى سطح البحر، وسرعة الارتفاع، والمجهود الذي تقوم به. لحسن الحظ، يمكنك وقاية نفسك من هذه العوامل.

ابدأ بالتخطيط المسبق ومنح جسمك ما يكفي من الوقت للتأقلم مع مناخ المناطق المرتفعة. لا تفكّر في الوصول إلى المناطق بالغة الارتفاع مثل جبال الهيمالايا (التي يبلغ ارتفاعها نحو 9000 متر) أو مدينة كيتو في الإكوادور (3000 متر تقريباً) أو حتى مدينة دنفر في الولايات المتحدة (1600 متر تقريباً) ثم الانطلاق مباشرة إلى ارتفاعات أكبر. يستغرق تكيّف الجسم مع الارتفاعات الجديدة ما بين 24 و48 ساعة. وتختلف المدة التي يستغرقها التأقلم تماماً من شخص لآخر. ينص منهج كلية قيادة رحلات الهواء الطلق الوطنية على أنه "إذا انتقلت إلى منطقة يبلغ ارتفاعها 3000 متر أو أكثر في زمن قصير، يجب عليك أخذ استراحة لمدة يومين أو ثلاثة أيام مع ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة". إذا منحت جسمك ما يكفي من الوقت للتأقلم، لن تعاني من أعراض شديدة.

اقرأ أيضاً: 4 خرافات مميتة حول مهارات البقاء في البرية

بعد منح جسمك ما يكفي من الوقت للتأقلم، لا تحاول تسلق أي مرتفع بسرعة؛ إذ إن احتمال ظهور الأعراض يزداد كلما زادت سرعتك في التسلق. إذا كنت تخطط للمشي مسافات طويلة لعدة أيام في مناطق تزداد ارتفاعاً، ينصحك بريذر بإطالة الرحلة لعدد أكبر من الأيام. وذلك حتى تتمكن أنت ورفاقك من الصعود على مراحل بمجرد تجاوز ارتفاع 3000 متر بطريقة تتيح لكم النوم في مناطق لا يتجاوز الفرق بين ارتفاعها وارتفاع تلك التي قضيتم الليلة السابقة فيها عن 457 متراً. يجب عليك أن توزع أيام الاستراحة على فترة الرحلة أيضاً.

وإذا استطعت، خذ بعين الاعتبار النوم في مناطق أقل ارتفاعاً؛ إذ إن النوم في المناطق المرتفعة يطبق المزيد من الجهد على جسمك. لفعل ذلك، يمكنك المشي خلال النهار، والعودة إلى موقع التخييم الأقل ارتفاعاً خلال الليل.

تجنّب استهلاك المشروبات الكحولية قبل رحلات المشي لمسافات طويلة في المرتفعات وخلالها وحتى بعدها (خصوصاً فور وصولك للمناطق المرتفعة عندما لا يكون جسمك متأقلم بعد). كما يجب عليك تجنّب استخدام الأدوية المنومة لأنها قد تتسبب بتفاقم الأعراض. يقول بريذر إن المشروبات الكحولية والمنومات تخفّض قدرتك على التنفس من خلال إبطاء العملية وجعل الشهيق أقل عمقاً من المعتاد، وهو عكس ما تحتاجه في المناطق المرتفعة.

يقول بريذر: "يجب أن تستجيب عملية التنفس للجو المحيط بك".

كيف تعالج دوار المرتفعات؟

قد تفاجئك أعراض دوار الحركة. لذلك، فهي قد تظهر حتى لو حاولت ما بجهدك للوقاية منها. عندما يتعلق الأمر بالتخفيف من شعور الانزعاج المرتبط بهذه الحالة، يمكن أن تفيدك ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة. لذلك، يمكنك المشي دون إجهاد نفسك لترفع من معدل التنفس. بما أن الغثيان هو أحد الأعراض الأكثر شيوعاً، من المحتمل أن تشعر بأنك غير قادر على تناول الطعام. لكن يجب عليك أن تتناول ما يكفي من المغذّيات لتحافظ على صحتك.

يقول بريذر إن بعض الأدوية التي لا يتطلب تناولها وصفة طبية، مثل الإيبوبروفين والأسيتامينوفين، يمكن أن تساعد في التخفيف من شدة الصداع. ولكن يجب عليك تجنّب تعاطي الأدوية الأكثر شدّة مثل تلك التي تحتوي على الأفيون، والتي لها تأثير مشابه لتأثير الكحول والمنومات. 

اقرأ أيضاً: دليلك لاختيار الطرق المناسبة إذا كنت تهوى المشي لمسافات طويلة

إذا توقّعت أن تعاني من أعراض دوار المرتفعات، استشر طبيبك حول تناول عقار أسيتازولاميد. يمكن أن يساعد هذا الدواء في التخفيف من شدة أعراض دوار المرتفعات من خلال تسريع عملية التنفس. وهو يعمل من خلال تغيير درجة حموضة الدم (بي أتش) لجعله أكثر حموضة، ما يوهم جسمك بأن الدم يحتوي على كمية مفرطة من ثنائي أوكسيد الكربون. كنتيجة لذلك، يسرّع الجهاز التنفسي عمية التنفس ويزيد من عمقها في محاولة لإزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الدم، ما يزيد من تركيز الأوكسجين.

أخيراً، إذا استمرت أعراض دوار المرتفعات أو ازدادت شدّة على الرغم من محاولاتك لعلاجها أو الوقاية منها، تذكّر ما يقوله بريذر: "لا تتسلق لمنطقة أعلى حتى تخف شدة الأعراض". إذا لم تشعر بأي تحسّن، يجب عليك التوجّه إلى منطقة أقل ارتفاعاً. لا تقلق، يمكنك دائماً المحاولة مجدداً.

المحتوى محمي