أصبحت مكملات البروتين جزءاً أساسياً من نمط حياة اللياقة البدنية، فهل يدرك الشباب ممن يمارسون الرياضة مقدار التأثيرات السلبية التي يمكن أن تسببها هذه المكملات، خصوصاً في خصوبتهم؟ على ما يبدو لا. فقد وجدت دراسة منشورة في دورية الطب الحيوي الإنجابي على الإنترنت (Reproductive BioMedicine Online) في يناير/كانون الثاني عام 2024، أن ثمة نقصاً كبيراً في الوعي عند الشباب البالغين في المملكة المتحدة فيما يتعلق بالتأثيرات المحتملة لمكملات البروتين في الخصوبة؛ إذ لم يدرك سوى عدد قليل جداً منهم أن مكملات البروتين التي يتناولونها لزيادة كتلة عضلاتهم قد تشكّل مخاطر محتملة على الصحة الإنجابية. فما تأثير تناول مكملات البروتين في خصوبة الذكور وفقاً لما توصلت إليه الدراسات العلمية حتى الآن؟
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في عصرنا الحالي
مكملات البروتين والصحة الإنجابية للذكور: أدلة متضاربة وخطر خفي
يُعدُّ تأثير مكملات البروتين في خصوبة الرجال مشكلة معقدة وغير مفهومة، ولم تتوصل الدراسات بعد إلى نتيجة نهائية؛ حيث أظهرت بعض الدراسات أن مكملات البروتين، خصوصاً بروتين مصل اللبن، لا تؤثّر سلبياً في خصوبة الرجال، في حين أشارت أخرى إلى وجود تأثير سلبي.
ففي دراسة نُشرت في مجلة طب الأزهر (Al-Azhar Medical Journal) عام 2018، نفّذها فريق من الباحثين بقيادة أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والذكور في كلية طب الأزهر، علي رمضان ربيع، وُجِد أنه لم يكن لمكملات البروتين تأثير سلبي في خصوبة الرجال، لكن وبسبب عدم وجود مجموعة مراقبة، وانخفاض الجرعة المستخدمة من مكملات البروتين، وقصر مدة الدراسة، وصغر العينة، فقد أوصى الباحثون بإجراء المزيد من الدراسات الأكبر، واستخدام أنواع تجارية مختلفة من المكملات الغذائية، ومقارنة الجرعات والمدد المختلفة لفهم النتائج.
كما وجدت دراسة أخرى منشورة في دورية علم السموم الغذائية والكيميائية (Food and Chemical Toxicology) عام 2020، أن الجرعة العالية من مكملات بروتين مصل اللبن لم تؤثّر على نحو كبير في جودة الحيوانات المنوية عند ذكور الفئران وخصوبتها.
في المقابل، أشارت أبحاث أخرى إلى وجود علاقة بين الاثنين؛ إذ وجدت دراسة منشورة في المجلة الآسيوية لطب الذكورة (Asian Journal of Andrology) عام 2019، أن تناول مكملات البروتين المخصصة لكمال الأجسام وتدريبات المقاومة قد تؤثّر سلباً في جودة الحيوانات المنوية عند الرجال الذين يعانون ضعف الخصوبة والذين يخضعون لعلاج الخصوبة. وقد عزا الباحثون هذه النتائج إلى احتواء مكملات البروتين على مكونات محظورة قد تلحق الضرر بالصحة الإنجابية والتفاصيل تالياً.
اقرأ أيضاً: هل مكملات زيت السمك مفيدة حقاً؟
متى يمكن أن تؤثّر مكملات البروتين في خصوبة الذكور؟
إذاً، بناءً على ما سبق وعلى الرغم من عدم التوصل إلى نتيجة حتمية بشأن تأثير مكملات البروتين في خصوبة الذكور، فهذا لا يعني تبرئة سمعتها؛ إذ ينبغي معرفة أن الخطر المتعلق بمساحيق البروتين ليس نتيجة احتوائها على كميات كبيرة من البروتين في معظم الأحوال، وإنما نتيجة احتوائها على العديد من الملوثات التي قد تؤثّر سلباً في خصوبة الذكور.
فالمكملات الغذائية، بما فيها مساحيق البروتين، لا تخضع لتنظيم إدارة الغذاء والدواء أو تُفحَص للتأكد من سلامتها أو فاعليتها، بالإضافة إلى أن بعض قوانين براءات الاختراع قد تحمي منتجات معينة من ضرورة الإفصاح عن مكوناتها كافة، ما قد يزيد احتمالية احتوائها على مكونات ضارة بالخصوبة.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة المذكورة في المقدمة الأستاذ المساعد في معهد أبحاث الاستقلاب والنظم (The Institute of Metabolism And Systems Research) في جامعة بيرمنغهام (Birmingham University) في المملكة المتحدة، موريغ غالاغر (Meurig Gallagher): "إنه ثمة قلق متزايد بشأن الاستخدام المتزايد لمكملات البروتين بالنسبة للتأثير في خصوبة الرجال، ومصدر القلق الرئيسي هو المستويات العالية من هرمون الأستروجين الأنثوي في مكملات بروتين مصل اللبن وفول الصويا".
حيث يمكن لكميات كبيرة من الهرمونات الأنثوية أن تؤثّر في عدد الحيوانات المنوية وجودتها. علاوة على ذلك، وُجِد أيضاً أن بعضاً من مكملات البروتين الموجودة في الأسواق ملوثة بـ "الستيرويدات الابتنائية"، التي يمكن أن تسبب انخفاض عدد الحيوانات المنوية وتقلص حجم الخصيتين وضعف الانتصاب وأضرار أخرى".
