كشفت دراسة جديدة أجراها فريقٌ من الباحثين في أبريل/نيسان 2024، ونُشِرت في مجلة الدماغ والسلوك (Brain and Behavior)، أن إدراك الناس للوقت يكون أبطأ عندما يمارسون الرياضة مقارنة بوقت الراحة أو بعد الانتهاء من التمرين.
كيف يدرك الرياضيون الوقت؟
أجرى الباحثون الدراسة على 33 مشاركاً بالغاً يتمتّعون بمستويات جيدة ومتوسطة وعالية من النشاط البدني والصحة الجيدة واللياقة البدنية، وممن لم يحترفوا رياضة ركوب الدراجات.
شارك البالغون في سلسلة تجارب ركوب دراجات في بيئات افتراضية مضبوطة، تحاكي سباقاً بطول 4 كيلومترات في كل مرة.
صُمِمت البيئات بحيث تكون جذابة ومليئة بالتحديات بالنسبة للمشاركين، بما في ذلك وجود منافسين افتراضيين لدراسة تأثير الديناميكيات الاجتماعية، أي دور العوامل الاجتماعية في التأثير في تجربة إدراك المشاركين للوقت في أثناء التمرين.
اختبر الباحثون إدراك المشاركين للوقت على 3 فترات زمنية، حيث طلبوا منهم تحديد الوقت الذي يعتقدون فيه أن فترة زمنية تبلغ 30 أو 60 ثانية قد مرت، وذلك قبل التمرين، ثم على مسافة 500 متر، و1500 متر و2500 متر، ثم بعد دقيقتين من إكمال التجربة.
اقرأ أيضاً: لماذا يمتلك بعض كبار السن ذاكرة خارقة وقدرات معرفية فريدة؟
خلال وقت الراحة، اعتقد المشاركون أن الـ 30 ثانية كانت أسرع منها على أرض الواقع؛ أي بدا الوقت سريعاً. أمّا خلال التمرين، فشعروا بأن الـ 30 ثانية على الدراجة أطول بنحو 8% في المتوسط من الوقت الفعلي.
على وجه العموم، أشارت النتائج جميعها إلى أن إحساس المشاركين بالوقت كان أبطأ في أثناء نشاطهم البدني مقارنة بالفترة التي سبقت ممارسة الرياضة وبعدها. بعبارة أخرى، بدت فترات النشاط البدني أطول مما كانت عليه في الواقع، وذلك بغض النظر عن وجود منافسين افتراضيين.
علاوة على ذلك، لم يجد الباحثون علاقة بين معدل الجهد المبذول (RPE) وإدراك الوقت، أي أن شدة التمرين لا تُغيّر إدراكنا للوقت، وهو ما قد يكون لافتاً للانتباه لأنه يتعارض مع المفهوم الشائع بأن التمارين ذات الكثافة والمجهود العالي هي التي تؤثّر في إحساسنا بالوقت فقط.
لماذا يمر الوقت ببطء أكبر عند ممارسة الرياضة؟
لم يحدد الباحثون الآلية الدقيقة لتباطؤ إدراكنا للوقت خلال ممارسة التمارين الرياضية، مقارنة بالوقت الفعلي، لكنهم اقترحوا نظرية تتعلق بالاستثارة الجسدية وزيادة الوعي.
عندما يمارس الفرد تمريناً أو يستشعر الخطر، تصبح حواسه أكثر حدّة وقوة بتأثير زيادة الاستثارة، فيبدأ بملاحظة المزيد من الأشياء والأحداث في كل وحدة زمنية، ويعالج معلومات أكثر. ونتيجة لذلك، فإنه يميلُ إلى الشعور بأن الوقت يتحرك بشكلٍ أبطأ في أثناء التمرين، كما لو أن ساعتنا الداخلية تعمل بوتيرة مختلفة عن الساعة الموجودة على الحائط.
يقترح طبيب الأعصاب الذي لم يشارك في الدراسة، أدريان بيجان (Adrian Bejan)، أن بطء وقت المعالجة يؤدي إلى تراجع الإدراك البصري (عدد اللقطات في الثانية)، أي يمر وقت فعلي أكبر بين إدراك كل صورة ذهنية جديدة، وهذا يؤدي إلى مرور الوقت بسرعة أكبر.
اقرأ أيضاً: لماذا يشعر مدمنو المخدرات بمرور الوقت ببطء؟
الفوائد المحتملة لفهم تأثير التمرين في إدراك الوقت
وفقاً لقائد الدراسة ورئيس كلية علم النفس وعلوم الحياة في جامعة كانتربري كرايست تشيرش في المملكة المتحدة (Canterbury Christ Church University)، الطبيب أندرو إدواردز (Andrew Edwards)، من الفوائد المترتبة على هذه الدراسة:
- الاستمتاع بالتمرين: بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في الضغط على زر الإيقاف أو إبطاء وتيرة حياتهم المتسارعة، قد تدفعهم هذه النتيجة إلى ممارسة المزيد من التمارين الرياضية لتعزيز مستويات الاستمتاع.
- تعزيز الخيارات الصحية: من الممكن التلاعب بإدراك الوقت لجعل التدريبات تبدو أقل عبئاً أو طويلة، وبما يشجّع المزيد من الأشخاص على المشاركة في نشاط بدني منتظم، وبذل جهد أكبر والالتزام بروتين النشاط الرياضي.
- تحسين الأداء: يمكن للرياضيين المحترفين استخدام هذه المعرفة في تصميم تجارب التمارين لتكون أكثر متعة وفاعلية، واستخدام الإحساس المتغير بالوقت لتحسين الأداء والتحفيز خلال الأحداث التنافسية. على سبيل المثال، قد تبدو 3 دقائق من تمارين رفع الأثقال أطول مما هي عليه في الواقع، فإذا أدرك الرياضي أن إحساسه البطيء بالوقت ليس حقيقياً، قد يتحسن أداؤه.
قال إدواردز: "تتمثل المحاور الرئيسية للعمل في معرفة كيف يمكننا تحفيز الأشخاص على ممارسة التمارين الرياضية، وتجنب وتخفيف الارتباطات السلبية مع الوقت الذي يبدو وكأنه يتحرك ببطء، وربما معرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدام هذا التباطؤ الواضح للوقت لصالحنا".
اقرأ أيضاً: دراسات جديدة تبين الأهمية الكبيرة لهذه المنطقة من دماغ الإنسان
قيود الدراسة
على الرغم مما تقدمه هذه الدراسة من رؤى قيّمة، فإنها تأتي مع تحذيرات:
- حجم العينة الصغير: شملت الدراسة عينة صغيرة مكونة من 33 مشاركاً فقط، أي أنها لا تمثّل ما يكفي من الفئات والمجموعات السكانية.
- نوعية المشاركين: كان المشاركون في حالة بدنية جيدة، لذا قد لا تنطبق نتائج الدراسة على الأشخاص الأقل لياقة، أو الذين لا يمارسون التمارين الرياضية بانتظام.
بعبارة أخرى، لا تنطبق نتائج الدراسة على الجميع؛ حيث يمكن أن تؤدي مستويات اللياقة البدنية والظروف الصحية المختلفة إلى تأثيرات مختلفة، لكنها سلّطت الضوء على العلاقة بين الوقت وممارسة التمارين الرياضية.