حضّر وجبة لا تُنسى بمساعدة العلم ولمستك الشخصية

6 دقائق
وجبة بمساعدة العلم
حقوق الصورة: كوتون برو/ بيكسيلز.

تخيّل أنك تجلس لتناول وجبة عشاء من السمك، وطُلب منك أن تمسك صدفة بالقرب من أذنك. ستفعل ذلك، وتسمع أصوات طيور النورس. على الأرجح أنك لن تنسى هذه الوجبة أبداً.

تطبّق المطاعم والطهاة مختلف أنواع وسائل الترفيه التي يأملون أن تضمن لك تجربة ذات مغزى ولا تنسى. إن حيلة الصدف هذه مثلاً، هي من الحيل المميزة التي ابتكرها الشيف «هيستون بلومنتال»، واسمها «صوت البحر». تستغل هذه الحيلة عناصر إضافية لتعزيز إدراكك للوجبة. الطبخ في النهاية هو نقطة التقاء العلم والفن، والأكل تجربة فريدة تتأثر بشدة بالعديد من الأنظمة الحسية. بالتأكيد، يلعب النظام الذوقي دوراً، لكنه دور صغير فقط، إذ يعتقد بعض الباحثين أنه قد يساهم بأقل من نصف تجربة التذوق بأكملها.

يقول «تشارلز سبينس»، عالم نفس تجريبي في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب «فيزياء المعدة: علم الأكل الجديد»: «لا نأكل أي شيء أبداً دون النظر إليه أولاً، ودون أن تدرك أدمغتنا بالفعل ماهيته أو ما نعتقد أنها ماهيته، وغالباً ما تحدد الإشارات الشميّة المهمة هذه توقعاتنا»، ويضيف: «بعد ذلك عندما نتذوق الطعام، فإننا في الغالب نقارن ما نتذوقه بتوقعاتنا».

أمضى الطهاة والعلماء وعلماء الاجتماع سنوات في محاولة كشف سر الوجبة المثالية وتطوير طرق جديدة لإبهار الضيوف. يمكنك تكرار مثل هذه الأعجوبة أيضاً بالوقوف على أكتاف هؤلاء العمالقة. لذلك في المرة القادمة التي تريد فيها إمتاع ضيوفك بتجربة مسلية وشهية لا تُنسى، خطط لتحفيز جميع حواسهم.

اجعلهم ينسون حياتهم اليومية

عندما تكون مضيفاً، فأنت تتحكم في كل شيء. ولّف الظروف التي تساعد ضيوفك على الانتقال من روتين حياتهم اليومية إلى عالم مخصص فقط للحظة ممتعة واحدة: حفلتك. يمكنك القيام بذلك عن طريق تزيين الغرفة بما يتناسب مع الطعام الذي ستقدّمه. مثلاً، يوجد مطعم تجريبي في شنغهاي يقدم السمك ورقائق البطاطس أثناء إسقاط صورة علم المملكة المتحدة على الطاولة. يمكنك محاولة خلق نوع من «الحاجز الذهني» لضيوفك، مثل السماح لهم بلعب لعبة لوحية أثناء تحضير الوجبة، حتى يتوقفوا عن التفكير فيما حدث خلال يومهم ويبدأوا في الانتقال إلى هذه اللحظة الجديدة.

يقول سبينس: «افعل شيئاً مضحكاً أو شارك نكتة لحمل الناس على الخروج من أي حالة كانوا فيها والتأكد من أنهم في مزاج جيد»، ويضيف: «أنا أسمي هذه الطريقة 'المطهّر العقلي'. كلما كان المزاج أفضل، كان مذاق الطعام أفضل».