والستيرويدات الابتنائية؛ المعروفة أيضاً باسم الستيرويدات الابتنائية الأندروجينية، أو المنشطات البنائية؛ هي مجموعة من المركّبات الكيميائية التي تشمل هرمون التستوستيرون الطبيعي، وبعض المركبات الهرمونية الاصطناعية الأخرى التي لها تركيبات وتأثيرات كيميائية مماثلة لهرمون التستوستيرون في الجسم.
وعلى الرغم من أن الستيرويدات الابتنائية تُستخدم بوصفها أدوية فقط ويُعد استخدامها في تحسين الأداء والقوام أمراً غير قانوني في العديد من البلدان، فإن العديد من الرياضيين ولاعبي كمال الأجسام وبعض مرتادي صالات الألعاب الرياضية يستخدمونها لتحسين مظهرهم الجسدي وتعزيز أدائهم الرياضي؛ إذ تعمل هذه المُركّبات على زيادة كتلة العضلات، وتقليل الدهون، وتسريع عملية الاستشفاء.
لكن استخدامها ينطوي على العديد من الآثار الجانبية الخطيرة، مثل ارتباطها بأمراض القلب، والأوعية الدموية، وتلف الكبد والدماغ، بالإضافة إلى التثدي والعقم. وقد وجدت دراسة سابقة أن 14.8% من أصل 634 مكملاً غذائياً غير هرموني، مصدرها 13 دولة أوروبية والولايات المتحدة الأميركية، تحتوي على منشطات أندروجينية ابتنائية غير مُعلن عنها. ومع ذلك، يتفق الخبراء على أن بعض المصادر أكثر موثوقية من غيرها.
اقرأ أيضاً: للتخسيس أو نمو العضلات: المكملات الغذائية تضر بالكبد وتدمره أحياناً
نقاط يجب أخذها بالاعتبار قبل تناول مكملات البروتين
ثمة العديد من النقاط التي يجب مراعاتها عند استخدام مسحوق البروتين؛ أولها أن مسحوق البروتين هو مكمل غذائي، بالتالي فإن إدارة الغذاء والدواء تترك الأمر للمُصنّعين لتقييم سلامة المنتجات وتحديد مكوناتها؛ فلا توجد طريقة لمعرفة ماهية مكونات مسحوق بروتين على نحو دقيق. بالإضافة إلى ذلك، ما زالت البيانات المتوفرة عن الآثار الجانبية المحتملة لتناول كميات كبيرة من البروتين الناتج عن المكملات الغذائية محدودة.
ومن المعلوم أن الكثير من الأشخاص الذين يرتادون صالات التدريب الرياضي يلجؤون إلى تناول مكملات البروتين نتيجة اعتقادهم أنهم يحتاجون إليها لدعم الصحة والحصول على نتائج جيدة من ممارسة التمارين الرياضية، لكن في الواقع، الحاجة إلى تناول الكثير من البروتين مع التدريبات الرياضية منخفضة جداً، ما يعني أن الحاجة إلى مساحيق البروتين أمر مشكوك فيه.
فالكمية اليومية الموصى بها من البروتين، التي يُعتقد أنها مناسبة لمعظم الأشخاص الأصحاء، تُقدّر بـ 0.8 غرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم؛ بالتالي يحتاج الشخص الذي يزن نحو 80 كيلوغراماً إلى نحو 70 غراماً من البروتين يومياً، لكن بعض الرياضيين الذين يخضعون لتدريبات مكثّفة قد يعززون أداءهم من خلال استهلاك أكثر من ضعف الكمية الموصى بها يومياً، لكن هذا لا ينطبق على الناس جميعهم.
في الواقع، من السهل نسبياً بالنسبة للعديد من الأشخاص الحصول على الكميات الموصى بها من خلال النظام الغذائي المعتاد. وأولئك الأشخاص الذين يتطلعون إلى تعزيز نمو العضلات الذي يحدث مع ممارسة الرياضة، فإن استهلاك 20 إلى 40 غراماً من البروتين في المرة الواحدة، وهو ما يعادل الكمية الموجودة في علبة التونة، يكفي لتحقيق هذا الهدف. أمّا الكميات الأكبر فإنها تسهم ببساطة في زيادة السعرات الحرارية المتناولة، بل ويمكن أن تقلِّل من إمكانية بناء العضلات. لذلك من غير المرجح أن يكون تناول عدة معالق من مسحوق البروتين مرة واحدة أمراً مفيداً.
اقرأ أيضاً: تناول الفواكه والخضروات وممارسة التمارين الرياضية يجعلانك أكثر سعادةً
خلاصة الكلام، ما لم تكن شخصاً بالغاً بشهية محدودة أو تتبع نظاماً غذائياً مقيداً أو كنت رياضياً محترفاً مدرباً، فمن المحتمل أن تتمكن من ضبط النظام الغذائي الخاص بك للحصول على ما تحتاج إليه من البروتين، وتذكر أن البروتين الموجود في الطعام أقل تكلفة وأقل خطورة ويحتوي على عناصر غذائية مفيدة، أمّا في حال لم تكن زيادة البروتين بالطريقة التقليدية خياراً متاحاً، فإن تناول المكملات الغذائية قد يكون خياراً ممكناً ومريحاً، ولكن يُنصح باستشارة الطبيب قبل ذلك.
ومن المهم بالنسبة للرجال، وخصوصاً أولئك الذين يعانون انخفاض جودة السائل المنوي أو يتابعون علاجات الخصوبة، توخي الحذر بشأن اختيار مكملات البروتين، أو التفكير في التوقف عن استخدامها في أثناء الخضوع لعلاجات الخصوبة. وبالطبع، استشارة أخصائي الرعاية الصحية قبل استخدام هذه المكملات.