دراسة: الروابط الاجتماعية عند قرود الرّيص تزيد البكتيريا المعوية المفيدة لديها

دراسة: الروابط الاجتماعية عند قرود الرّيص تزيد البكتيريا المعوية المفيدة لديها
قرود الريص في جزيرة كايو سانتياغو قبالة سواحل بورتو ريكو. لورين برينت
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كما قالت المغنية الشهيرة باربرا سترايساند منذ زمن: “الأشخاص الذين يحتاجون الآخرين هم الأكثر حظاً في العالم”. اتضح أن القرود تحتاج أيضاً إلى الروابط الاجتماعية المتينة، وأن هذه الروابط يمكن أن تؤثر على أصغر الأجزاء في أجسامها.

علاقة الروابط الاجتماعية والمكروبات المعوية

وفقاً لدراسة جديدة نُشرت بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في مجلة تطورات في مجال علم الأحياء الدقيقة، يمكن أن تزيد متانة الروابط الاجتماعية عند أحد أنواع الرئيسيات القريبة من البشر، وهو قرود الريص (أو المكاك الريسوسي) من كمية المكروبات المعوية.

يشبه ميكروبيوم الأمعاء مدينة مكتظّة داخل المعدة، ولكن بدلاً من الأشخاص والدراجات الهوائية والحيوانات الأليفة، فهو يحتوي على تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات وغيرها، والتي تعيش وتؤدي وظائفها معاً.

اقرأ أيضاً: دراسة: متوسط عمر النحل يتراجع والسبب قد يكون جينياً

قالت الباحثة المشاركة في قسمي علم النفس التجريبي والطب النفسي في جامعة أكسفورد وواحدة من مؤلفي الدراسة الجديدة، كاترينا جونسون (Katerina Johnson)، في بيان صحفي: “تبيّن دراستنا أن القرود الأكثر اجتماعية تتمتع بوفرة أكبر من البكتيريا المعوية المفيدة وتحتوي أجسامها على كمية أقل من البكتيريا التي قد تتسبب بالأمراض”.

تعيش القرود التي تمت دراستها في هذا البحث في جزيرة كايو سانتياغو قبالة الساحل الشرقي لبورتو ريكو. عاشت قرود المكاك في الأصل بقارتي إفريقيا وآسيا، ولكن تم نقل جماعة من قرود الريص تضم 409 قرود من الهند إلى هذه الجزيرة في عام 1938. يعيش حالياً أكثر من 1000 قرد على هذه الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها نحو 14 ألف متر مربّع فقط، حيث يمكنها التحرك والبحث عن الطعام بحرية، لكن يتم تكميل النظام الغذائي الذي تتبعه هذه القرود يومياً بكميات من طعام القرود.

انقسمت جماعة القرود إلى عدة مجموعات اجتماعية، والتي يجري عليها الباحثون دراسات سلوكية بشكل سنوي.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: أعداد الحيوانات تزداد عند عيشها بالقرب من البشر

دراسة الروابط الاجتماعية عند قرود الريص

بالنسبة للدراسة الجديدة، ركّز الفريق على مجموعة واحدة من قرود الريص تضم 22 ذكراً و16 أنثى، وتراوحت أعمار الأفراد بين 6 أعوام و20 عاماً. جمّع الباحثون 50 عينة براز غير ملوثة من هذه المجموعة بين عامي 2012 و2013. لقياس متانة الروابط الاجتماعية بين قرود هذه المجموعة، وثّق الفريق المدة التي تقضيها القرود في تنظيف بعضها وعدد القرود التي تمارس هذا النشاط مع بعضها.

Monkeys with close friends have friendlier gut bacteria
مجموعة من قرود الريص في جزيرة كايو سانتياغو تنظّف بعضها. المصدر: لورين برينت.

