تُعد الحقن إحدى أفضل الطرائق لتوصيل الدواء بسرعة إلى الجسم، وعلى الرغم من ذلك، فإن تلقي الحقن يُعد تجربة غير مستحبة بالنسبة لكثير من الناس. يعاني 1 من كل 4 بالغين خوفاً شديداً من الحقن، ما يمكن أن يثني الناس عن الحصول على اللقاحات أو العلاجات. في بعض الحالات، مثل حالات مرضى السكري، قد يكون الامتناع عن تلقي جرعات الإنسولين أمراً مهدداً للحياة.
على الرغم من وجود طرائق أخرى لتناول الأدوية، مثل تناولها عن طريق الفم، يمكن أن يكون من الصعب امتصاص الأدوية التي تحتوي على بروتينات أو جزيئات كبيرة بفعالية عن طريق الفم. أو قد تتعرض هذه الأدوية لعملية الهضم في الأمعاء بحيث لا يمكن امتصاصها بصورة فعالة. يتطلع العلماء إلى إيجاد بدائل أقل توغلاً للحقن التي لا تزال تسمح بإيصال الأدوية إلى المكان المطلوب في الجسم.
يقترح أستاذ تركيب الأدوية وإيصالها إلى الجسم في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في مدينة زيوريخ (ETH Zurich) في سويسرا، جان كريستوف لورو (Jean-Christophe Leroux)، إحدى الأفكار المتمثلة في تحويل الدواء القابل للحقن إلى دواء يؤخذ عن طريق الفم؛ إذ يمكن امتصاصه من خلال الغشاء المخاطي الشدقي (buccal mucosa)، وهو بطانة الخد الداخلية. على الرغم من ذلك، فشلت المحاولات البحثية السابقة لاستخدام لصاقات باطن الخد بسبب سطح الفم الرطب، ما يؤدي إلى إضعاف عملية الالتصاق. استوحى لورو وزملاؤه فكرتهم من قدرة الأخطبوط الفعالة على الامتصاص تحت الماء.
اقرأ أيضاً: تقرير جديد من منظمة الصحة العالمية يركّز على تأثيرات ارتفاع ضغط الدم على مستوى العالم
دواء يُؤخذ عن طريق الفم مُستوحىً من الأخطبوط
في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول في مجلة ساينس ترانزليشنال ميديسين (Science Translational Medicine)، عمِل المؤلف الرئيسي للدراسة، لورو وفريقه على محاكاة الماصات الموجودة في نهايات أذرع الأخطبوط. باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد، أنشأ الفريق لصاقة مطاطية وقوية، بحيث تسمح بتوصيل الدواء إلى الجسم عبر باطن الخد. أفاد معظم المشاركين في تجربة بشرية صغيرة أن لصاقة الامتصاص كانت مريحة، كما أعربوا عن تفضيلهم هذه الطريقة على طريقة الحقن باستخدام الإبر.
يقول لورو: "طورنا طريقة بسيطة وسهلة الاستخدام يمكن أن تحل محل الحقن لتوصيل عدة أنواع من الأدوية إلى الجسم".
- اللصاقة الطبية على شكل مصاصة، وهي أصغر بقليل من قطر العملة المعدنية من فئة 1 سنت. المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ
يستخدم الأخطبوط أذرعه التي تحمل هذه الماصّات القابلة للالتصاق للتشبث بالأشياء والثبات في المحيطات المضطربة أو للإمساك بفريسته. يضيف لورو: "كانت نقطة البداية تتمثل في محاكاة عملية الامتصاص القوي التي تتمتع بها هذه المخلوقات للالتصاق بقوة بالأسطح الرطبة".
يتمتع نموذج الفريق القائم على استخدام الماصات ببعض المزايا مقارنة بابتلاع الحبوب. نظراً لأن جهاز توصيل الدواء يوضع في الخد لامتصاص الدواء بمرور الوقت، فمن الممكن إزالة اللصاقة عندما تستدعي الحاجة. تحمي اللصاقة التي تظهر على شكل كوب مقبب الأدوية الموجودة بداخلها من الذوبان في اللعاب.
اقرأ أيضاً: هل تتفوق أجهزة التتبع على الأطباء في مراقبة مرضى باركنسون ؟ بحث جديد يجيب
رفع فعالية امتصاص الأدوية
أظهرت تجربة صغيرة أُجريت على الكلاب امتصاص الأدوية، التي كان يجب إيصالها إلى الجسم عن طريق لصاقة الامتصاص، بفعالية. وضع الفريق اللصاقات المحمّلة بقرص لعلاج مرض السكري يسمى "ديزموبريسين" (desmopressin) داخل أفواه 3 كلاب من نوع البيغل (beagles). يتعذر امتصاص هذا الدواء، الذي يتكون من سلسلة من الأحماض الأمينية (الببتيد)، بفعالية عند تناوله عن طريق الفم. لكن بعد وضع لصاقة الامتصاص، وجد الباحثون تركيزات أعلى من الدواء في أجسام الكلاب. يقول لورو: "أثار مستوى الامتصاص الذي لاحظناه باستخدام هذا الجهاز البسيط إعجابنا بالفعل".
