أصبحت السجائر الإلكترونية صيحة جيل الشباب الجديدة، فبدل تدخين السجائر الاعتيادية المصنوعة من لفائف التبغ، صار تدخين السجائر الإلكترونية، التي تحتوي على سائل يبخّره جهاز إلكتروني، شكلاً أحدث و"أقل ضرراً" من التدخين كما تزعم الشركات المنتجة لها، لكن دراسة جديدة من جامعة بريستول لها رأي مخالف بشأن آثار السجائر الإلكترونية، إذ أظهرت ارتباطها بخطر الإصابة بالسرطان.
اقرأ أيضاً: استخدام السجائر الإلكترونية ربما يضر بسلامة القلب
دراسة حديثة تربط بين السجائر الإلكترونية والإصابة بالسرطان
أجرت جامعة بريستول البريطانية بالتشارك مع عدة جامعات أخرى دراسة نُشرت في دورية أبحاث السرطان بتاريخ 10 مارس/آذار 2024، وهي تُظهر مجموعة من التغييرات فوق الجينية (إبيجينية) التي يُعتقد أنها مرتبطة بمخاطر الإصابة بالسرطان على المدى الطويل.
هذه التغييرات هي إضافة زمر كيميائية ميثيلية (CH3-) على الحمض النووي، ما يؤثر على عملية التعبير الجيني في الخلايا. وحتى إن لم تسبب التغيرات تعديلاً على بنية الحمض النووي وتسلسل الشيفرة الوراثية، فهي تؤثر في تفعيل الجينات أو إخمادها، ومن المعروف أن السرطان يحدث حين تُخمَد الجينات التي تكبح السرطان في الجسم أو عندما يزداد التعبير الجيني عن الجينات المحفزة للانقسام وتشكل الأورام إلى حد مفرط.
شملت الدراسة نحو 3,500 عينة من اللعاب وعنق الرحم والدم وبطانة الفم، ودُرِسَ 535 موقعاً مميزاً على الحمض النووي في خلايا بطانة الفم، وأظهرت عدة مواقع منها لدى الخاضعين إلى الدراسة ارتفاعاً في نسبة الزمر الميثيلية في مواقع جينية مرتبطة بتطور سرطان الرئة بشكل مماثل بنسبة 26% مع الأنماط الموجودة لدى مدخني التبغ الذين يُصابون بسرطان الرئة، وتبين أيضاً أن بعض التعديلات على الحمض النووي لدى مدخني السجائر الإلكترونية فقط مرتبطة بحدوث سرطان الرئة وسرطان المريء وسرطان المثانة وسرطان المبيض وسرطان الدم. كل هذه النتائج تشير إلى دور محتمل للسجائر الإلكترونية في تحفيز الإصابة بالسرطان.
اقرأ أيضاً: دراسات علمية: السجائر الإلكترونية تضر القلب وتسبب السكتة الدماغية
هل توفر هذه الدراسة دليلاً قاطعاً على أن السجائر الإلكترونية تسبب الإصابة بالسرطان؟
لا توفر الدراسة من جامعة بريستول دليلاً قاطعاً على أن تدخين السجائر الإلكترونية يسبب السرطان، لكنها تعطي نتائج أولية مهمة تدعو إلى إجراء المزيد من الدراسات المعمقة حول هذا الموضوع، وكشف مخاطر السجائر الإلكترونية على الصحة والإصابة بالسرطان.
ما تقدمه الدراسة يُعدّ برهاناً على أن السجائر الإلكترونية ليست آمنة تماماً على الصحة، وإن كانت تحتوي على مواد خطيرة بتراكيز أقل من سجائر التبغ، وتوصي هذه الدراسة بإجراء المزيد من الأبحاث التي تتحرى الآثار بعيدة المدى للسجائر الإلكترونية على الصحة.
اقرأ أيضاً: تحذيرات متكررة: توقف عن تدخين السجائر الإلكترونية
لماذا لا يمكن البتّ فيما إذا كانت السجائر الإلكترونية آمنة صحياً أو مسببة للسرطان؟
لم تستخدم السجائر الإلكترونية فترة كافية تمكننا من معرفة آثارها الصحية على المدى الطويل، إذ اشتهرت فقط منذ العقد الماضي، وفي الوقت ذاته يستغرق تطور السرطان أعواماً وعقوداً ويتطلب إجراء الكثير من الدراسات التي تُجرى على حيوانات التجارب والعشرات من الدراسات الإحصائية التي تتضمن البشر، لربط مادة معينة بالسرطان، علماً بأن المهنة والغذاء والأدوية والتعرض للأشعة وغيرها الكثير هي عوامل تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
بالإضافة لما سبق، تُعدّ الأبحاث التي تُثبِت ارتباط منتجات تجارية بالسرطان قليلة التمويل، ويحذّر العديد من العلماء والباحثين من نشر أبحاث من هذا النوع لأن الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية أو غيرها من المنتجات التي تكون مخاطرها غير محسومة مستعدة لمقاضاة الباحثين أو الجهات التي تنشر الأبحاث الأولية التي تشير إلى ارتباط إيجابي بين السرطان واستخدام أحد منتجاتها.
لذا، يمكن القول إن الكشف عن خطورة السجائر الإلكترونية مرهون بالزمن والمزيد من الأبحاث عن مضارها، لكن ما نعرفه إلى حد الآن هو أنها أقل خطراً من تدخين سجائر التبغ، ومن المحتمل أن ننتظر عقداً آخر قبل أن تظهر الدراسات الحاسمة حول ارتباطها بالسرطان.
اقرأ أيضاً: هل يجب تجنب جميع منتجات السجائر الإلكترونية؟
من المهم الحذر وعدم الإفراط في تدخين السجائر الإلكترونية والتعامل معها على أنها طريقة بديلة آمنة للتدخين، ومن الضروري عدم تعريض الأطفال خصوصاً للتدخين السلبي الناجم عنها، فآثاره وإن لم تكن واضحة حالياً ستظهر في المستقبل.