باحثون يحددون المسارات العصبية التي تُشعرنا بالشبع ما يساعد على تطوير أدوية فعّالة للسمنة

3 دقيقة
باحثون يحددون المسارات العصبية التي تُشعرنا بالشبع ما يساعد على تطوير أدوية فعّالة للسمنة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Tero Vesalainen
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشف باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أدلة لدى الفئران على أن أدمغتنا تعتمد على مسارين منفصلين لتنظيم إحساسنا بالامتلاء والشبع، أحدهما ينشأ من الأمعاء والآخر من الخلايا الموجودة في الفم والتي تُتيح لنا اختبار النكهات، ما قد يُجيب عن سؤال “ما الذي يدفعنا للتوقف عن الأكل؟”، وبالتالي المساعدة على تطوير أدوية مضادة للسمنة بشكلٍ أفضل.

الشعور بالشبع يحكمه مساران عصبيان

من المعروف أن جذع الدماغ (الجزء السفلي من الدماغ) يتحكم في العديد من وظائف الجسم اللاواعية، ومنها التحكم في الامتلاء والشبع، حيث تستجيب الخلايا العصبية هناك للإشارات الصادرة عن المعدة والأمعاء في أثناء انتقال الطعام من الفم عبر الجهاز الهضمي، ما يؤدي إلى تحفيز الشعور بالشبع. لكن العلماء لم يتمكنوا من دراسة هذه العملية بشكلٍ مباشر حتى الآن، وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في دورية نيتشر زاكاري نايت، وهو أستاذ علم وظائف الأعضاء في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في معهد كافلي لعلم الأعصاب الأساسي، حيث تمكن بمساعدة فريقه من تصوير عمل الخلايا العصبية المرتبطة بالشبع وتسجيلها مباشرة في جذع دماغ الفئران في أثناء تناول الطعام، ما يمكن أن يوفّر رؤية جديدة لسلوكيات واضطرابات الأكل لدى البشر.

راقب الباحثون في الدراسة الخلايا العصبية في أثناء تناول الحيوان الطعام أول مرة، ووجدوا أن العديد من هذه الخلايا تستجيب لإشارات مختلفة وتتحكم في التغذية بطرق تختلف عمّا كان معروفاً سابقاً. وقد ركّز الفريق على نوعين من الخلايا العصبية في جذع الدماغ يعتقد أنها تنظّم الشعور بالشبع؛ وهما الخلايا العصبية التي تتحكم في إفراز هرمون البرولاكتين (PRLH) والتي رُبِطت بالعديد من الوظائف، بما في ذلك تثبيط سلوك التغذية، وخلايا عصبية تُسمَّى GCG وتنتج الببتيد 1 الشبيه بالغلوكاجون، وهو الهرمون المثبط للشهية الذي يُستفاد من آلية عمله لإنتاج أدوية إنقاص الوزن الشائعة حديثاً.

اقرأ أيضاً: هل تتغير عاداتك الغذائية حسب الفصول؟ إليك السبب وفق دراسة حديثة

تجربتان مختلفتان أثبتتا علاقة التذوق واللسان بالشبع 

أجرى الباحثون تجربتين مختلفتين، في البداية أوصلوا الطعام إلى معدة الفئران المخدّرة مباشرة، ووجدوا أن كلا نوعي الخلايا العصبية يُنشط استجابةً لامتلاء المعدة. لكن ذلك يحدث دون شعور من الفئران إطلاقاً، ولا يحدث في الحياة الواقعية.

ولكن عندما تناولت الفئران طعامها بالطريقة الطبيعية، اختفت هذه الإشارات المعوية. وبدلاً من ذلك، نُشِّطت الخلايا العصبية PRLH على الفور عن طريق إشارات من الفم، وبالتحديد من الأجزاء المسؤولة عن التذوق. وبعد دقائق، نُشِّطت الخلايا العصبية GCG بواسطة إشارات الأمعاء.

