فاقَ عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة 675 ألف شخصاً حتى شهر أغسطس الماضي، متجاوزاً بذلك عدد الوفيات الناجمة عن جائحة الإنفلونزا عام 1918؛ ما يجعل الجائحة الحالية الأكثر فتكاً في التاريخ الأميركي الحديث.
تُعتبر اللقاحات أقوى أداةٍ لدينا لمكافحة فيروس كورونا، وهناك ثلاث لقاحاتٍ معتمدةٍ في الولايات المتحدة حالياً. حصل لقاح فايز على الترخيص الكامل من قبل إدارة الغذاء والدواء في أغسطس/آب للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاماً، كما حصل اللقاح على تصريح الاستخدام الطارئ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 15 عاماً، وقد يصبح متاحاً قريباً للأطفال الأصغر سناً، بينما حصلت لقاحات «موديرنا» و «جونسون آند جونسون» على تصريح للاستخدام في حالات الطوارئ.
بحلول الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، تلقى أكثر من 77% من البالغين في الولايات المتحدة جرعةً واحدةً على الأقل من أحد هذه اللقاحات، بينما ما زال بعض الأميركيين مترددين بشأن تلقي اللقاح. طلبنا من خبراء اللقاحات الإجابة على بعض الأسئلة المتداولة حول كيفية عمل اللقاحات وسلامتها، وكانت هذه إجاباتهم.
ألا تدعو سرعة تطوير لقاحات كوفيد-19 إلى القلق؟
هناك نوعان من لقاحات COVID-19 المستخدمة في الولايات المتحدة - وبعض بلدان العالم. يعتمد لقاحا فايزر ومودرنا على تقنية الرنا المرسال، وتنطوي على استخدام أجزاءٍ من المادة الجينية لفيروس كورونا الجديد لتدريب جهاز المناعة عليها، بينما يعتمد لقاح «جونسون آند جونسون» على تقنية الناقل الفيروسي؛ حيث يستخدم فيروساً مختلفاً معدلاً لحمل جينات فيروس كورونا. كانت هذه الأساليب قيد التطوير في الواقع لعقودٍ مضت.
تقول «كوثر طلعت»؛ أستاذة مساعدة في كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة؛ والتي تحقق في اللقاحات المرشحة لمواجهة جوائح الإنفلونزا وكوفيد-19 وغيرها من الأمراض: «لقد اتفق المجتمع العلمي على أننا بحاجة إلى طرق لإنتاج لقاحات بسرعة ضد الفيروسات الناشئة. لقد سرّعت جائحة كورونا عملية إنتاج اللقاحات بعد تخصيص دعمٍ هائلٍ لها؛ لكنّ هذه اللقاحات لم تُطور بين ليلةٍ وضحاها».
خلال العقدين الماضيين، أدى انتشار فيروسين آخرين من عائلة الفيروسات التاجية- فيروس السارس وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس»- إلى فاشيتين أثارتا القلق. تقول طلعت: «في الحقيقة؛ كانت العديد من المجموعات البحثية تعمل بالفعل على لقاحات لهذه الفيروسات عندما بدأت جائحة كوفيد-19، وتمكنت بسرعة من الاستعانة بهذه المعرفة لتطوير واختبار اللقاحات المرشحة على فيروس كورونا؛ ومن بينها شركة موديرنا وجامعة أكسفورد اللتان عقدتا شراكة مع أسترازينيكا لتطوير لقاح فيروس كورونا- الذي أُعطي اسم أسترازينيكا- القائم على ناقل العامل الممرض، وبات يُستخدم الآن في العديد من البلدان».
عندما ظهر فيروس كورونا، أوقف الباحثون حول العالم أعمالهم الأخرى للتركيز على تطوير لقاح. تقول طلعت في هذا الصدد: «لم يتم تجاوز أية مرحلة في اختبارات اللقاح. كان الاختلاف الوحيد هو أن تطوير اللقاح تم بوتيرةٍ أسرع بكثير نظراً لتوفر الدعم المالي الكافي؛ ما مكّن مطوري اللقاحات من التخطيط للتجارب السريرية اللاحقة في الوقت الذي كانوا يجرون فيه التجارب الأولية على اللقاح». وبالإضافة إلى ذلك؛ طُرحت اللقاحات المرشحة للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء بسرعة؛ ما قلل الوقت اللازم للحصول على الموافقة عليها إلى حدّ كبير.
كما ساعد الانتشار السريع لفيروس كورونا، الباحثين على عدم الانتظار طويلاً لمعرفة أيٍّ من اللقاحات المرشحة التي تُجرى عليها التجارب السريرية يمكنها الوقاية من كوفيد-19. تقول «ميغان راني»؛ طبيبة الطوارئ والعميد المساعد في الاستراتيجية والابتكار في كلية الصحة العامة بجامعة براون: «كان من السهل حقاً اختبارها لمعرفة ما إذا كانت تعمل أم لا، لأن الكثير من الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيم قد أُصيبوا بالمرض».
