لأول مرة: إيجاد صلة بين الجزيئات البلاستيكية النانوية وصحة الإنسان

4 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/Aleksey Boyko
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توصل باحثون في نابولي بإيطاليا، إلى أن وجود المواد البلاستيكية الدقيقة والنانوية في الشرايين قد يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والموت بين الأشخاص المصابين بأمراض القلب، وقد أثارت الدراسة المنشورة في مجلة نيو إنغلاند الطبية (New England Journal of Medicine) تساؤلات أكثر مما قدمت من إجابات عن الآلية التي تؤثّر بها الجزيئات البلاستيكية في القلب، ومع ذلك تُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تربط الجزيئات البلاستيكية النانوية وصحة الإنسان.

اقرأ أيضاً: كيف يصل البلاستيك إلى غذاء الأجنة البشرية؟ دراسة حديثة تجيب

العلاقة بين الجسيمات البلاستيكية النانوية والصحة القلبية

اختار الباحثون في الدراسة الحديثة 257 شخصاً إيطالياً ممن خضعوا لعمل جراحي في العنق (استئصال باطنة الشريان السباتي) لإعادة فتح الشريان الذي يزود الدماغ بالأوكسجين، والمسدود بالترسبات الدهنية.

حلل الباحثون الترسبات الدهنية التي أزالوها من الشرايين السباتية للمشاركين، وكشفوا عن وجود مواد بلاستيكية نانوية في الترسبات الدهنية لـ 150 مريضاً، بينما لم يجدوا أثراً لها في باقي المرضى.

ولدى متابعة الحالة الصحية للمشاركين مدة 3 سنوات، أصيب 30 فرداً ممن كانت لديهم آثار من المواد البلاستيكية النانوية في أوعيتهم الدموية، بما يسميه الأطباء “حدث نقطة النهاية الأولية”، وهو نوبة قلبية غير مميتة أو سكتة دماغية غير مميتة أو وفاة لأي سبب. في المقابل أصيب 8 أفراد ممن لم تجد آثار للبلاستيك النانوي لديهم بـ “حدث نقطة النهاية الأولية”.

توصل الباحثون إلى أن مرضى القلب الذين لديهم جسيمات بلاستيكية دقيقة ونانوية في الترسبات الدهنية في الأوعية الدموية على جانبي الرقبة، كانوا أكثر عرضة بنحو 4.5 ضعف للإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية، ولخطر الوفاة خلال السنوات الثلاث التالية مقارنة بالأشخاص الذين لديهم جسيمات بلاستيكية نانوية في أوعيتهم الدموية. 

اقترح أستاذ الطب الباطني في جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي الإيطالية (University of Campania Luigi Vanvitelli) ومؤلف الدراسة الرئيسي، الطبيب جوزيبي باوليسو (Giuseppe Paolisso)، أن المواد البلاستيكية الدقيقة والنانوية جعلت تلك الترسبات الدهنية أكثر ضعفاً، أي أنها قد تتحرر من جدار الشريان، وتعوق تدفق الدم في الأوعية الدموية الأصغر حجماً، ما يؤدي إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية. 

وأضاف: “هذا هو أول دليل على أن التلوث باللدائن الدقيقة في الدم مرتبط بمرض ما، لكن ثمة حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد النتائج”.

علاوة على ذلك، وجد الباحثون علامات على الالتهاب في الترسبات الدهنية، بما في ذلك إنترلوكين-18، وإنترلوكين-1 بيتا، وإنترلوكين -6، وكاككتين، حيث يرتبط الالتهاب المنخفض الدرجة بعدد من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

وعلى الرغم مما توصل إليه الباحثون، فإن وجود علاقة بين الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والنانوية والصحة القلبية لا يثبت أنها السبب في زيادة خطر الأمراض القلبية، إذ يحتاج إثبات ذلك إلى تجربة عشوائية يتعرض فيها الأفراد للجزيئات البلاستيكية عمداً، وهذا فعل لا أخلاقي.

ما هي الجسيمات البلاستيكية الدقيقة؟

لا يتحلل البلاستيك ولكنه قد يتجزأ بتأثير الحرارة وأشعة الشمس والرياح إلى جسيمات بلاستيكية دقيقة يقلّ قطرها عن 5 مليمترات، وجسيمات بلاستيكية نانوية يقل قطرها عن ميكرون واحد. تنتج هذه الجسيمات عن المنتجات التي يدخل البلاستيك في تكوينها، بما في ذلك الملابس ومواد التغليف والتعبئة وعبوات المياه والمفروشات والأكياس والألعاب وأدوات التنظيف، وغيرها العديد من المواد. 

كان من المعروف سابقاً بالنسبة للعلماء أنه من الممكن العثور على الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في مياه البحار والمحيطات والمأكولات البحرية. لكن عام 2015، وجد الباحثون جسيمات بلاستيكية دقيقة تطفو في الهواء على سطح إحدى جامعات باريس. واستنتجوا في الدراسة المنشورة في دورية الكيمياء البيئية (Environmental chemistry) أننا لا نتناول المواد البلاستيكية الدقيقة فحسب بل قد نتنفسها أيضاً.

بدأ البحث عن هذه الجزيئات في جسم الإنسان، ووجد الباحثون الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية في المشيمة البشرية وفي الدم وفي القلب وفي الكبد والأمعاء.

