إن الحصول على مياه شرب آمنة هو حق أساسي من حقوق الإنسان، ولكن في مناطق الصراع، غالباً ما يجري المساس بهذا الحق، إذ يمكن أن يؤدي القصف بالقنابل والمدفعية إلى إتلاف مرافق معالجة المياه وأنظمة التوزيع، في حين قد تؤدي العمليات العسكرية إلى تسميم إمدادات المياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي نزوح السكان بحثاً عن ملجأ إلى إرهاق البنية التحتية للصرف الصحي، ما يؤدي إلى زيادة التلوث الناجم عن النفايات البشرية والنفايات، ويزداد معه خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. فكيف يمكن التأكد من سلامة مياه الشرب في مناطق النزاعات؟ وكيف يمكن تعقيمها باستخدام أدوات بسيطة؟ لنتعرف إلى ذلك في هذا المقال.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع البشر التوقف عن شنّ الحروب؟
تقييم جودة وسلامة المياه للشرب
قبل محاولة تنقية المياه، من الضروري تقييم جودتها. وفي حين أنه قد لا يكون من الممكن دائماً إجراء اختبار شامل في مناطق النزاع، إلا أن بعض المؤشرات الأساسية يمكن أن تساعد في تحديد إذا ما كانت المياه صالحة للشرب، وتشمل وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية:
- العكارة: ابحث عن الوضوح؛ فالمياه الصافية هي علامة جيدة، في حين أن المياه العكرة أو المتغيرة اللون قد تشير إلى وجود جزيئات عالقة، مثل الأوساخ أو الرمل أو الطمي.
- اللون: المياه الصالحة للشرب عادة ما تكون عديمة اللون. وقد تكتسب مياه الشرب لوناً بسبب المعادن الذائبة أو المواد العضوية.
- الرائحة: الرائحة الكريهة للمياه غالباً ما تكون علامة على التلوث البكتيري.
- مستويات الأس الهيدروجيني (pH): يجب أن يكون مستوى الأس الهيدروجيني لمياه الشرب الآمنة بين 6.5 - 8.5، وأي انحراف عن هذا المجال قد يشير إلى التلوث بمواد حمضية أو قلوية.
يمكن اختبار درجة حموضة الماء دون الحاجة إلى أدوات الاختبار القياسية، باستخدام مواد قد تجدها في الطبيعة أو تحملها معك، كما هو الحال في مناطق النزاعات، وذلك من خلال بعض التقنيات البسيطة:
1- مؤشر الملفوف الأحمر: في حال توفر الملفوف الأحمر يمكن استخدامه لتحديد درجة حموضة الماء كما يلي:
- قطّع الملفوف الأحمر واغلِه في الماء حتى يتحول لون الماء إلى اللون الأرجواني الغامق، ثم صفِّ الماء من الملفوف، وستحصل على محلول مؤشر درجة الحموضة.
- أضف كمية صغيرة من ماء الملفوف إلى عينة الماء، وراقب تغير اللون:
- وردي/أحمر: درجة حموضة أقل من 7 (ماء حمضي).
- أرجواني: درجة حموضة قريبة لـ 7 (ماء محايد).
- أزرق/أخضر: درجة حموضة أكبر من 7 (ماء قلوي).
2- مؤشر التوت الأزرق: اسحق بعض التوت الأزرق واخلط العصير بعينة الماء، ثم راقب تغير اللون:
- أحمر/وردي: ماء حمضي.
- أرجواني: ماء محايد.
- أخضر: ماء قلوي.
3- اختبار ورق عباد الشمس: إذا كان لديك إمكانية الوصول إلى ورق عباد الشمس، يمكنك غمسه في عينة الماء. سيتغير لون الورق بناءً على درجة الحموضة كما يلي:
- أحمر: ماء حمضي.
- أرجواني: ماء محايد.
- أزرق: ماء قلوي.
اقرأ أيضاً: تقنية جديدة تساعد مَن يعيشون في مناطق شديدة التلوث في الحصول على مياه نظيفة من الضباب
طرق بسيطة لتعقيم المياه
عندما يكون الوصول إلى مياه الشرب الآمنة محدوداً، يمكن اللجوء إلى طرق تعقيم بسيطة باستخدام أدوات متوفرة. إليك بعض التقنيات البسيطة التي قد تساعد على تعقيم المياه:
1. غلي الماء
الطريقة الطبيعية الأكثر شيوعاً لتعقيم الماء هي الغلي. يمكن لغلي الماء أن يقضي على الميكروبات الممرضة الموجودة فيه، بما في ذلك الفيروسات والبكتيريا والطفيليات. القاعدة الأساسية لتعقيم الماء بالغلي هي غليه حتى درجة حرارة 100 درجة مئوية مدة 20 دقيقة (عند مستوى سطح البحر). ومع ذلك، تتأثر نقطة الغليان بالارتفاع، حيث يتطلب الماء وقتاً أطول للغليان بسبب انخفاض الضغط الجوي عند الارتفاع عن سطح البحر (أو الانخفاض)، كما التالي:
- الغلي أكثر من 30 دقيقة عند درجة حرارة 75 درجة مئوية.
- الغلي 20 دقيقة عند درجة حرارة 100 درجة مئوية.
- الغلي ما بين 15-20 دقيقة عند درجة حرارة 121 درجة مئوية.
- اترك الماء ليبرد بعد غليه، ثم رشحه بقطعة قماش نظيفة أو منشفة ورقية أو اتركه ليستقر.
- خزّن الماء في حاويات نظيفة ومعقمة بأغطية محكمة.