قالت الباحثة في معهد العلوم المعرفية في جامعة كولورادو بولدر الأميركية والمؤلفة المشاركة في الدراسة كارلي واتسون (Karli Watson)، في بيان صحفي: “قرود المكاك هي حيوانات اجتماعية للغاية، والتنظيف هو الطريقة الأساسية التي تتبعها في تكوين العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها. لذا، يمثّل هذا السلوك مؤشراً ملائماً على التفاعلات الاجتماعية”.

حلل فريق المؤلفين الحمض النووي من براز القرود لقياس التركيب الكيميائي لمجتمعات الميكروبات المعوية وتنوّعها، ثم قارنوه بمتانة الروابط الاجتماعية بين القرود بأخذ عوامل مثل عمر القرود وجنسها وموقعها في تراتبية المجموعة والموسم من السنة بعين الاعتبار.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف عن كيفية استخدام نقار الخشب للنقر للتواصل

قال الأستاذ في قسم الطب النفسي في جامعة أكسفورد والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، فيليب بورنيت (Philip Burnet)، في بيان صحفي: “ارتبط الانخراط في التفاعلات الاجتماعية بوفرة أنواع محددة من المكروبات المعوية التي تؤدي أدواراً مناعية مهمة، كما ارتبط بانخفاض كمية المكروبات التي قد تتسبب بالأمراض”.

نتائج الدراسة

لاحظ الباحثون أن نوعي البكتيريا فيكاليباكتيريوم وبريفوتيلا هما الأكثر وفرة في معظم القرود الاجتماعية في المجموعة المدروسة. في الوقت نفسه، وجد الباحثون أن المكوّرة العقدية، وهو جنس من البكتيريا يمكن أن يتسبب في التهاب الحلق العقدي والالتهاب الرئوي لدى البشر، كانت أكثر وفرة في القرود الأقل اجتماعية.

قالت جونسون: “من المذهل بشكل خاص أننا لاحظنا وجود ارتباط كبير بين وفرة بكتيريا فيكاليباكتيريوم المعوية ومدى اجتماعيّة القرود. من المعروف أن هذا النوع من البكتيريا يمتلك خواص مضادة للالتهابات، كما أنه يرتبط بالصحة الجيدة”.

على الرغم من وجود علاقة ارتباط بين متانة الروابط الاجتماعية بين القرود والتركيب الكيميائي لميكروبيوم الأمعاء لديها، فهذا لا يعني أن هذه العلاقة سببية.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تشير إلى إمكانية انتقال مرض الهزال المزمن إلى البشر لكن العديد من الباحثين يشككون بنتائجها

قالت جونسون: “قد تنتج العلاقة بين السلوك الاجتماعي ووفرة المكروبات عن انتقال المكروبات بين الأفراد من خلال تنظيف بعضها مثلاً، كما أنها قد تنتج عن أثر غير مباشر؛ إذ إن القرود التي لديها عدد أقل من الأصدقاء قد تعاني من التوتر بشكل أكبر، ما قد يؤثر في وفرة هذه المكروبات، بالإضافة إلى أننا نعلم أن السلوك يؤثر في تركيب الميكروبيوم، نعلم أيضاً أن هذه العلاقة تبادلية، أي أن تركيب الميكروبيوم يمكن أن يؤثر بدوره في الدماغ والسلوك”.

حتى لو لم يقتضِ ازدياد متانة الروابط الاجتماعية تحسن صحة الميكروبيوم دائماً، تعتبر الدراسات مثل الدراسة الجديدة ضرورية في فهم الطريقة التي تؤثر فيها العلاقات الاجتماعية وتأثيرات العالم الخارجي في الجسم، حتى على الكائنات الصغيرة مثل المكروبات.

قال الأستاذ في قسم علم النفس التجريبي في جامعة أكسفورد، روبن دنبار (Robin Dunbar)، في بيان صحفي: “نظراً لأن مجتمعنا يعتمد بشكل متزايد على التفاعلات عبر الإنترنت بدلاً من التفاعلات الواقعية، تؤكد نتائج البحث المهمة حقيقة أننا كقرود، تطوّرنا ليس فقط في عالم اجتماعي ولكن في عالم ميكروبي أيضاً”.