بحلول نهاية شهر أبريل/نيسان 2022، سيكون أكثر من نصف الأشخاص على وجه الأرض قد أصيبوا بسلالة أوميكرون من فيروس كورونا، وذلك وفقاً لتقدير حديث صادر عن «معهد المقاييس الصحية والتقييم» التابع لجامعة واشنطن. على الرغم من أن هذا المعهد، بالإضافة إلى مجموعات أخرى تعمل على نمذجة جائحة كوفيد-19، يتوقّع انحسار المرض في الولايات المتحدة في وقت ما من شهر مارس/آذار 2022، إلا أن ملايين الأميركيين ما زالوا يصابون بالفيروس كل أسبوع على الأرجح. في الوقت نفسه، تلقّى ثلثا الأميركيين فقط جرعتين من لقاحات كوفيد-19، وحصل ربعهم فقط على جرعة معززة. سيثير ذلك لدى الكثير من الناس سؤالاً: متى بالضبط يجب أن تحصل على جرعة معززة بعد الإصابة؟
صعوبة تحديد التوقيت الملائم
لسوء الحظ، فإن الإجابات متضاربة. يسمح مركز السيطرة على الأمراض الأميركي بالحصول على جرعة معززة بمجرد اختفاء الأعراض، لكن يقول الخبراء من المركز إن «الأدلة الحالية حول المدة المثلى بين الإصابة بفيروس كورونا وتلقّي اللقاح غير كافية لتوفير إرشادات». أوصى مفوض الصحة العامة في شيكاغو بالانتظار 10 أيام بعد إجراء اختبار بنتيجة إيجابية، وتوصي السلطات الصحية في المملكة المتحدة بالانتظار 28 يوماً، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بالانتظار 90 يوماً.
لم يتفق باحثو اللقاحات والأمراض المعدية الذين تحدث معهم موقع «بوبيولار ساينس» مع بعضهم بعضاً أيضاً. مثل الكثير من الأمور خلال الجائحة، تعتمد الإجابة على كيفية تعاملك مع السؤال. في النهاية، طالما أنك تلقّيت الجرعات الأساسية من اللقاح، فلن تتعرض لحالة مرضية شديدة مرة أخرى، ولن يُحدث توقيت تلقّي جرعة ثالثة اختلافاً كبيراً. إذا كان هدفك هو تجنب الإصابة بحالة مرضية مترافقة مع أعراض، فقد يكون مفيداً تلقي الجرعة المعززة في وقت قريب بعد الإصابة. إذا كانت أولويتك تعزيز مناعتك طويلة المدى، سيكون من المنطقي الانتظار لفترة أطول.
تقول «دوري سيغيف»، جراحة زراعة الأعضاء وطبيبة الأمراض المعدية في كلية الطب في جامعة نيويورك: «أعتقد أن الإجابة الصحيحة هي: لا نعرف». لكن هناك طرق منطقية تساعدك على اتخاذ قرار.
وافق معظم الباحثين الذين تحدثوا إلى موقع بوبيولار ساينس على أنه إذا كنت مؤهلاً، فيجب أن تحصل على جرعة أخرى بعد الإصابة. لا يهم نوع اللقاح، ولكن نظراً للافتقار النسبي لخطوات مكافحة العدوى الأخرى في أجزاء كثيرة من البلاد، ستصبح أقل عرضة للإصابة بكوفيد-19 ونقل العدوى خلال الموجات المستقبلية.
اقرأ أيضاً: تقنية لقاحات كورونا تساهم في علاج متلازمة القلب المكسور
هل هناك حاجة لتلقّي جرعة معززة؟
ستمنح الإصابة بالمرض أغلب الأشخاص وقاية من الحالات المرضية الشديدة. لكن وفقاً لـ «ويليام شافنر»، أستاذ الأمراض المعدية والوقاية من الأمراض في المركز الطبي في جامعة فاندربيلت، إذا لم تكن قد تلقّيت أي جرعة من اللقاح، «فلن نعرف مدى كفاءة [مناعتك] ضد السلالات المختلفة، ولن نعرف مدة دوامها».
من المحتمل أنه في مرحلة ما، قد تسمح إدارة الغذاء والدواء الأميركية باستخدام الجرعات المعززة الخاصة بسلالات معينة. لكن حتى الآن، وجدت الأبحاث أن أفضل طريقة لتدريب جسمك على الاستجابة للسلالات الجديدة هي البدء مبكراً، إذ وجدت دراسة أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أنه بعد 6 أشهر من تلقي اللقاح، يمكن للخلايا المناعية للمرضى أن تنتج أجساماً مضادة بسرعة ضد سلالة دلتا، وسلالة بيتا المراوغة للمناعة، وهما سلالتان جديدتان تماماً بالنسبة لهذه الخلايا.
