أطباء وباحثون يعلّقون على دراسة تناولت الصيام المتقطع وكانت نتائجها مفاجئة

حقوق الصورة: shutterstock.com/Creatus

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية

ضجَّت وسائل الإعلام مؤخراً بعدة عناوين رئيسية عن الدراسة التي توصلت إلى أن الصيام المتقطع يزيد خطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 91%. شملت الدراسة المذكورة 20 ألف شخص. فما تفاصيل هذه الدراسة؟ وما تعقيبات المجتمع العلمي عمّا نُشر عنها؟

القصة الحقيقية وراء انتشار دراسة ارتباط الصيام المتقطع بأمراض القلب والوفاة الناتجة عنها

استقت معظم وسائل الإعلام خبرها من ملخص بحث قُدِم يوم الاثنين 18 مارس/آذار في مؤتمر جمعية القلب الأميركية في شيكاغو، لكن لم تُنشر نتائج الدراسة في مجلة خاضعة لمراجعة الأقران.

وشارك الباحثون المشاركون في هذه الدراسة ملخصاً عن دراستهم يضم أبرز النتائج التي توصلوا إليها، ويمكن تلخيص تلك النتائج بما يلي:

لم يرتبط الصيام المتقطع الذي يسمح بنافذة أكل مدة 8 ساعات بالوفيات الناجمة عن السرطان، مقارنة بمدة تناول الطعام التي تتراوح بين 12 و16 ساعة.
ارتبط الصيام المتقطع الذي يسمح بتناول الطعام بنافذة 8 ساعات بشكلٍ وثيق بارتفاع خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى عامة السكان، وكذلك لدى الأشخاص المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان.
ارتبطت مدة نافذة الأكل التي تزيد على 16 ساعة يومياً بانخفاض خطر الوفاة بالسرطان لدى الأشخاص المصابين بالسرطان.
تتطلب هذه النتائج التكرار للتأكد منها، ولكنها لا تدعم الاتباع طويل الأمد للصيام المتقطع الذي يسمح بنافذة 8 ساعات طعام و16 ساعة صيام في اليوم، لا للوقاية من الوفاة القلبية الوعائية ولا لتحسين طول العمر.

تعاون في الدراسة باحثون من عدة جامعات مرموقة مثل جامعة هارفارد وجامعة نورث ويسترن وجامعة ماستشوستس لويل وجامعة شنغهاي جياو تونغ وجامعة ووهان.

وقال فيكتور وينز تشونغ، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة وعالم الأوبئة في كلية الطب بجامعة شنغهاي جياو تونغ في الصين، إن أطول تجربة للصيام المتقطع استمرت عاماً واحداً فقط، وهدفهم في هذه الدراسة هو اكتشاف تأثيرات الصيام المتقطع في الصحة العامة على المدى الطويل.

تفاصيل الدراسة التي ربطت الصيام المتقطع بالوفاة الناجمة عن الأمراض القلبية

يمكن تلخيص أهم تفاصيل الدراسة التي ربطت الصيام المتقطع بخطر الوفاة الناجمة عن الأمراض القلبية بما يلي:

شملت الدراسة أكثر من 20 ألف بالغ من الولايات المتحدة الأميركية.
ضمت الدراسة مجموعات متنوعة من الأشخاص، وكانت متوسطات أعمارهم 49 عاماً، وكان نصف الأشخاص المشمولين بالدراسة من النساء والنصف الآخر من الرجال، وكان منهم أشخاص ذوو أصول إفريقية وإسبانية.
أكمل المشاركون مقابلتين بفارق أقل من أسبوعين، جمع فيها الباحثون بيانات حول الوقت الذي تناول فيه المشاركون الطعام في اليوم السابق.
حسبوا متوسط نافذة الأكل لكل شخص وافترضوا أن هذا هو جدولهم النموذجي لتناول الطعام، ونظروا إلى الأشخاص الذين توفوا لأي سبب من الأسباب، خلال فترة متابعة متوسطة مدتها 8 سنوات وسطياً.
تبين أن هناك مجموعة تناولت الطعام بنافذة استمرت 8 ساعات وعددها 414 شخصاً فقط، ويشبه نمط تغذيتهم الصيام المتقطع من النمط 8/16 أي تناول الطعام ضمن مدة 8 ساعات من اليوم والصيام 16 ساعة الباقية.
كان المشاركون الذين يصومون 16 ساعة يميلون لأن يكونوا أصغر سناً وأقل تعليماً، ولديهم دخل منخفض وفرص أقل للحصول على الغذاء، وكانوا أكثر عرضة للتدخين من المشاركين الآخرين.
ذكر الباحثون أنه خلال تلك الفترة، كان المشاركون الذين قصروا طعامهم على 8 ساعات في اليوم لديهم فرصة أكبر بنسبة 91% للوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية مقارنة بأولئك الذين تناولوا الطعام على مدى 12 إلى 16 ساعة.

