هل يمكن أن تؤثر اللقاحات على تطوّر فيروس كورونا؟

5 دقائق
لقاحات كوفيد-19 المعززة لقاحات كورونا المعززة تأثير اللقاحات على تطور فيروس كورونا
shutterstock.com/ insta_photos

أفكار رئيسية حول تأثير اللقاحات على تطور فيروس كورونا.

  • بيّنت ورقة علمية نُشرت في 2015 حول نوع من الفيروسات التي تصيب الدجاج أن اللقاحات قد تحفّز انتشار سلالات مميتة أكثر من الفيروس؛ ولكن عند الدجاج فقط.
  • لكن في الواقع هذا الأمر نادر؛ إذ أن قلة فقط من اللقاحات المخصصة للبشر والحيوانات الأخرى أثّرت على تطوّر الفيروسات. في معظم الحالات، فإن تطور الفيروسات لم يزد من فعالية العوامل المُمرضة.
  • الاحتمالية الافتراضية لأن تتسبب لقاحات مرض كوفيد-19 في توليد نسخ مضرّة أكثر من الفيروس ليست سبباً مقنعاً للامتناع عن تلقّي اللقاحات؛ بل إنها تبيّن أن هناك حاجةً للاستمرار في تطوير اللقاحات.

في عام 2015، نشرت أنا وزملائي ورقةً علميةً حول فيروس يصيب الدجاج لم تسمع به من قبل على الأرجح. في ذلك الوقت، حصلت الورقة على بعض الاهتمام الإعلامي، كما استشهد بها علماء آخرون منذ ذلك الحين.

ولكن الآن، وبحلول نهاية عام 2021، شوهدت هذه الورقة أكثر من 350 ألف مرة، كما أن 70% من هذه المشاهدات وقعت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. ظهرت هذه الورقة أيضاً في فيديو على موقع يوتيوب حصل على 2.8 مليون مشاهدة، ولا يزال هذا العدد في ازدياد.

لقد انتشرت هذه الورقة البحثية لأن بعض الأشخاص يستخدمونها لتعزيز فكرة الخوف من أن لقاحات كوفيد-19 ستؤدي إلى تطور الفيروس في اتجاه سلالات أكثر خطورةً. أخبرني الأطباء أن المرضى يستخدمون الورقة لتبرير قرارهم بالامتناع عن تلقّي اللقاح. حتى أن بعض النقاد يستخدمونها للحث على إنهاء حملات التلقيح من أجل منع هذا النوع من التطور الفيروسي الذي كنا ندرسه عند الدجاج.

أتلقى رسائل إلكترونية بشكلٍ يومي من أشخاص قلقين بشأن تلقي اللقاح أو قلقون بشأن رفض أشخاص آخرين تلقي اللقاح بسبب سوء فهمهم للورقة.

اقرأ أيضاً: أفضل الطرق للتحدّث إلى شخص متردد بأخذ لقاح كوفيد-19

لا شيء في ورقتنا يبرر بأي شكل اتخاذ موقف ضد اللقاحات. هذا التفسير الخاطئ -إذا دفع الناس إلى الامتناع عن تلقي اللقاحات- سيؤدي إلى خسائر في الأرواح مأساوية ويمكن تجنبها. تقدر دراسة جديدة أنه اعتباراً من أوائل مايو/ أيار 2021، منعت اللقاحات ما يقرب من 140 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة وحدها.

لأكثر من 20 عاماً، عملت مع متعاونين وزملاء حول كيفية تأثير اللقاحات على تطور الكائنات الحية المسببة للأمراض مثل الفيروسات وطفيليات الملاريا.

لا يوجد شيء اكتشفناه أو حتى افترضناه يبرر تجنب اللقاحات أو الامتناع عن تلقّيها. إذا بيّن علمنا أي شي، فهو يبيّن أننا بحاجة إلى الاستمرار في البحث عن لقاحات جديدة، وتطوير لقاحات الجيل الثاني والثالث من تلك الموجودة حالياً.