يقول شافنر: «بمجرد تلقيك للجرعة المعززة، تكون مستويات الأجسام المضادة في مجرى الدم أعلى بكثير مقارنة بنظيراتها لدى الأشخاص الذين تعافوا من المرض»، ويضيف: «زيادة عدد الأجسام المضادة أفضل لسبب آخر، وهو أنه مع وجود المزيد من الأجسام المضادة، ينتج الجهاز المناعي تنوعاً أكبر منها. على الأقل في المختبر، يبدو أن ذلك يساعد في اكتساب حماية أكبر ضد السلالات المختلفة».
اقرأ أيضاً: لماذا لم تفز لقاحات كورونا بجائزة نوبل هذا العام رغم أهميتها؟
ما السلالات التي تستهدفها الجرعات المعززة؟
هذا أمر لا اتفاق عليه بعد.
أظهرت إحدى الدراسات التي نشرها مركز السيطرة على الأمراض في يناير/كانون الثاني 2022 أن الأشخاص الذين تلقوا جرعة معززة كانوا أقل عرضة بنسبة 6% للوفاة بسبب سلالة دلتا مقارنة بأولئك الذين تلقوا جرعتين فقط. (كان الأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح أكثر عرضة للوفاة بـ 53 مرة). لم تقم الدراسة بإجراء نفس المقارنة مع سلالة أوميكرون.
وجدت دراسة أخرى نشرها نفس المركز في نفس الوقت أنه خلال ذروة موجة سلالة أوميكرون، كانت فعالية تلقّي جرعتين في الوقاية من الاستشفاء تساوي 60% تقريباً بالنسبة للأشخاص الذين تلقوا الجرعة الثانية قبل أكثر من 6 أشهر من الإصابة. وكان تلقّي 3 جرعات فعّالاً بنسبة 90% ضد الاستشفاء.
تظهر هذه المكاسب بشكل أكبر عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، وخاصة أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً. بالنسبة للأشخاص الأصغر سناً الذين يتمتعون بصحة جيدة من الناحية المناعية، يقول «بول أوفِت»، باحث في أمراض الأطفال المعدية واللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا: «إذا تلقّيت جرعة معززة، فهذا يقلل من احتمال إصابتك بحالة مرضية خفيفة لمدة 3 أشهر تقريباً».
يقول أوفت: «أعتقد أن الجواب هو أن تعرف ما الذي يجب عليك توقّعه من اللقاح»، ويضيف: «أنت تتلقّى اللقاح لتتجنّب الدخول إلى المستشفى، والدخول إلى وحدة العناية المركزة، والموت».
يعمل أوفت في اللجنة الاستشارية في إدارة الغذاء والدواء التي تشرف على الموافقات على اللقاحات، والتي صوتت في خريف عام 2021 بنسبة 13-2 للتوصية بمنح جرعات ثالثة فقط لكبار السن وغيرهم ممن لديهم مخاطر عالية للإصابة بحالة مرضية شديدة من كوفيد-19. (لم تتبع إدارة الغذاء والدواء هذه التوصية، وتجاهل مركز السيطرة على الأمراض لجنته الاستشارية من خلال توسيع إمكانية تلقي الجرعات المعززة لمعظم البالغين الأميركيين).
يقول أوفت إن أي شخص أصيب بالعدوى وتلقى لقاحاً سيكون لديه مناعة هجينة فعالة للغاية. على الرغم من أن الجرعات الإضافية تقلل من فرص الإصابة بحالة مرضية مترافقة مع الأعراض، إلا أن أوفت يشير إلى أنها ليست أداة مخصصة لإزالة المخاطر تماماً.
مع ذلك، يمكن أن تكون 3 أشهر من الوقاية من الحالات المرضية الخفيفة فائدة مهمة. إذا كنت لا تستطيع أن تأخذ إجازة من عملك، أو إذا كنت تعيش مع شخص معرّض للخطر بشكل خاص ولا تستطيع عزل نفسك تماماً، يمكنك تلقي جرعة معززة، جنباً إلى جنب مع تطبيق الاحتياطات الأخرى، مثل ارتداء كمامة «إن-95»، وتجنّب الأماكن المزدحمة، والخضوع لاختبار بانتظام. سيقلل ذلك من فرص حدوث أسوأ السيناريوهات.
