بماذا يختلف السلوك الاجتماعي للنمل عن البشر؟ دراسة حديثة تجيب

3 دقيقة
بماذا يختلف السلوك الاجتماعي للنمل عن البشر؟ دراسة حديثة تجيب
يُشار أحياناً إلى مستعمرة النمل على أنها كائن حي.

التعقيد المكتشف حديثاً لمجتمعات النمل هو أحد أكثر الظواهر المذهلة في العالم الطبيعي. كيف تشكل هذه الكائنات الصغيرة شبكات اجتماعية معقدة لهذه الدرجة؟ تتميز هذه الشبكات بسمات وخصائص دقيقة ومذهلة للغاية لدرجة أنه يُشار أحياناً إلى المستعمرة نفسها على أنها كائن حي، أو "كائن حي فائق" بحد ذاتها؛ إذ تمثل النملات مكوناتها الفردية.

تتناول ورقة بحثية نشرت في يوليو/تموز 2024 في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم نيكسوس (PNAS Nexus) تأثير العدوى الاجتماعية في سلوك النمل. العدوى الاجتماعية هي العملية التي ينتشر وفقها سلوك معين عبر مجموعة، ما يؤدي إلى ما يسمى "السلوك الجماعي".

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: النمل يجري عمليات بتر الأطراف لإنقاذ حياة رفاقه المصابين

ما هي العدوى الاجتماعية؟

هذه الظاهرة رائجة بين مختلف أنواع الحيوانات الاجتماعية، من النمل والأسماك إلى الطيور والبشر. لكن على الرغم من أنها قد تكون مفيدة عندما تؤدي إلى التعاون والعمل الجماعي، تشير الدراسة الجديدة إلى أن السلوكيات الجماعية التي تولدها يمكن أن تكون لها أيضاً "نتائج كارثية مثل الذعر الجماعي والفرار الجماعي". على هذا النحو، يوازِن عادة ما يطلق عليه مؤلفو الورقة الجديدة اسم "العدوى الاجتماعية العكسية" الدعم المعنوي الإيجابي للعدوى الاجتماعية في المجتمعات الحيوانية.

تنبع العدوى الاجتماعية من حافز الفرد لتقليد نشاط يلاحظ أن الآخرين يتبعونه، بينما تنشأ العدوى الاجتماعية العكسية عندما يكون الأفراد أقل عرضة لتقليد سلوك لاحظوا أن الآخرين يتبعونه. يمنع ذلك انتشار النشاط نفسه في المجموعات بأكملها، بغض النظر عن فائدة هذا النشاط.

تشير الورقة الجديدة إلى أن النتائج السلبية للعدوى الاجتماعية في مجتمعات النمل نادرة على نحو لافت للنظر، ما يشير إلى أن العدوى الاجتماعية العكسية تؤدي دوراً مهماً في هذه المجتمعات. فحص الباحثون نشاط النمل الفردي في 12 مستعمرة من النمل الحاصد لتحديد الآلية التي تنظّم وفقها العدوى الاجتماعية العكسية سلوك النمل. تمتعت هذه المستعمرات بأحجام مختلفة، إذ تراوحت أعداد النمل فيها بين بضع العشرات وبضع المئات. هدفت التجربة إلى تحديد تأثير حجم المستعمرة في مستوى نشاط النملات العاملات فيها. إذا كان سلوك النمل يعتمد فقط على العدوى الاجتماعية الإيجابية، فمن المتوقع أن ينشط المزيد من النمل في المستعمرات الأكبر؛ إذ إنه سيكون أكثر عرضة لرصد سلوك معين لدى الأفراد الآخرين.