ومع ذلك، بقي تأثيرها في الصحة غير معروف، ولكن تبين في الدراسة المنشورة في مجلة المواد الخطرة (Journal of Hazardous Materials) أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تسبب ضرراً للخلايا البشرية في المختبر ضمن المستويات المعروفة التي يتعرض لها الناس عن طريق طعامهم.

لذا كان التحدي الذي يواجه العلماء هو إيجاد صلة بين المواد البلاستيكية الدقيقة وصحة الإنسان.

اقرأ أيضاً: المواد البلاستيكية الدقيقة ترفع خطر الإصابة بمرض باركنسون

آليات محتملة لتأثير الجزيئات البلاستيكية في الصحة

لا يوجد حالياً إجماع علمي حول الآلية التي تؤثّر بها الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والنانوية في الصحة، لكنْ ثمة عدد من النظريات المحتملة:

  • هجرة الجسيمات البلاستيكية عندما يكون قطرها 1/1000 من متوسط عرض شعرة الإنسان إلى مجرى الدم عبر أنسجة الجهاز الهضمي أو الرئتين، ومعه قد تنتشر إلى الخلايا والأعضاء الرئيسية، ما قد يؤدي إلى عرقلة العمليات الخلوية، واختلال عمل الغدد الصماء نتيجة ترسب مواد كيميائية مثل ثنائي الفينول والفثالات.
  • الإجهاد التأكسدي وتلف الأنسجة والالتهابات خلوية، وفقاً للبحث المنشور في مجلة البيئة الدولية (Environment International).
  • حدوث الالتهابات نتيجة استقرار مواد غريبة في النسيج البشري.
  • موت الخلايا البيضاء بسرعة أكبر بثلاث مرات من سرعة موتها الطبيعية عندما تتلامس مع المواد البلاستيكية، وعلى نحو خاص مادة البوليسترين المستخدمة عادة لإنتاج مواد التعبئة والتغليف، وفقاً للباحثة في مجال المواد البلاستيكية الدقيقة في المركز الطبي بجامعة أوتريخت في هولندا نينكي فريسكوب.
  • إلحاق الضرر بهياكل الرئة، حيث وجد البحث المنشور في المجلة الأميركية لطب الجهاز التنفسي والرعاية الحرجة (American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine)، أن الجسيمات البلاستيكية منعت تطور هياكل الرئة المزروعة في المختبر، وتحديداً مادة النايلون. ففي دراسة أجريت على العاملين في معامل النايلون، ونُشِرت في دورية حوليات الطب الباطني (Annals of Internal Medicine)، تبين إصابة الذين تعرضوا لكميات كبيرة من جزيئات النايلون، بتلف واسع النطاق في الرئة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تُثبت مخاطر صحية مرتبطة بالأطعمة الجاهزة لاحتوائها على جزيئات بلاستيكية

معوقات دراسة تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية في الصحة

تواجه دراسة تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية في الصحة العديد من العقبات، بما في ذلك:

تحديد نوع المواد البلاستيكية

يمكن أن تُصنع الجسيمات البلاستيكية من مواد مختلفة، مثل البولي إيثيلين، أو البولي بروبيلين، أو البولي إيثيلين تيريفثاليت، وتتخذ أشكالاً وأحجاماً مختلفة. علاوة على ذلك، يمكن أن تحمل المواد البلاستيكية العديد من المواد المضافة التي تمنحها خصائص محددة مثل المرونة أو مقاومة الاشتعال، والتي قد يتجاوز عددها 10 آلاف مادة كيميائية، يُثير الكثير منها القلق على صحة الإنسان.

لذا يواجه الباحثون التحدي المتمثل في تحديد نوعية المادة البلاستيكية وفصلها عن مزيج متنوع من المواد الكيميائية الأخرى.

يكمن التحدي الآخر في تحديد نوع المواد البلاستيكية ومعرفة عددها، ومدة بقائها في الجسم، وربط ذلك بالأمراض التي تُصيب الإنسان؛ أي ينبغي على العلماء تحديد الآثار الصحية لآلاف المواد الكيميائية المختلفة في النوع والشكل والحجم، بينما تستمر في التراكم في البيئة.

العوامل المتغيرة

 يزداد فهم التأثير المحتمل للمواد البلاستيكية الدقيقة في صحة الإنسان تعقيداً بسبب التحديات التي تفرضها بعض المتغيرات، مثل النظام الغذائي للشخص وسلوكياته وصحته العامة واحتمال تعرضه للضغوطات البيئية المعروفة.

تقنيات الكشف

تحتاج عملية البحث عن المواد البلاستيكية وكشفها في الجسم وتحديد نوعها -خاصة المواد البلاستيكية النانوية- إلى تقنيات عالية التطور لا يزال الباحثون يسعون لتحسينها.

اقرأ ايضاً: دراسة حديثة تُظهر الحجم المروّع للمخلّفات البلاستيكية في مياه البحر المتوسط

تمكنت الدراسة الحديثة من تسليط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية ووضع قيود على استخدام المواد البلاستيكية للحد من تسربها إلى البيئة، حيث قال الأستاذ في جامعة كامبانيا الإيطالية (University of Campania) وأحد المشاركين في الدراسة الطبيب رافاييل مارفيلا: “آمل أن تؤدي الرسالة المثيرة للقلق من دراستنا إلى رفع وعي المواطنين، وخاصة الحكومات، ليصبحوا أخيراً على بينة من أهمية صحة كوكبنا”.