التقط الباحثون هذه الإشارات بواسطة تقنية لتسجيل الإشارات من الخلايا العصبية المفردة في الخلايا العصبية المركزية في الدماغ عندما تكون الفئران مستيقظة، ثم أطعموا الحيوانات أنواعاً مختلفة من الطعام الصلب والسائل (الدهون والسكر والمحليات الخالية من السعرات الحرارية والماء) لمعرفة كيف ومتى استجابت كل مجموعة من الخلايا العصبية.

أثارت المواد الغذائية نشاط خلايا PRLH في غضون ثوانٍ، لكن ذلك لم يحدث مع الماء، ما يدل على أن هذه الاستجابة تشير إلى أن التذوق هو عامل حاسم ينشّط الخلايا في أثناء التغذية، وأظهرت الفئران المعدّلة وراثياً التي تفتقر إلى وظائف التذوق الطبيعية انخفاضاً في تنشيط هذه الخلايا العصبية.

استنتج الباحثون من هذه الدراسة وجود مسارين متوازيين يولّدان الشعور بالشبع في جذع الدماغ، أحدهما يعمل بسرعات مختلفة ولأغراض مختلفة قليلاً. فقد قال نايت: “لقد وجدنا أن المسار الأول -الذي يتحكم في سرعة تناول الطعام ويتضمن الخلايا العصبية PRLH- يُنشط بشكلٍ غير متوقع عن طريق مذاق الطعام. كان هذا مفاجئاً، لأننا نعلم جميعاً أن الطعام اللذيذ يجعلنا نأكل أكثر. لكن النتائج التي توصلنا إليها تكشف أن مذاق الطعام يعمل أيضاً على الحد من وتيرة الابتلاع، من خلال مسار جذع الدماغ”.

كما يشير نايت إلى أن المسار الثاني، الذي تحكمه القناة الهضمية والخلايا العصبية GCG يتحكم في مقدار ما نأكله وسرعة شعورنا بالشبع في النهاية، خاصة عند تناول طعام غني بالسعرات الحرارية

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر اضطراب فقدان الشهية العصبي على وظائف الدماغ؟

نتائج تفتح أبواباً كثيرة أمام دراسة عملية الشبع وابتكار أدوية للسمنة

يؤكد الباحثون على وجود مناطق وخلايا دماغية أخرى يُحتمل أنها تسهم في هذه السلوكيات، ومن غير الواضح كيف تتلقى الخلايا العصبية PRLH المعلومات من الفم، وكيف توازن المعلومات من الفم والمعدة، وكيف يمكن تنظيمها ثانية تلو الأخرى، وهو ما يفتح أبواباً نحو وجوب إجراء المزيد من الدراسات. 

وللتأكد من أن عملية الشبع لدى البشر تخضع للمسارات ذاتها يجب إعادة التجارب على البشر، لكن تعد هذه الدراسة خطوة أولى مهمة لإيجاد علاجات جديدة وفعالة للحد من السمنة عبر إرسال إشارات للدماغ تشير إلى الامتلاء. إذ يقول نايت “إذا تمكنا من معرفة كيفية عمل هذا الترشيح الحسي وإيقافه بحيث تستجيب الخلايا العصبية لـ PRLH لإشارات الأمعاء أثناء الابتلاع الطبيعي، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تثبيط قوي لتناول الطعام ويمكن أن يكون استراتيجية جديدة لعلاج السمنة”.

اقرأ أيضاً: دراسة سعودية تُنشر لأول مرة حول أسباب فشل جراحة إنقاص الوزن

ابتكر الباحثون سابقاً العديد من أدوية السمنة المعتمدة حالياً لتحفيز فقدان الوزن، وهي تعمل على إحداث تغيرات فيزيولوجية في الجسم، مثل إبطاء عملية الهضم، ويعتقد أنها تؤثّر في الإحساس بالامتلاء عبر الدماغ. ومن المفترض أن تسمح تقنية التصوير الجديدة هذه للعلماء بدراسة كيفية عمل هذه الأدوية عن قرب بشكلٍ أفضل، وهو أمر يخطط الفريق بالفعل للقيام به مستقبلاً.