على الرغم من ذلك، عند مقارنة تركيزات الدواء في أجسام الكلاب بعد الحقن المباشر، لم تكن اللصاقات فعالة بالقدر نفسه. لكنّ الجانب الإيجابي هو أن الكلاب بدت أكثر راحة عند استخدام اللصاقة، التي بقيت ملتصقة بخديها مدة 3 ساعات دون أن تسقط أو تسبب تهيجاً.
باطن الخدّ الداخلي كموقع لإيصال الأدوية
يقول الأستاذ في مجال توصيل الأدوية إلى الجسم بطريقة متقدمة في جامعة كوليدج دبلن في أيرلندا، والذي لم يشارك في الدراسة، ديفيد برايدن (David Brayden): "يحقق البحث تقدماً كبيراً في استخدام باطن الخد الداخلي بوصفه موقعاً لإعطاء أدوية الببتيدات". استخدمت المحاولات السابقة لتطبيق الأدوية عبر الخدين جرعات من الجزيئات الصغيرة التي يسهل امتصاصها بدلاً من استخدام الببتيدات الأكبر حجماً. يقول برايدن: "على الرغم من الجهود التي استمرت نحو 20 عاماً، لم تُعتمد أي تركيبة أو جهاز لإعطاء الببتيدات عن طريق الخد".
يبدو أن البشر يستطيعون تحمّل هذه اللصاقات أيضاً دون حدوث تأثيرات جانبية؛ إذ وضع 40 متطوعاً بالغاً لصاقات الامتصاص (المملوءة بالماء، وليس بالأدوية) مدة 30 دقيقة. وأضافوا خيطاً من الخيوط المستخدمة لتنظيف الأسنان إلى اللصاقة وربطوه بملابس الأشخاص لتجنب ابتلاع اللصاقة عن طريق الخطأ. خلال تلك المدة، سار المتطوعون وتحدثوا وغسلوا أفواههم. على الرغم من ذلك، بقيت 35 من أصل 40 لصاقة في مكانها، يقول مؤلفو الدراسة إن اللصاقات التي سقطت ربما وُضعت بطريقة غير صحيحة.
بعد ساعة من تثبيت اللصاقة، قال 75% من الأشخاص إنهم لم يشعروا بأي انزعاج. عند فحص باطن الخدين باستخدام كاميرا الفحص الداخلي بالمنظار، لم يلاحظ الباحثون أي ندبات أو تغيرات في أنسجة الفم. وجد نحو 92% من الأشخاص أن لصاقة الامتصاص مريحة إجمالاً. وقال نحو 83% منهم إنهم إذا اضطروا إلى تناول دواء يومياً، فإنهم يفضلون استخدام اللصاقة بدلاً من تلقي الحقنة.
اقرأ أيضاً: علماء من جامعة الشارقة يقترحون المعالجة اليدوية لآلام الرقبة المزمنة
يقول أستاذ الطب بجامعة تورنتو في كندا، الذي لم يشارك في الدراسة، دانيال دراكر (Daniel Drucker): "تسعى هذه الدراسات المبتكرة إلى تحديد أساليب ومواقع جديدة وفعالة لتوصيل الأدوية إلى الجسم (بأساليب غير فموية)". يشير دراكر أيضاً إلى أن تجارب الكلاب أظهرت أن اللصاقة لا تزال تعاني معدل امتصاص ضعيف للأدوية الببتيدية إجمالاً، لكن نظراً لأن الناس يتحملونها جيداً، فمن الممكن أن تكون أساساً مهماً لتطوير أساليب جديدة لعلاج الأمراض المزمنة في المستقبل.
سيساعد إجراء مزيد من تجارب الأمان والسلامة، مثل وضع الجهاز لفترة تزيد على نصف ساعة، في تحسين فهمنا لمدى تحمل الأشخاص للصاقة. يحتاج الباحثون أيضاً إلى إظهار قدرة المرضى على استخدام اللصاقة لمحاكاة العلاجات اليومية أو الأسبوعية. بمجرد الانتهاء من تجارب السلامة والأمان، ستكون المرحلة التالية هي اختبار فعالية اللصاقة المملوءة بالأدوية لدى الأشخاص لتقييم مدى فعاليتها مقارنة بامتصاص الحبوب والأقراص.
يقول لورو: "إذا سارت الأمور على ما يرام، فمن المحتمل أن يكون هذا النظام متاحاً أمام الناس خلال سنوات قليلة، أو ربما في وقت أقرب؛ إذ إنه من الممكن تسريع عملية تطوير النظام وتوفيره بسبب بساطة التكنولوجيا المستخدمة والقدرة على استخدام الأدوية الموافق عليها بالفعل".