كيف تساعد دراسة البرص على تطوير علاجات لاضطرابات التوازن والسمع؟

3 دقيقة
تتمتّع زواحف أبو بريص توكاي ببقع برتقالية محمرّة أو سوداء. تستوطن هذه الحيوانات جنوب آسيا وجنوب شرقها، وهي معروفة بأنها تزدهر في الأوساط من صنع الإنسان.

ملخص: تبيّن دراسة جديدة أن زواحف البرص تستخدم جزءاً من الأذن الداخلية يحمل اسم "الجُريب" لتحسس الاهتزازات المنخفضة التردد. يؤدي هذا الجزء دوراً في التوازن، واتضح الآن أنه يمنح البرص حاسة جديدة تؤدي دوراً مكمّلاً لحاسة السمع. يساعد المسار الحسي الجديد هذه الزواحف على تحسّس الاهتزازات التي تنتقل عبر أوساط مثل الأرض والماء، وهو يساعد علماء الأحياء على فهم تطور الأجهزة الحسية لدى الفقاريات، كما أن البحث الجديد يمهّد الطريق لإجراء أبحاث حول العلاقة بين اضطرابات السمع واضطرابات التوازن لدى البشر، وذلك بسبب الارتباط المحتمل بين الإحساس بالتوازن وحاسة السمع.

وفقاً لأدلة جديدة، يبدو أن برص توكاي المرقط الزاهي (Gekko gecko) يتمتّع بموهبة حسية خفية تشبه "الحاسة السادسة". يستطيع هذا الحيوان استخدام جزء من الأذن الداخلية يؤدي دوراً في الحفاظ على التوازن ووضعية الجسم ويحمل اسم "الجُريب" لتحسس الاهتزازات المنخفضة التردد. تؤدي هذه الحاسة المميزة دوراً مكملاً لحاسة السمع الطبيعية لدى برص توكاي وفي الطريقة التي يتحسس وفقها هذا الزاحف العالم حوله. من المحتمل أيضاً أن بعض أنواع الزواحف الأخرى تتمتّع بهذه الحاسة. وصف الباحثون مكتشفاتهم الجديدة في دراسة نشرتها مجلة كارنت بايولوجي (Current Biology) بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع عدة حيوانات السير على الحائط بسهولة؟

تحسس مسارات صوتية تنتقل عبر الأرض أو الماء

قالت عالمة الأحياء في جامعة ميريلاند والمؤلفة المشاركة للدراسة، كاثرين كار، في بيان صحفي: "وفقاً لما لدينا من معلومات، تتحسس الأذن الصوت المحمول بالهواء. لكن المسار السمعي الداخلي القديم الذي اكتشفناه، الذي يرتبط عادة بالتوازن، يساعد زواحف البرص على تحسس الاهتزازات التي تنتقل عبر أوساط مثل الأرض أو الماء. يوجد هذا المسار لدى البرمائيات والأسماك، وأثبتنا الآن أنه موجود لدى السحالي أيضاً. تسلّط نتائجنا الضوء على الأجهزة السمعية التي تطورت من تلك التي نرصدها لدى الأسماك لتصبح مثل التي نرصدها لدى البشر".

زواحف البرص ماهرة في التوازن وتستطيع التشبّث بالجدران باستخدام الشعيرات اللاصقة التي تبطّن أقدامها وأسفل أصابعها. تستفيد هذه الزواحف من الجُريب الذي يتحسس الاهتزازات الخافتة التي يتراوح ترددها بين 50 هرتز و200 هرتز. هذا المجال الترددي أخفض بكثير من المجال الذي تستطيع زواحف البرص تحسسه بآذانها عادة. وفقاً لفريق الدراسة الجديدة، يعني ذلك أن الجريب يؤدي على الأرجح وظيفة منفصلة ولكنها مكمّلة لوظيفة الجهاز السمعي.

راقب الفريق كيف يستجيب الجهاز السمعي لهذه الزواحف لمحفّزات مختلفة في المختبر بهدف فهم هذا المسار الحسي. لاحظ الباحثون أن الجريب يبدو كأنه يسهم في تحسس الأصوات.

على عكس الزواحف الأخرى، تستطيع زواحف البرص سماع الأصوات المحمولة بالهواء، أي تلك التي تنتقل عبر الهواء على شكل موجات صوتية، وليس فقط تحسس اهتزازات هذه الأصوات. قد يساعد تحديد دور الجريب في آلية السمع لدى البرص على التوصل إلى فهم أعمق لآليات التواصل والسلوكيات لدى الحيوانات الأخرى التي اعتقد العلماء سابقاً أن قدرتها على السمع محدودة أكثر.

تواصل من خلال الإشارات الاهتزازية

قال طالب الدراسات العليا السابق في جامعة ميريلاند والمؤلف المشارك للدراسة، داويه هان، في بيان صحفي: "اعتقدنا سابقاً أن الكثير من الثعابين والسحالي 'أخرس' أو 'أصم' بمعنى أنه لا يصدر الأصوات أو يسمعها جيداً. لكن اتضح أن هذه الحيوانات قد تكون قادرة على التواصل من خلال الإشارات الاهتزازية باستخدام المسار الحسي الذي اكتشفناه، ما يغيّر نظرة العلماء إلى قدرة الحيوانات على الإدراك عموماً".

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت البيئة الحضرية على تطور السحالي؟

يساعد هذا المسار الحسي المشترك بين الزواحف المعاصرة علماء الأحياء على فهم تطوّر الأجهزة الحسية لدى الفقاريات. من المرجح أن الانتقال من البيئات المائية إلى البيئات الأرضية انطوى على تغيّرات في آليات السمع لدى الزواحف تتسم بأنها تدريجيّة أكثر وأعقد مما اعتقد العلماء من قبل.

على الرغم من أن النتائج الجديدة لا ترتبط مباشرة بآلية السمع لدى البشر، يعتقد الفريق أن هناك بعض أوجه التشابه.

تقول كار: "عندما تكون في حفلة موسيقية، تكون الأصوات مرتفعة للغاية لدرجة أنك تشعر برأسك وجسمك بالكامل يهتزان في الوسط الذي ينتشر فيه الصوت. أنت قادر على الشعور بالموسيقى وليس فقط سماعها. يشير هذا الشعور إلى أن الجهاز الدهليزي لدى البشر ربما يتعرض للتحفيز خلال هذه الحفلات الصاخبة، ما يعني أنه ربما هناك ارتباط وثيق بين حاسة السمع لدينا وإحساسنا بالتوازن".

يأمل الفريق أن تحفّز النتائج الجديدة إجراء المزيد من الأبحاث حول حاسة السمع لدى الثدييات، خصوصاً في آلية عمل المسار الحسي الجديد. قد يمهّد هذا الارتباط الموثّق بين حاسة السمع والتوازن الطريق لإجراء الأبحاث في مجالات جديدة أيضاً، مثل العلاقة بين اضطرابات السمع واضطرابات التوازن لدى البشر.

قال هان: "لا تنطبق تبعات البحث الجديد على الزواحف فقط؛ إذ إننا نتوصل بينما نكشف هذه الآليات الخفية إلى فهم أغنى وأدق لآلية إدراك الحيوانات لبيئاتها وتفاعلها معها، كما أننا قد نكتسب رؤى ثاقبة جديدة عن تجاربنا الحسية أيضاً".

المحتوى محمي