اقرأ أيضاً: لا تُضحّي بمأكولاتك المفضّلة: هكذا يمكنك تناول الطعام الصحي بشكل مستدام

قم بإضفاء الطابع الشخصي على تجربة ضيوفك

تخصيص التجربة لضيوفك هي إحدى الطرق السهلة لجعل الوجبة لا تنسى. الذاكرة هي السر، لأنك ستستطيع معرفة مدى نجاح حفلتك من مقدار ما يتذكّرها الضيوف بعد انتهائها.

إذا كنتم جميعاً من الأصدقاء القدامى، حاول توفير إحساس بالحنين أو الراحة: نسخة حديثة من وجبة اعتدتم تناولها معاً، أو مكونات مرتبطة ببلد منشأ الضيوف، أو طعام من بلد قمتم بزيارته كمجموعة، تأكد من إظهار نيّتك واكتراثك بهم. إذا كان عيد ميلاد شخص ما يصادف في يوم الحفلة، يمكنك أن تخصص بعض جوانب الحفلة له، مثل تحضير طبق تحلية خاص يفضله. إذا كان الضيف أيسراً، رتّب أدوات تناول الطعام بما يناسبه. يقول سبينس: «ربما سيلاحظ، وربما لا، ولكن حتى لو لم يلاحظ ذلك، فمن المرجح أن تبقى التجربة أفضل».

يمكن أن يساعد أيضاً تجهيز مفاجأة أو منح الضيوف نظرة خاطفة وراء الكواليس. يقترح سبينس مشاركة عملية التحضير، أو إضافة لمسة نهائية بمجرد تقديم الطبق، هدف كل ذلك هو إضافة لمسة مسرحية، فكر في مدى شعبية الشيف «سالت باي» بسبب الطريقة المميزة التي يرش بها الملح.

قدّم الطعام بطريقة مميزة

يقول سبينس إن تقديم الطعام بشكل جميل هو أمر بالغ الأهمية، حتى أن بعض الطهاة يقدّمون طعامهم على أشياء غريبة، مثل قطع الطوب أو القبّعات المسطحة. حاول التأكد من وجود تفاوت بين لون الطعام الذي تقدمه وطبقه، إذ أظهرت الأبحاث مثلاً أن مذاق حلوى موس الشوكولاتة يصبح أكثر حلاوة وكثافة إذا قُدّمت على طبق أبيض. شارك سبينس أيضاً في دراسة وجدت أن الناس يحبون السلطة أكثر إذا بدت وكأنها لوحة للفنان «كاندينسكي».

لا تنس استخدام أدوات المائدة عالية الجودة أيضاً، إذ تبيّن الأدلة أن وزن هذه الأدوات يؤثّر كثيراً على مدى استمتاع الأشخاص بالوجبات.

اقرأ أيضاً: هل هناك نوع واحد من الطعام يمكننا الاكتفاء به؟

أطلق أسماءً على وجباتك

امنح أطباقك أسماء وصفية ومفصلة للتعبير بدقة عن قرمشة أو هشاشة الطعام أو موسم المكونات الموجودة فيه وبلد منشئه. يقول سبينس: «إن سرد القصص يضفي جوّاً عاماً على العشاء»، ويضيف: «إن وصف الجزر بأنه 'جزر ملتوي حاد النكهة' بدلاً من 'جزر صحي' يُحدث فرقاً في التجربة». نصيحة أخرى من سبينس: إخبار الضيوف أن العصير مكلف يجعلهم يعتقدون أن مذاقه أفضل أيضاً.

اجعل الضيوف يلقون نظرة على الطعام قبل تناوله

قد ترغب في تقديم الطعام لضيوفك والسماح لهم بتناوله مباشرة، ولكن لن يكون ضمان أنهم سيقدرون ما هو أمامهم بهذه الطريقة. تأكد من أنهم سيقدرون روعة أطباقك من خلال تقديم عرض مدروس، إذ أن لحظة تقديم الأطباق هي اللحظة المناسبة للتحدث عن أسمائها ومكوناتها. سيسمح لهم ذلك أيضاً بشم رائحة الوجبة إذا لم يفعلوا ذلك مسبقآ، مما يؤدي إلى تحفيز شعور مهم للغاية في تجربة الطعام.