ولكن في موضوع فيروس كورونا، فإن عملنا يُثير سؤالاً مشروعاً: هل يمكن أن تتسبب اللقاحات في ظهور المزيد من السلالات الضارة؟

من الدجاج إلى كوفيد-19

في الورقة سابقة الذكر من عام 2015، أبلغنا عن تجارب على أنواع مختلفة من فيروس مرض «ماريك»؛ وهو اسم فيروس الدجاج الذي كنا ندرسه. إنه فيروس «هربسيّ» (أو فيروس «الحلأ»، وهو الفيروس الذي يتسبب بمرض الهربس) يتسبب بالسرطان عند الدجاج المنزلي، وتسبب في وقوع خسائر فادحة في قطاع الدواجن قبل تطوير لقاحات ضده. انتشر استخدام لقاح من الجيل الأول ضد هذا الفيروس في الطيور الداجنة في أوائل السبعينيات. اليوم، يتم تلقيح جميع أنواع الدجاج التجاري والعديد من أنواع الطيور المنزلية ضد مرض ماريك.

يصبح الدجاج المصاب بفيروس مرض ماريك قادراً على نقل الفيروس بعد حوالي 10 أيام من الإصابة. في تجاربنا المخبرية، عملنا مع أنواع مختلفة من فيروس مرض ماريك التي كانت فتّاكة لدرجة أنها تقتل جميع الطيور غير الملقحة خلال 10 أيام أو أقل، لذلك قبل تطوير اللقاح، كانت الطيور تموت قبل أن تتمكن من نقل السلالات القاتلة إلى الطيور الأخرى؛ لكننا وجدنا أن لقاح الجيل الأول يحمي الطيور من الموت. بعبارة أخرى؛ عاشت الدجاجات التي أُصيبت بالفيروس وتمكنت بالتالي من نشر السلالات شديدة الضراوة إلى الطيور الأخرى.

فيروس الدجاج
عالم الأحياء «آندرو ريد» من جامعة ولاية بين (على اليمين) ومساعده «كريس كيرنز» درسا فيروس مرض ماريك عند الدجاج. الصورة: إيه تشان.

في حالة كوفيد-19، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه حتى الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح يمكن أن يصابوا وينقلوا سلالة دلتا شديدة العدوى. نظراً لأن الانتقال الفيروسي من الدجاج الملقح هو ما سمح لسلالات أكثر فتكاً بنشر مرض ماريك، فمن المعقول أن نتساءل عما إذا كان انتقال كوفيد-19 من الأشخاص الملقحين يمكن أن يسمح بانتشار المزيد من السلالات الفتاكة من فيروس كورونا.

التطور يمكن أن يسري في عدّة اتجاهات

كما كتبنا أنا وعالم البيئة التطورية «ديفيد كينيدي» من قبل، فإن المسار التطوري الذي سلكه فيروس مرض ماريك هو إحدى المسارات العديدة المحتملة في الحالات النادرة التي تقود اللقاحات فيها التطور.

أثرت أقلية فقط من اللقاحات البشرية والحيوانية على تطور العوامل الممرضة. في جميع هذه الحالات تقريباً -والتي تشمل فيروس «التهاب الكبد بي» والبكتيريا التي تسبب السعال الديكي والالتهاب الرئوي- انخفضت فعالية اللقاحات نتيجةً للسلالات الجديدة؛ ولكن على عكس فيروس مرض ماريك، فلم يكن هناك دليل واضح على أن السلالات المتطورة الجديدة تسببت بحالات أشد من المرض.

في الطبيعة، نعلم بالطبع أنه ليست كل الفيروسات قاتلة بشكل متساوٍ. يمكن أن تؤدي الاختلافات الحيوية في عوامل مثل الارتباط بين شدة المرض ومعدل انتقاله إلى زيادة أو نقصان إماتته. هذا يعني أنه لا يمكن التنبؤ بتطور إحدى الفيروسات بمجرد الاستقراء من التطور السابق لفيروس آخر. فيروس مرض ماريك وفيروس كورونا مختلفان تماماً، ولقاحاتهما مختلفة جداً، كما أن لهما مضيفين مختلفين للغاية وآليات للتسبب بالمرض وقتل المرضى مختلفة جداً. من المستحيل معرفة ما إذا كانت اختلافاتهما أهم من أوجه التشابه بينهما.

من الضروري أخذ الفرضيات التطورية بعين الاعتبار؛ لكن في مواجهة التأثير المفيد للغاية للقاحات في الحد من انتقال وشدة المرض - حتى ضد سلالة دلتا - لا تزال إمكانية الانتشار الصامت للسلالات الأكثر فتكاً بين الأفراد الذين تلقّوا اللقاح لا تعتبر محاججةً مقنعةً للامتناع عن تلقّي اللقاح.