وقال الدكتور تشونغ مؤلف الدراسة إن نمط الصيام المتقطع مرتبط مع الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، وليس الصيام المتقطع سبب الوفاة.

قيود الدراسة التي ربطت الصيام المتقطع بالوفاة الناجمة عن الأمراض القلبية

شملت أبرز قيود الدراسة وفق الأطباء والباحثين المآخذ التالية:

عدم خضوع الدراسة لتقييم الأقران ومراجعتهم، إذ يجب أن يخضع كل بحث يُنشر في مجلة علمية مُحكَّمة للنقد والتحقيق من قِبل باحث بدرجة دكتوراة في المجال للتأكد من صحة البيانات التي تقدمها الدراسة، بينما في هذه الحالة لم تخضع الدراسة للتقييم، لذا يُنظر إليها حتى الآن على أنها مشاركة لنتائج قد تكون خاطئة أو بشروط غير معيارية ما لم يتحققوا من ذلك.
استخدم الباحثون في الدراسة تقريرين فقط لتمثيل نمط الأكل النموذجي للأشخاص، ولم يستمروا في تقييم نوع الغذاء ومدى التزام الأشخاص في الحمية أو الصيام المتقطع.
سُئلَ المشاركون عما تناولوه على مدار يومين علماً أن الكثير من الأشخاص الذين تؤخذ الاستبيانات منهم قد تخونهم ذاكرتهم أو يذكروا أموراً غير التي يطبقونها، ولا يُعرف ما إذا كان أولئك الذين أبلغوا عن تقييد تناولهم للطعام مدة 8 ساعات أو أقل استمروا في ذلك خلال فترة الدراسة.
قد تكون مجموعة تناول الطعام بنافذة 8 ساعات ضمَّت العديد من الأشخاص الذين كانوا مشغولين للغاية أو من واجهوا تحديات أخرى أجبرتهم على تفويت وجبات الطعام أو تناول الطعام بشكل متقطع، كالفقر والحاجة وغيرها من العوامل.
يمكن أن تشمل المجموعة التي ركزت الدراسة عليها أشخاصاً كانوا في حالة صحية سيئة كأولئك الذين يعانون اضطرابات الأكل أو المرض الذي يقلل من شهيتهم.
لم تحدد الدراسة السبب أو الآلية التي يُحدِث بها الصيام المتقطع الإصابة بالأمراض القلبية والوفاة، بل اكتفت بالربط الإحصائي.

وقال الدكتور تشونغ إن هناك حاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث لتقييم الآثار الصحية طويلة المدى للصيام المتقطع.

هل يمكن اعتماد هذه الدراسة بشكلٍ موثوق؟

لا يمكن اعتماد هذه الدراسة بشكل موثوق، فهي دراسة رصدية أولية تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية القيام بأبحاث ودراسات رسمية متعمقة حول الآثار بعيدة المدى للصيام المتقطع على الصحة العامة، وبشكلٍ خاص بالنسبة للأشخاص الذين يعانون أمراض القلب والأوعية الدموية.

لذلك قد تكون عناوين مثل “دراسة حديثة وجدت أن الصيام المتقطع يسبب الوفاة الناتجة أمراض القلب” غير دقيقة، فالدراسة الفعلية أظهرت وجود ارتباط ولم تحدد الأسباب ولم تدرس التفاصيل، لكنها نتائجها تؤكد الحاجة إلى القيام بالمزيد من الدراسات.

لذا لا يمكن القول إن الصيام المتقطع يسبب الوفاة، بل يجب الحذر في اتباع الصيام المتقطع بشكلٍ خاص من قِبل الأشخاص الذين لديهم تاريخ للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ريثما تصدر دراسات أكثر تفصيلاً حول ذلك، وقد يكون اتباع نظام غذائي صحي متوازن أفضل طريقة للحفاظ على الصحة والوزن المناسبين.