يقول «ديبايان بيسواس»، أستاذ التسويق في جامعة جنوب فلوريدا: «هذا الأمر يمثّل مفارقة نوعاً ما»، ويضيف: «إذ أنه على الرغم من أن للرائحة تأثير أكبر من الإشارات المرئية في الإدراك، إلا أن تأثير الرائحة يكون في الواقع أكبر عند وجود إشارة بصرية أيضاً».

بيسواس لا يتكلّم من عدم، إذ أنه أجرى مع زملائه مؤخراً دراسة طلبوا فيها من 200 طالب تقريباً أن ينظروا ويشموا، أو يشموا فقط، بعض الوجبات الخفيفة بنكهة الفراولة الحمراء قبل تناولها. بشكل عام، استمتع المشاركون بالوجبات أكثر عندما نظروا إليها أولاً، ثم شمّوها.

هناك جدل مستمر حول الدور الذي تلعبه الرائحة في التذوّق، ولكن لا شك بأنها تلعب دوراً هاماً. حاسة الشم لدينا قوية للغاية، ويمكن أن تجعل تجربة تناول الطعام مميزة أو عادية. إذا كنت تريد حقاً أن ينغمس ضيوفك في رائحة طعامك، حاول تغطية الوجبات بقماشة لحفظ الرائحة قبل تقديم الطعام.

تحفّز بعض الروائح إحساسات معينة، رائحتا الأوكالبتوس والنعناع تحفّزان الشعور بالبرد، في حين أن رائحة الأَرْز والقرفة تحفّز الشعور بالدفء. يقول بيسواس إن رائحة الحمضيات يمكن أن تجعلك تشعر بمزيد من اليقظة، ويمكن أن تجعلك رائحة الخزامى تشعر بمزيد من الاسترخاء. حاول الاستفادة من هذه الروائح لتحسين الحالة المزاجية للضيوف. أشعل بعض الشموع الخريفية إذا كنت تقدم وجبة دسمة في عيد الشكر مثلاً.

اقرأ أيضاً: هل تزعجك أصوات مضغ الطعام والتنفس؟ تعرف على «الميسوفونيا»

استخدم الألوان كإشارات

تميل الألوان الحية والداكنة مثل الأحمر والبرتقالي إلى جعل الناس أكثر استثارةً، وتجعل من المرجح أن يختاروا تناول المزيد من الأطعمة اللذيذة. يقول بيسواس إن الألوان الفاتحة، مثل الأزرق أو الأبيض المائل للصفرة، تكون ملاءمة أكثر للأكل الصحي. يفيد بيسواس أيضاً بأن بعض الألوان تذكّر بمذاقات معينة، على سبيل المثال، إذا قدّمت القهوة في فنجان وردي، سيكون مذاقها أكثر حلاوة مقارنة بالقهوة التي تُقدّم في فنجان أسود أو أخضر.

ينطبق نفس الأمر على الإضاءة المحيطة الملونة. باستخدام مصابيح الإضاءة متغيرة الألوان، يمكنك التحكم في التجربة الحسية للضيوف. وفقاً لسبينس، يُبرز الضوء الأحمر الطبيعة الفاكهية للعصائر، بينما الضوء الأخضر سيجعل طعم العصير أكثر حموضةً وطازجاً أكثر. إذا وجدت أن ضيوفك مهذبون بما يكفي ليقولوا إن العصير لا يناسب ذوقهم تماماً، يمكنك أن تحاول تغيير الإضاءة قبل أن تشتري زجاجة جديدة.