2. التطهير الشمسي
التطهير الشمسي بضوء الشمس هو البديل الطبيعي للتعقيم باستخدام أجهزة الأشعة فوق البنفسجية، حيث يمكن للتعرّض الكافي للأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس أن يقتل البكتيريا والطفيليات والفيروسات الضارة الموجودة في الماء. ومع ذلك، ينبغي توفر عدة شروط:
- أن يكون مصدر المياه نظيفاً ومعروفاً، مثل بحيرة أو جدول، ويُفضل المياه الجارية.
- ألا تكون المياه راكدة أو ذات رائحة ومظهر زيتي.
- ألا تكون المياه قريبة من المجاري أو المراحيض أو مجاري الصرف الصحي.
- ألّا تكون المياه ملوثة كيميائياً، لأن أشعة الشمس لا يمكنها إزالة المواد الكيميائية.
- أن يجري التخلّص من الملوثات المرئية بترشيح المياه أو ترقيدها حتى تصبح صافية، لأن أي ملوثات قد تحجب أشعة الشمس وتعوقها عن قتل الميكروبات.
- يجب استخدام العبوات الزجاجية الشفافة والخالية من أي خدش أو علامات تآكل، بحيث لا يزيد حجمها على لترين.
لاستخدام التنقية بأشعة الشمس اتبع ما يلي:
- املأ ثلثي الزجاجة بالماء ثم رجها 20-30 ثانية. يسمح ذلك بالتشبع بالأوكسجين، ما يزيد فاعلية الطريقة المستخدمة في قتل الميكروبات.
- أكمل ملء الزجاجات حتى الحافة تماماً، ثم ضعها في الشمس بعيداً عن أي عوائق مادية قد تحجب الأشعة. من المفيد وضع الزجاجات فوق سطح عاكس لزيادة التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
- حافظ على الزجاجة في الشمس مدة لا تقل عن 6 ساعات، أمّا إذا كانت السماء غائمة بنسبة 50%، فقد تستغرق عملية التنقية يومين.
- لا تتأثر عملية التنقية بدرجة حرارة الهواء المحيط، بل بقوة ضوء الشمس.
اقرأ أيضاً: ما مخاطر التعرّض للأضواء الاصطناعية والتلوث الجوي ليلاً؟
3. التنقية باستخدام النباتات
تتمتع بعض النباتات بالقدرة على امتصاص السموم والمعادن الثقيلة والبكتيريا والمواد الكيميائية من الماء دون الحاجة إلى أنظمة ترشيح اصطناعية، ما يساعد على تصفية المياه وتنقيتها وإطلاق الأوكسجين فيها. ومن الأمثلة عن التنقية بالنباتات الطبيعية:
- التنقية بقشور الفاكهة: استخدم الباحث في جامعة سنغافورة الوطنية، راماكريشنا مالامباتي، تقنية جديدة لتنقية المياه بقشور الفاكهة. نقع الباحث قشور التفاح والطماطم في الكحول المحمر وجففها، ثم صنع منها مرشح مياه بسيطاً، وعند وضعه في المياه الجوفية عدة ساعات امتص العديد من المواد السامة، مثل المبيدات والمعادن الثقيلة. وبمجرد إزالة القشور، يصبح الماء آمناً للشرب.
- قشور جوز الهند: يمكن لألياف قشور جوز الهند إزالة المواد الصلبة العالقة في الماء من أوساخ ومعادن وغيرها. ثم تمرر المياه عبر قشور الأرز المحترقة لإزالة أي بقايا أخرى. تكرر هذه العملية عدة مرات لزيادة نقاء الماء، وحتى يصبح خالياً من الروائح والملوثات.
- شاي الكزبرة: يمكن طحن نبات الكزبرة وتغليفه كما أكياس الشاي، ثم تمرير الماء خلالها. حيث تتمتع الكزبرة بفاعلية مماثلة لمرشح الفحم في إزالة المعادن الثقيلة.
الجدير بالذكر، أن الطرق السابقة قد لا تكون كافية، وغالباً ما قد تحتاج إلى استخدام عدة طرق طبيعية لتنقية المياه للحصول على ماء آمن للشرب.
4. التعقيم الكيميائي
يمكن لبعض المطهرات المنزلية أن تساعد على تعقيم مياه الشرب، ولكنها لاتملك فعالية طريقة الغلي ذاتها من حيث قدرتها على القضاء على البكتيريا والطفيليات المقاومة، مثل الجيارديا (Giardia) والكريبتوسبوريديوم (Cryptosporidium)، إضافة إلى أنها لا تخلّص الماء من المواد المشعة أو الكيميائية الضارة.
ومن المواد المطهرة الممكن استخدامها لتعقيم المياه في مناطق النزاعات:
- مبيّض الكلور المنزلي غير المعطر: يمكن استخدام مبيض الكلور المنزلي وفقاً لتركيز المادة الفعالة فيه "هيبوكلوريت الصوديوم"، حيث تُضاف 8 قطرات من المبيّض لكل غالون من الماء إذا كان تركيز هيبوكلوريت الصوديوم بين 5-9%، أو 10 قطرات من المبيّض لكل لتر إذا كان تركيز هيبوكلوريت الصوديوم 1%. حرك الخليط جيداً، واتركه 30 دقيقة على الأقل قبل الشرب.
- اليود المنزلي: يُستخدم اليود المنزلي عادة لتعقيم الجروح وتظهير الخضروات، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد على تعقيم المياه، وذلك بإضافة 5 قطرات من اليود المنزلي (2%) لكل لتر، وتزداد الكمية إلى 10 قطرات في حال كان الماء عكراً، ثم يُحرّك المزيج ويترك مدة 30 دقيقة على الأقل قبل الاستخدام.