تلألؤ المدن بأضوائها ليلاً من أكثر المشاهد شاعرية، ومع ذلك تشير دراسة جديدة نُشِرت في 25 مارس/ آذار في دورية السكتة الدماغية (Stroke)، إلى أن هذه الأضواء الاصطناعية الخارجية الساطعة التي تلون المدن بألوان نابضة بالحياة ليلاً، يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 43%، فكيف ذلك؟
خطر الإصابة بالسكتة الدماغية ودور الضوء الاصطناعي
تتبع الباحثون في الدراسة تعرّض 28302 بالغ يعيش في الصين للضوء الليلي الخارجي السكني، باستخدام صور الأقمار الصناعية التي رسمت خريطة التلوث الضوئي.
وبعد 6 سنوات من المتابعة ما بين عامي 2015-2021، وجد الباحثون 1278 حالة إصابة بأمراض الأوعية الدموية الدماغية، منها 777 سكتة دماغية ناجمة عن انسداد الشرايين (السكتات الدماغية الإقفارية)، و133 سكتة دماغية نزفية ناجمة عن نزيف الدماغ، واستنتجوا أن الأفراد الذين تعرضوا لأعلى مستويات من التلوث الضوئي الخارجي في الليل، بما في ذلك مصابيح الفلورسنت والمصابيح المتوهجة ومصابيح ليد، كانوا أكثر عرضة بنسبة 43% للإصابة بأمراض الأوعية الدموية الدماغية مقارنة بأولئك الذين تعرضوا لأدنى مستويات التعرض.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج الأدمغة إلى النوم؟
دور استنشاق الهواء الملوّث ليلاً في الإصابة بالسكتة الدماغية
بالإضافة إلى الأضواء الاصطناعية، كشف الباحثون عن عامل آخر يرتبط بخطر السكتة الدماغية، وهو استنشاق الهواء الملوّث ليلاً، حيث توصلوا إلى ما يلي:
- الأفراد الذين تعرضوا لأعلى مستويات من تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة التي يقلّ قطرها عن 2.5 ميكرومتر (PM2.5)، والناتجة عن مصادر مثل احتراق البنزين أو الزيت أو وقود الديزل أو الخشب، كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 41%، مقارنة بالمشاركين الذين لديهم أدنى مستويات التعرض للجسيمات (PM2.5).
- الأفراد الذين تعرضوا لأعلى مستويات من تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة التي يقلّ قطرها عن 10 ميكرومتر (PM10)، وهي الجسيمات المحمولة في الغبار والدخان، كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 50%، مقارنة بالمشاركين الذين لديهم أدنى مستويات التعرض للجسيمات (PM10).
- المشاركون الذين تعرضوا لأعلى مستويات من أوكسيد النيتروجين الناتج عن انبعاثات السيارات والشاحنات والحافلات ومحطات الطاقة ومعدات الطرق الوعرة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض الأوعية الدموية الدماغية بنسبة 31% مقارنة بأولئك الذين تعرضوا لأدنى مستوى.
اقرأ أيضاً: قد يتسبب تلوث الهواء في تقليل فرص الحمل
كيف تؤثّر الأضواء الليلية الخارجية في صحة الدماغ؟
على الرغم من اكتشاف الباحثين، فإنهم لم يتمكنوا من تحديد علاقة سببية بين الأضواء الاصطناعية في الليل أو ملوثات الهواء والأمراض الوعائية الدماغية، لكنهم لاحظوا أن التعرّض المزمن للضوء الساطع ليلاً يمكن أن يثّبط إنتاج الجسم الطبيعي هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون المحفّز للنوم، ما قد يؤدي إلى تعطيل الساعة البيولوجية للجسم على مدار 24 ساعة، وأنماط النوم الطويلة المدى، حيث إن تلوث الهواء والتعرّض للضوء الاصطناعي هما سمتان قياسيتان للحياة في المدن الكبيرة، إذ إن نحو 80% من سكان العالم يعيشون اليوم في بيئات ملوثة ضوئياً، لذا افترض الباحثون أن التلوث الضوئي قد يزيد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية عن طريق إضعاف النوم الجيد، لأن الحرمان من النوم يرتبط بخطر ارتفاع ضغط الدم ومستويات السكر فيه، وزيادة الوزن واضطراب ضربات القلب.