اقرأ أيضاً: المضادات الفيروسية لكوفيد-19 تثبت فعاليتها ضد سلالة أوميكرون
متى إذاً يجب أن تتلقّى الجرعة المعززة؟
على الرغم من أنه يمكنك تلقي جرعة معززة بمجرد اختفاء الأعراض، إلا أنه وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض، من المرجح أن تكون استجابتك المناعية لهذه الجرعة أقوى مع مرور الوقت. حتى خريف 2021، كانت توصية مركز السيطرة على الأمراض هي الانتظار 90 يوماً بعد الإصابة. (لم يرد المركز على أسئلة حول سبب تغييره لتلك السياسة).
كتبت «كيرستن ليك»، باحثة اللقاحات في كلية الطب في جامعة ميريلاند، في رسالة بريد إلكتروني إلى موقع «بوبساي»: «إرشادات مركز السيطرة على الأمراض غامضة للغاية، و(برأيي) فهي لا تتماشى مع علم المناعة»، وأضافت: «عادةً ما يكون تلقّي الجرعات المعززة أفضل كلما تأخر أكثر، لكنني أقترح فترة 6 أسابيع على الأقل على مرضاي».
هناك قاعدة واحدة واضحة: إذا تلقيت أجساماً مضادة وحيدة النسيلة لعلاج عدوى كوفيد-19، يجب أن تنتظر 90 يوماً قبل تلقي أية جرعة. تعمل الأجسام المضادة مثل عجلات التدريب لجهاز المناعة. لن تستطيع تدريب جسمك على التعامل مع الفيروس حتى يزول أثر هذه الأجسام المضادة.
في جلسات استماع إدارة الغذاء والدواء الأميركية هذا الخريف، اقترح مستشارو الوكالة، ومنهم أوفت، أنه بناءً على التجارب الناجحة في البلدان الأخرى، فإن الانتظار لفترة أطول بين الجرعات سيكون أكثر فعالية. على الرغم من عدم وجود دراسات حول التوقيت الأمثل لتلقّي الجرعات بعد الإصابة بفيروس كورونا، إلا أنه من المرجح أن تظل هذه القاعدة العامة صحيحة.
وافق الباحثون الآخرون الذين تحدثوا إلى موقع بوبساي تقريباً على أن فترة ما بين بضعة أسابيع وبضعة أشهر تبدو منطقية. لا يوجد حد أقصى لوقت الانتظار أيضاً: يقول شافنر إن بعض المرضى ينتظرون سنوات قبل تلقي الجرعة الثالثة والأخيرة لمرض التهاب الكبد بي.
هناك استثناءات محتملة للقاعدة الأخيرة. يجب أن يتلقّى الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة جرعة ثالثة في وقت أقرب بكثير من غيرهم، ويمكن أن ينطبق الأمر نفسه على الجرعات التي تلي الإصابة، ولكن من الأفضل اتخاذ هذا القرار بمساعدة الطبيب.
ذكر العديد من الخبراء أنه قد يكون من المنطقي اختبار نسب الأجسام المضادة في الدم، من خلال شركة اختبار تجارية مثل «لاب كورب»، إذا كنت في حيرة من أمرك. لا توجد قواعد صارمة وسريعة، ولكن من المعقول أنه عندما تنخفض مؤشرات المناعة، لا سيما ما يسمى عيار تحييد «آي جي جي»، تقل كفاءة استجابة الجهاز المناعي للعدوى، ويكون تلقي جرعة أكثر فعالية في هذه الحالة. يشير سيغيف إلى ورقة بحثية نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 استُخدمت فيها بيانات من تجربة شركة «مودرنا»، والتي وجدت أن الأشخاص الذين يتمتعون بأعلى حماية ناتجة عن تلقي اللقاح يزيد عيار آي جي جي لديهم عن 1000.
يقول شافنر إن البعض قد يرغب تلقي جرعة ثالثة بسرعة إذا «لسبب أو لآخر، كانوا يرغبون في الحصول على مزيد من الحماية في أسرع وقت ممكن لأنهم سيواجهون الكثير من حالات التعرض للفيروس، وقد يكونوا معرضين لخطر الإصابة بعدوى طبيعية لاحقة». لكنه يقول إن هذه ظروف ضيقة ولن تنطبق على معظم الناس.
تقول ليك: «ستحصل على المناعة ضد عدوى كوفيد-19. ويجب عليك أن تمنح مناعتك الخاصة الوقت الكافي لتصبح أقوى قبل تلقي اللقاح».