اقرأ أيضاً: أفضل الطرق للتحدّث إلى شخص متردد بأخذ لقاح كوفيد-19
ما مدى أمان اللقاحات وكيف تم التأكد من ذلك؟
لتحديد مدى فعالية وأمان اللقاح المرشح؛ يقوم الباحثون أولاً باختباره على الحيوانات. إذا كان أداء اللقاح جيداً؛ تُجرى بعد ذلك الاختبارات السريرية على متطوعين من البشر على ثلاث مراحل، وتختلف كل مرحلةٍ عن الأخرى بحجم العينة المُختبرة، وتتدرّج من بضع عشرات إلى آلاف المتطوعين. وتقول «كيت هوبكنز»؛ مديرة الأبحاث وقبول اللقاحات وطلبها في معهد سابين للقاحات في العاصمة واشنطن في هذا الصدد: «تشرف مجالس مراقبة البيانات والسلامة المستقلة على هذه العملية بأكملها».
وحتى بعد ترخيص اللقاح، تُواصل السلطات الصحية مراقبة سلامته. تقول طلعت: «يمكننا اكتشاف الآثار الجانبية النادرة بالفعل في مرحلة مبكرة ومعالجتها، ومعرفة الأشخاص المعرضين لخطر أكبر وإعلام الناس بها».
تحدث معظم الآثار الجانبية في غضون أيام قليلة من التطعيم. كانت الأعراض بالنسبة للقاحات كوفيد-19 قصيرة الأمد؛ وشملت الحمى أو القشعريرة أو الألم في موضع الحقن، بينما كانت ردود الفعل التحسسية الخطيرة نادرةً ويمكن معالجتها. حدث التأق لدى ما يقرب من شخصين إلى خمسة أشخاص من كل مليون شخصٍ تلقى التطعيم في الولايات المتحدة. كانت هناك أيضاً تقارير نادرة جداً عن اضطراب تخثر الدم المرتبط بلقاح جونسون أند جونسون في غضون عدة أسابيع من التطعيم؛ ومعظمها كانت لنساء دون الخمسين عاماً، بالإضافة إلى التهاب عضلة القلب أو الأنسجة المحيطة به - خصوصاً لدى البالغين والمراهقين الذكور.
تقول راني: «لقد تلقى أكثر من 183 مليون شخص في الولايات المتحدة التطعيم ضد كوفيد-19 بالكامل منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ولم تُسجّل حتى الآن أية آثارٍ جانبية طويلة المدى للقاحات»، وتضيف: «هناك بعض الأدوية التي لا تظهر أعراضها الجانبية إلا بعد شهور أو سنوات لأنك تتناولها كل يوم. أما اللقاح، فإنك تحقنه داخل الجسم مرةً واحدة، فيساعده على تكوين استجابةٍ مناعية، ثم يختفي من جسمك. إنه لا يقوم بتغير شيءٍ ما في الجسم باستمرار ببساطة».
اقرأ أيضا: علاج حبوب القيح في الوجه.
هل سيغير لقاح الرنا المرسال حمضي النووي؟
لا. لقد صُممت جميع لقاحات كوفيد-19 المتوفرة حالياً لمساعدة جهاز المناعة لدينا على مهاجمة بروتين الشوكة الموجود على سطح الفيروس؛ والذي يساعده على الالتصاق بخلايانا والدخول إليها. تحتوي لقاحات الرنا المرسال على الشفرة الوراثية لبروتين الشوكة الفيروسي على شكل رنا مرسال (ومن هنا اكتسبت هذه اللقاحات اسمها).
تقول طلعت: ֿ«يُحمل الرنا الفيروسي المرسال لبروتين سبايك -الشبيه بالشوكة- داخل حويصلات نانوية دهنية، لمساعدته للوصول إلى داخل خلايانا، وبمجرّد دخول إليها، تستخدم الريبوزومات «مصانع البروتين» هذه الشيفرة الجينية لبدء نسخ بروتين الشوكة؛ والذي يقوم بدوره بتحفيز استجابةٍ مناعية لدى الجسم. هذا البروتين ليس الفيروس الكامل؛ إنه جزء منها فقط، ولا يمكن له أن يُمرضنا».
الرنا المرسال هشٌ جداً، ويتحلل بسرعة في الجسم. تقول طلعت: «إنه جزيء قصير العمر، ويختفي في غضون فترة زمنية قصيرة جداً، وبالتالي فهو لا يؤثر على حمضنا النووي ولا يمكنه تغييره بأي شكلٍ من الأشكال».
