ما النظام الغذائي الذي اعتمده الإنسان في العصر البرونزي للحفاظ على صحته؟

ما النظام الغذائي الذي اعتمده الإنسان في العصر البرونزي للحفاظ على صحته؟
صورة لبقايا قدر يعود للعصر البرونزي، وتمثيل فنيّ لما كان عليه منذ آلاف السنين. آي ساينس/ فيلكن وآخرون.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توفّر العظام القديمة للعلماء معلومات مهمة حول شكل أجسام البشر في الماضي، لكن العثور على الأدلة التي تبين ما المواد التي تغذّى عليها البشر في عصور ما قبل التاريخ أصعب قليلاً. يحتاج علماء الآثار عادةً إلى استخدام الأدلة السياقية لاستخلاص الاستنتاجات حول الطعام الذي تناوله البشر، أو العثور بالصدفة على فضلاتهم.

بقايا البروتينات تكشف عن طبيعة الوجبة

مع ذلك، يمكن أن توجد بقايا البروتين والدهون في بعض الأحيان على الفخار القديم أو الأسنان. وجدت دراسة نشرت بتاريخ 18 أغسطس/ آب في مجلة آي ساينس (iScience) أن سكان القوقاز أكلوا الأغنام والغزلان والماعز وأنواعاً من عائلة البقر خلال الفترة التي ازدهرت فيها حضارة مايكوب (قبل نحو 3,700-2,900 سنة قبل الميلاد) في العصر البرونزي. أدّى بعض القدور القديمة التي تعود إلى آلاف السنين والتي وُجدت في المواقع الأثرية في أوراسيا دوراً حاسماً في كشف أنواع الطعام التي تغذّى عليها البشر.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف كيف يتوزع وقت الإنسان بين النوم والعمل والراحة

قالت عالمة الأنثروبولوجيا الحيوية في جامعة زيوريخ والمؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، شيفان فيلكن، في بيان صحفي: “التوصل إلى فكرة أولية عن الأطعمة التي حضّرها البشر في هذه القدور منذ فترة طويلة مثير جداً للحماس. هذه أول أدلة نعثر عليها تبيّن وجود البروتينات المحفوظة لأطعمة وليمة، والقدر الذي درسناه كبير الحجم. من الواضح أن هؤلاء البشر كانوا يحضّرون وجبات كبيرةً، ولم تكن مخصصة لأسر إفرادية”.

مزج الباحثون في الدراسة الجديدة بين طرق تحليل البروتين والمعلومات الأثرية لاكتشاف تفاصيل عن الوجبات التي حُضّرت في القدور القديمة المستخرجة من مواقع الدفن في منطقة القوقاز في أوراسيا. تقع هذه المنطقة بين بحر قزوين والبحر الأسود، وتمتد من جنوب غرب روسيا إلى تركيا.

قال عالم الآثار في معهد تاريخ الثقافة المادية والمؤلف المشارك في الدراسة، فيكتور تريفونوف، في بيان صحفي: “أثبتنا من قبل أن البشر في ذلك الوقت كانوا يشربون مشروباً حسائي القوام على الأرجح، لكننا لم نكتشف ما الوجبات الرئيسية التي كانوا يتناولونها”.

كيف حافظت القدور المعدنية على بقايا الطعام؟

يتمتّع العديد من السبائك المعدنية بخصائص مضادة للميكروبات تساعد على الحفاظ على البروتينات في القدور. يتوقّف نشاط الميكروبات الموجودة في التربة، والتي تحلل عادة البروتينات المتبقية على الأسطح المصنوعة من الحجر أو السيراميك، على السبائك المعدنية.

جمع الفريق 8 عينات من البقايا من 7 قدور معدنية، ونجح الباحثون في استخلاص بروتينات الحليب والأنسجة العضلية والدم منها. يشير وجود بروتين يحمل اسم بروتين الصدمة الحرارية بيتا-1 (آتش إس بي بي-1، HSPB-1) إلى أن القدور المعدنية استُخدمت لطهو أنسجة الغزلان أو الحيوانات البقرية (الأبقار أو الياك أو جاموس الماء). تمكّن الباحثون أيضاً من استخلاص بروتينات الحليب التي قد تعود إلى الماعز أو الأغنام. لذلك، من المرجح أن هؤلاء البشر حضّروا منتجات الحليب أيضاً.

استخدم الباحثون تقنية التأريخ بالكربون المشع، ويعتقدون أن القدور استُخدمت في الفترة ما بين 3,520-3,350 قبل الميلاد.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد دراسة السبات الشتوي للدببة على تحسين صحة الإنسان؟

تظهر على القدور علامات التآكل نتيجة استخدامها، ولكنها تحتوي أيضاً على علامات تبيّن أنها خضعت للكثير من الإصلاح. يشير تخصيص الوقت لإصلاح أدوات المطبخ إلى أن هذه الأدوات كانت قيّمة وأن صنعها تطلَّب مهارة. يمكن أن يشير امتلاك قدور الطهو هذه إلى أن أصحابها أثرياء أو يحتلون مكانة اجتماعية مرموقة.

أهمية دراسة قدور حضارة مايكوب

قال تريفونوف: “حلّلنا عينة صغيرة من السخام وُجدت على سطح القدر. تعد قدور حضارة مايكوب من العصر البرونزي التي تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد عناصر نادرة وباهظة الثمن، وهي أدوات موروثة تمتلكها النخبة الاجتماعية”.

يرغب الفريق في استكشاف الاختلافات والتشابهات بين مجموعة واسعة من أنواع الأواني في الدراسات المستقبلية. يمكن أن يساعدهم ذلك على فهم سلوك البشر في تلك المنطقة والاختلافات في طرق تحضير الطعام بين المناطق المختلفة في ذلك الوقت. المطبخ جزء مهم من الثقافة. لذلك، يمكن أن تساعد هذه الدراسات علماء الآثار على فهم الروابط الثقافية بين البشر من المناطق المختلفة على نحو أعمق.

اقرأ أيضاً: جماجم حجرية مكتشفة حديثاً تكشف عن التزاوج الحاصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال شرق المتوسط

قالت فيلكن: “إذا حُفظت البروتينات في هذه الأواني، فمن المرجّح أنها حُفظت أيضاً في مجموعة واسعة من القطع الأثرية المعدنية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. لا يزال هناك الكثير من المعلومات التي علينا كشفها، لكن الأدلة الجديدة تفتح الباب على مصراعيه للبحث في هذا المجال”.