علاوة على ذلك، أفاد طبيب القلب برادلي سيروير (Bradley Serwer) بأن تلوث الهواء يؤثّر في القلب عن طريق إتلاف الأوعية الدموية بحيث تصبح غير قادرة على توصيل إمدادات الدم الكافية، ما يزيد من خطر الجلطات، وزيادة ضغط الدم وتعطيل النشاط الكهربائي للقلب.
اقرأ أيضاً: ما هي أنماط النوم المفيدة للصحة؟
قيود الدراسة
اعترف الباحثون بوجود بعض القيود التي تشير إلى وجود ارتباط غير محدد بعد، مثل:
- اقتصار الدراسة على سكان مدينة واحدة، أي أن النتائج قد لا تنطبق على مجتمعات أخرى.
- عدم الأخذ بعين الاعتبار ظروف الإضاءة الداخلية أو استخدام الستائر العاتمة.
- ندرة التقاط الأقمار الصناعية الإضاءة الزرقاء.
تُسلّط نتائج الدراسة الضوء على تعقيدات البيئات الحضرية، وعلى دور العوامل البيئية في التأثير على الصحة العامة. قال المؤلف المشارك في الدراسة، والباحث في الصحة العامة والغدد الصماء، الطبيب جيان بينغ وانغ: "نحن بحاجة إلى تطوير سياسات واستراتيجيات وقائية أكثر فاعلية لتقليل عبء المرض الناجم عن العوامل البيئية مثل الضوء وتلوث الهواء، وخاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر كثافة سكانية وتلوثاً حول العالم".
كيف يمكن تقليل التعرّض للأضواء الخارجية؟
لتقليل التأثير الضار المحتمل للأضواء الخارجية الاصطناعية والحماية من الإصابة بالسكتة الدماغية يمكن اتباع النصائح التالية:
- الحد من التعرّض للضوء الاصطناعي خلال النهار، واستبدال الضوء الطبيعي به، الذي يساعد على ضبط الساعة البيولوجية ومستويات الميلاتونين.
- إطفاء الأضواء الاصطناعية في الداخل في موعد النوم بما يسمح للجسم على التكيُّف مع موعد النوم الصحي.
- تقليل وقت التعرّض للأضواء الخارجية في الليل قدر المستطاع من خلال بعض وسائل الحماية، كما في ارتداء نظارات ملونة، وقبعات واسعة الحواف في أثناء الوجود خارج المنزل ليلاً.
- ارتداء أقنعة طبية للوجه في أي وقتٍ من اليوم، لتقليل التعرّض لملوثات الهواء.
- اتخاذ بعض الإجراءات والاحتياطات الداخلية، مثل تقليل التعرّض للأشعة الزرقاء للأجهزة الإلكترونية قبل موعد النوم، مثل الهاتف المحمول أو أجهزة الكمبيوتر أو مشاهدة التلفاز.
- استخدام ستائر داكنة اللون لحجب الضوء الخارجي الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: أسدل الستائر وأطفئ الأضواء في غرفة النوم من أجل صحة أفضل
ومع ذلك، ينبغي ألّا ننسى عوامل الخطر الأخرى المرتبطة بالسكتة الدماغية، مثل ارتفاع ضغط الدم والرجفان الأذيني وارتفاع نسبة الكوليسترول الضار والشحوم الثلاثية والشيخوخة والتدخين والخمول والسمنة، وغيرها من محفزات الإصابة بالسكتة الدماغية، أي بغض النظر عن مكان العيش ومستوى التلوث الضوئي المحيط، فإنه لا بُدّ من اتباع نمط حياة صحي يتضمن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتناول غذاء صحي، والحصول على عدد ساعات نوم كافٍ.