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في جهاز المناعة عند تلقّي لقاحات مختلفة لنفس المرض؟
لقد أُصبت بالفعل بكوفيد-19، ألا يجب أن يكون جسدي محصناً الآن؟
تقول طلعت إن الأشخاص الذين أُصيبوا بالفعل بكوفيد-19 يطورون بعض المناعة ضد الفيروس؛ لكنهم عموماً ليسوا محصنين بشكل جيد ضد الفيروس مثل الأشخاص الذين تلقوا التطعيم.
لقد أفاد الباحثون الشهر الماضي أن المتعافين من كوفيد-19 في ولاية كنتاكي ممن لم يتلقوا التطعيم، كانوا أكثر عرضةً للإصابة مرة أخرى بالعدوى بمقدار الضعف مقارنةً بالمتعافين الذين تلقوا التطعيم. في الواقع؛ قد يطور الناجون من فيروس كورونا الذين تلقوا اللقاح لاحقاً، استجابةً مناعيةً قويةً بشكل خاص.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعض الأشخاص يطورون استجابةً مناعيةً أقوى من غيرهم بعد الإصابة بعدوى كوفيد-19، ومن الصعب تحديد إلى أي مجموعةٍ ينتمون. بالإضافة إلى ذلك؛ إذا تلقيت «أجساماً مضادةً وحيدة النسيلة» أو «بلازما النقاهة» كعلاج لكوفيد-19، فقد تؤثر على قدرة جسمك على إنتاج استجابة مناعية طويلة الأمد - كما تقول طلعت.
وتضيف طلعت: «لذلك من الأفضل تلقي التطعيم لتضمن بذلك أن تكون لديك استجابة مناعية جيدة ضد الفيروس».
اقرأ أيضاً: هل من الآمن الحصول على أكثر من نوع من لقاحات كورونا؟
هل تسبب لقاحات كوفيد-19 العقم عند الذكور أو الإناث؟
لا يوجد دليل على أن اللقاحات لها أي تأثير على الخصوبة. تقول راني: «لقد أجرينا الآن دراسات حول تأثير لقاح كورونا على النساء الحوامل والنساء في سن الإنجاب وعلى الرجال، وتمكنا من إظهار أن اللقاح لم يكن له أي تأثير على الخصوبة أو عدد الحيوانات المنوية أو نتيجة الحمل».
ولكن تشير راني إلى أن الحوامل أكثر عرضةً لإصابةٍ خطيرة من كوفيد-19، وأن العدوى مرتبطة بانخفاض عدد الحيوانات المنوية وزيادة خطر الولادة المبكرة.
لم أُصب بالإنفلونزا مطلقاً، ولم أتلقَّ التطعيم ضدها أبداً، هل صحتي جيدة أم أحتاج اللقاح؟
تشير طلعت إلى أن فرصة إصابتك بكوفيد-19 أعلى بكثير من فرصة إصابتك بالأنفلونزا، وتقول: «بالنظر إلى سرعة انتشار الفيروس وطريقة انتشاره؛ أعتقد أننا في مرحلةٍ ما إما سنصاب بالعدوى أو نكون قد تلقينا اللقاح، وربما قد يحدث أن نتلقى اللقاح ونصاب بالعدوى في نفس الوقت أحياناً».
تقول هوبكنز: «مقارنةً بالإنفلونزا؛ من المرجح أيضاً أن يتسبب COVID-19 في الإصابة بالمرض بشدة والوفاة، وهو ينتشر بسرعة أكبر. في كلتا الحالتين؛ تقلل اللقاحات من خطر الإصابة بشدة بالمرض أو الموت». وتقول طلعت من جانبها: «يوشك نظام الرعاية الصحية لدينا على الانهيار، وأي شيء يمكننا القيام به للحفاظ على صحتنا وعدم الاضطرار إلى الذهاب إلى الطبيب أو المستشفى هو أمر يساعدنا حقاً».
اقرأ أيضاً: 6 أسئلة تجيبك عن الإصابة بكوفيد-19 بعد تلقّي اللقاح
هل إصابة الشباب وصغار السن بكوفيد-19 شديدة؟
للأسف نعم. تقول هوبكنز: «بالرغم من أن خطر الإصابة الشديدة بكوفيد-19 يزداد مع تقدم العمر؛ لكن من الممكن أن يُصاب الشباب بالمرض بشدة أيضاً. العمر أيضاً ليس عامل الخطر الوحيد، فالأشخاص المصابون بأمراض معينة؛ مثل السكري والسرطان، هم أيضاً أكثر عرضةً للإصابة بكوفيد-19».
معظم الأطفال الذين يصابون بكوفيد-19 لا تكون إصاباتهم شديدة. ومع ذلك، فإن المعدلات الأسبوعية لحالات دخول أطفالٍ تبلغ أعمارهم 11 عاماً أو أقل إلى المستشفى آخذةٌ في الارتفاع.
يمكن أن يصاب الشباب أيضاً بمرض «كوفيد الطويل الأمد»، مترافقاً مع أعراض مثل التعب ومشاكل التنفس لأسابيع أو أشهر.