خفف الإضاءة

بالحديث عن الإضاءة، استخدام الإضاءة الخافتة عادة في الأماكن أكثر رقياً. في الوقت نفسه، وكما يقول بيسواس، تجعل الإضاءة الخافتة الناس يختارون المزيد من الأطعمة غير الصحية لأنها تضعف الحواس وتؤثر على إنتاج الميلاتونين. لذا، قم بخفض سطوع الأضواء قليلاً إذا كان ذلك يحسن الجو بشكل عام.

استخدم موسيقى مناسبة لموضوع الحفلة

أظهرت الأبحاث أنه عندما تُشغّل الموسيقى الكلاسيكية في المطاعم، وهو أمر يعزز انطباع الجودة والرقيّ، فمن المرجح أن ينفق الضيوف أكثر. لا يدفع ضيوفك لك المال، ولكن لا يزال من المهم مطابقة الموسيقى مع موضوع العشاء أو مذاق كل طبق. حاول استغلال ظاهرة «الحس المطابق» بتشغيل موسيقى «حلوة» أو موسيقى «مالحة» أو «مرة ودسمة وحارة». قول هذا أسهل من فعله، ولكن بمجرد سماع الموسيقى يمكنك تحديد نكهتها، فمثلاً أغنية «تلألأ أيها النجم الصغير» المخصصة للأطفال هي بالتأكيد أغنية حلوة، بينما أغنية «دخان على الماء» لفرقة «ديب بيربل» لها نكهة تميل للمرار.

يقول بيسواس إن الموسيقى الصاخبة تجعلنا أكثر استثارة، مما يدفعنا إلى الشعور بأن الأطعمة اللذيذة أكثر جاذبية، في حين أن الموسيقى الخلفية الخافتة يمكن أن تساعد في تحفيز المحادثات والأكل الصحي.

تأكد من توفير المقاعد للجميع

اختبر بيسواس في دراسة أجريت عام 2019 على 350 مشارك مدى لذّة طعم رقائق البيتا والقهوة أثناء الجلوس أو الوقوف. وجد أن الوقوف يؤدي إلى إجهاد جسدي يعطّل براعم التذوق ويقلل من كمية الطعام التي يأكلها الناس. وفقاً لبيسواس، عندما تأكل واقفاً، فمن غير المرجح أن تشعر بالراحة، وسجعلك هذا الشعور تظن أنك لا تحب الطعام الذي تتناوله. ربما لم تكن تخطط لجعل ضيوفك يأكلون وهم يقفون على أقدامهم، ولكن من فضلك جهّز مقاعد للجميع قبل وصولهم.

اقرأ أيضاً: قد تساعدك الروائح اللطيفة في الإقلاع عن التدخين

عدّل استراتيجيتك اعتماداً على ضيوفك

من الصعب تأكيد ما إذا كانت أي من هذه النصائح مفيدة بالنسبة لك، وذلك لأسباب طبيعية أو ثقافية أو الاثنين معاً. بعض هذه الأسباب تطوري وناتج عن الطبيعة، مثل العلاقة الوثيقة بين حاستي الشم والذوق. رُوّجت بعض الأسباب الأخرى عن طريق الشركات، إذ أنها قد عززت بعض الارتباطات التي نشعر بها واستغلّتها، مثل ارتباط اللون الأحمر بالاستثارة والمتعة والنشاط.

بالإضافة إلى ذلك، تختلف حواس كل شخص عن الآخر: يتمتع البعض بإدراك أقوى للرائحة، وقد يكون البعض الآخر مصاباً بعمى الألوان، والبعض الآخر يتمتع بقدرة فائقة على التذوّق. لهذا السبب، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع يضمن مثالية حفل العشاء، حتى لو كنت تتبع أفضل العلوم. الفكرة هي أن الاستفادة من هذه الاكتشافات والأدوات الجديدة يمكن أن تساعد الناس ليس فقط في خلق المزيد من تجارب الوجبات الممتعة في المنزل أو في المطاعم الفاخرة، ولكن أيضاً في خلق تجارب لا تنسى.

المحتوى محمي