الشكل 1. رسم توضيحي لمفاهيم العدوى الاجتماعية (في الأعلى) والعدوى الاجتماعية العكسية (في الأسفل). (في الأعلى) تتفاعل نملة غير نشطة مع نملة منخرطة في مهمة للبحث عن الطعام: تبدأ النملة غير النشطة بالبحث عن الطعام أيضاً من خلال العدوى الاجتماعية (الناجمة عما يدعى "التشغيل النشط" مثلاً). (في الأسفل) تتفاعل نملتان منخرطتان في عملية البحث عن الطعام: تتوقف إحداهما عن البحث عن الطعام وتصبح غير نشطة من خلال العدوى الاجتماعية العكسية (الناجمة عما يدعى "الاستبعاد الحيزيّ" مثلاً). مصدر الصورة: إيزابيلا موراتوريه.

اكتشف مؤلفو الدراسة أن كبر حجم المستعمرة لا يعني أن عدد النمل الذي يتبع السلوك نفسه أكبر. تشير الأرصاد إلى أن العدوى الاجتماعية العكسية أدّت دوراً أيضاً لأن المجموعات المختلفة انخرطت في مجموعة متنوعة من السلوكيات.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف قدرة النمل على تمييز الجروح الملوثة وعلاجها

العدوى الاجتماعية العكسية

يمثّل ذلك أيضاً تناقضاً صارخاً مع المجتمعات البشرية، التي يميل مستوى نشاط الأفراد فيها إلى الازدياد بسرعة أكبر مع نمو عدد السكان. يحتوي الإعلان المرافق للدراسة على مثال جمع الطعام العام لتوضيح الفرق. إذا رأت نملة العديد من النملات العاملة تجمع الطعام، فإنها توفر طاقتها لإجراء مهمة أخرى قد تكون أكثر فائدة للمستعمرة. لكن إذا رأى بشري جيرانه يجمعون الطعام، فإنه سيشعر بالقلق من أن الطعام سينفد، وهو قلق يميل إلى أن يصبح أكثر إلحاحاً مع زيادة عدد السكان.

الشكل 7. أ). رسم توضيحي لمستوطنة حضرية مكونة من أفراد يعملون لتحقيق مصلحتهم الخاصة: يحوّل كل شخص تكلفة حركته (مقاسة بنوع ما من أنواع العملات اعتماداً على طريقة التحويل الخاصة به، 𝐶/𝑁⁠) إلى تفاعلاته الاجتماعية الخاصة (ممثلة بمتوسط ​​الاتصال ⟨𝑘⟩ = 2𝐸/𝑁⁠). ب) رسم توضيحي لمستعمرة اجتماعية من الحشرات تتبع سلوك كائن حي فائق: تعدّل كل حشرة إنفاقها من الطاقة، 𝐵/𝑁⁠، استجابة لمتوسط تواصلها بطريقة تجعلها تزيد إنفاقها استجابة لانخفاض التواصل. مصدر الصورة: آنا ساولسكا.

يقول الأستاذ المشارك في العلوم البيولوجية في معهد نيو جيرسي للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية، سايمون غارنييه، في الإعلان السابق الذكر: "المكاسب الشخصية هي الدافع وراء السلوك البشري غالباً، [لكن] النمل يميل إلى منح الأولوية لاحتياجات المستعمرة. لهذه النتائج تبعات كبيرة على فهم الاختلافات بين تنظيم المجتمعات البشرية والمجتمعات الحشرية الاجتماعية". بطبيعة الحال، هذا تعميم نوعاً ما؛ إذ هناك الكثير من المجتمعات البشرية التي تقدّر المصالح الجماعية أكثر من المصالح الفردية، ولكن هذا موضوع يخص علم الاجتماع والثقافة وليس العلوم السلوكية.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تبيّن أن أدمغة النمل تتواصل بفعالية مدهشة لتحذير بعضها من الأخطار

في الأحوال جميعها، توصل المؤلفون إلى نتيجة مذهلة، وهي أن الاستعارات التي نسمعها كثيراً المتعلقة بأن مستعمرات النمل هي "كائنات حية فائقة" دقيقة للغاية في الواقع. يقول مؤلفو الورقة إن "هذا البحث يشير إلى أن الوحدة الذرية المناسبة للنملة هي مستعمرتها، وليس نفسها بصفتها كائناً حياً واحداً".