اقرأ أيضاً: ما تود معرفته عن متغيّر «دلتا بلس» وهل يمكن أن يفلت من اللقاحات؟

مع انتشار سلالات جديدة من فيروس كورونا في الأشهر والسنوات المقبلة، سيكون من الضروري معرفة ما إذا كانت ميزتها التطورية نشأت بسبب انخفاض شدة المرض بين الأفراد الذين تلقّوا اللقاح. على سبيل المثال: تنتقل سلالة دلتا بشكل أكثر فاعلية من كل من الأشخاص الملقحين وغير الملقحين مقارنةً بالسلالات السابقة. الاستقراء من عملنا حول الدجاج للمحاججة ضد تلقّي اللقاحات بسبب سلالة دلتا ليس له أي مبرر علمي: سلالة دلتا ستكون سائدةً حتى لو رفض الجميع تلقّي اللقاح.

اقرأ أيضاً: كيف تختلف أعراض متغير دلتا عن فيروس كورونا الأصلي؟

لكن ماذا لو ظهرت أنواع أكثر فتكاً من فيروس كورونا؟

إذا ظهرت هذه الأنواع، فإن معدلات انتشار اللقاح المنخفضة ستجعل من السهل التعرف عليها واحتوائها لأن الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاح سيعانون من إصابات أكثر خطورةً، وسترتفع معدلات الوفاة بينهم؛ لكن هذا النوع من «الحلول» له تكلفة كبيرة. في الواقع؛ سيتم تحديد السلالات الجديدة والقضاء عليها عن طريق ترك الناس يمرضون، والكثير منهم سيموت.

لم تكن التضحية بالدجاج الحل الذي تبنّاه قطاع الدواجن لفيروس مرض ماريك. بدلاً من ذلك؛ تم تطوير لقاحات أكثر فعاليةً. وفرت تلك اللقاحات الجديدة قدرةً ممتازةً على التحكّم في المرض، ولم تظهر أية سلالات قاتلة من فيروس مرض ماريك منذ أكثر من 20 عاماً.

ربما تكون هناك طرق يمكن من خلالها تحسين لقاحات كوفيد-19 المتاحة في المستقبل لتقليل انتقال العدوى بشكلٍ أفضل. قد تساعد الجرعات المُعززة أو الجرعات الأكبر أو تغيير الفترات الفاصلة بين الجرعات، كما أن المزج بين الأنواع المختلفة من اللقاحات قد يفيد أيضاً. يعمل الباحثون بجد على هذه الأسئلة. قد تكون لقاحات الجيل التالي أفضل في منع انتقال العدوى. اللقاحات الأنفية، على سبيل المثال، قد تحد بشكل فعال من انتقال العدوى لأنها تستهدف بشكل أكثر تحديداً موقع الفيروس القابل للانتقال.

اقرأ أيضاً: هل من الآمن الحصول على أكثر من نوع من لقاحات كورونا؟

اعتباراً من أواخر أغسطس/ آب 2021، توفي أكثر من 625 ألف أميركي بسبب مرض أصبح الآن يمكن الوقاية منه إلى حدٍ كبير باللقاحات. إنه لمن المقلق بالنسبة لي أن أعتقد أن بعضاً من الذين سيموتون في المستقبل ربما تجنّبوا اللقاحات المنقذة للحياة لأن الناس يثيرون مخاوف تطوريةً مستقرأةً من الأبحاث التي أجريناها على الدجاج.

في تاريخ اللقاحات البشرية والحيوانية، لم تكن هناك حالات كثيرة للتطور المحفّز بسبب اللقاحات؛ لكن في كل حالة من هذه الحالات، كان البشر والحيوانات دائماً أفضل حالاً بوجود اللقاحات. في كل مرحلة من التاريخ الممتد على مدى 50 عاماً للقاحات مرض ماريك، تمتّعت كل دجاجة تعرضت للفيروس بصحة أفضل إذا كانت ملقحة. قد تكون السلالات قد قللت من فعالية اللقاحات؛ لكنها لم تلغي فائدتها مطلقاً. التطور ليس سببا لتجنب تلقّي اللقاحات.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في جهاز المناعة عند تلقّي لقاحات مختلفة لنفس المرض؟

المحتوى محمي