يعتبر متعدد الإيثيلين أحد أكثر أنواع البلاستيك شيوعاً في العالم، وهو يوجد في القوارير ومواد التغليف البلاستيكية. لكنه يعتبر أيضاً من أكثر المواد التي يستغرق تحللها الوقت. يستغرق التحلل الكامل لمتعدد الإيثيلين مئات السنين. حاول العلماء حل هذه المشكلة لفترة طويلة، وذلك لأن النفايات التي تحتوي على هذا النوع من البلاستيك تملأ مكبات النفايات وتلوّث الشواطئ والمحيطات.
تحويل متعدد الإيثيلين إلى البروبيلين
يتمثّل أحد أهم الأسباب التي تجعل تحلل هذا البلاستيك صعباً في إحدى سمات بنيته الجزيئية. يحتوي متعدد الإيثيلين على سلاسل كربونية غير تفاعلية، وهي تتألف من روابط تساهمية تربط الذرات ببعضها بإحكام لدرجة أنها تتطلب قدراً كبيراً من القوة والطاقة لفصلها. مع ذلك، حاول العلماء بجهد إيجاد طريقة لتحليل متعدد الإيثيلين. اقترح الباحثون في دراسة جديدة نشرت بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة ساينس طريقة لتحويل متعدد الإيثيلين بفاعلية إلى البروبيلين، وهي مادة كيميائية يعتبر استخدامها أكثر سهولة في التفاعلات الكيميائية.
اقرأ أيضاً: باحثون يطورون مادة أقوى من الفولاذ بمرتين وأخف من البلاستيك
تقول سوزانا سكوت (Susannah Scott)، أستاذة الكيمياء في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، والمؤلفة في دراسة جديدة أخرى استخدمت تقنية مماثلة لتحقيق نفس الهدف إن تحويل متعدد الإيثيلين إلى بوليمرات قابلة للاستخدام يمكن أن يساعد في زيادة قيمة البلاستيك ويوفر بديلاً للتخلص منه كنفايات. وصفت سكوت وزملاؤها في هذه الدراسة غير المطبوعة بعد والتي نشرت بتاريخ 27 سبتمبر/ أيلول 2022 مقاربة قامت فيها بإزالة الهيدروجين من سلاسل متعدد الإيثيلين، ما تسبب بتشكّل روابط تفاعلية يسهل فصلها.
استُخدم متعدد الإيثيلين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن احتاج العلماء إلى 20 عاماً لتحسين خواصه وجعله أكثر متانة وصلابة ومقاومة للحرارة. حالياً، تعتبر الروابط بين ذرات الكربون وذرات الهيدروجين والكربون الموجودة في هذا المركب غير قابلة للفصل تقريباً، ما ساعد المهندسين على تصميم العديد من أنواع المواد البلاستيكية من قوارير الماء إلى مواد عزل الأكبال. مع ذلك، هذه الروابط الكيميائية هي التي تجعل تحلل متعدد الإيثيلين صعباً دون استهلاك كمية كبيرة من الطاقة.
لماذا يصعب تفكك متعدد الإيثيلين؟
يتطلّب فصل الروابط الأحادية بين ذرات الكربون في متعدد الإيثيلين رفع درجة حرارة هذا المركب في ظروف خاصة خالية من الأوكسجين، أو باستخدام الوسائط وإضافة الهيدروجين. مع ذلك، لا يمكن فصل الروابط غير التفاعلية بشكل كامل بتطبيق هذه الطرق. حاول جون هارتويغ (John Hartwig)، أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة ساينس فصل سلاسل الكربون من خلال إضافة روابط أكثر تفاعلية بين كل زوج من ذرات الكربون.
تتشكل هذه الروابط، والمعروفة باسم الروابط المزدوجة، عندما تتشارك الذرات زوجين من الإلكترونات. على الرغم من أن الرابطة المزدوجة أقوى من الرابطة الأحادية، فإنها أقل استقراراً، ما يجعل فصلها أكثر سهولة. أزالت سكوت وفريقها الهيدروجين من السلاسل الكربونية بشكل تدريجي من السلاسل الأطول إلى الأقصر، ما تسبب في تشكّل روابط قصيرة أكثر تفاعلية. وعند فصل الروابط المزدوجة، نتجت مواد تحتوي على روابط تفاعلية، ما سمح للعلماء بتركيب مواد قابلة للاستخدام مرة أخرى من الأجزاء المفصولة. قام العلماء بعد ذلك بربط القطع الصغيرة معاً بترتيب مختلف لتركيب البروبيلين.
اقرأ أيضاً: المواد الصناعية تضاهي كافة مكونات الطبيعة في الوزن
بلغت نسبة هذا البوليمير في النتائج النهائية لهذه العملية نحو 80%. ويقول هارتويغ: "أنتجت الطرق الأخرى مزيجاً من المواد المختلفة"، والتي قد تستخدم في بعض الظروف الخاصة فقط. يضيف هارتويغ قائلاً إن تركيب البروبيلين ضروري لأن الطلب عليه مرتفع للغاية. يعتبر البروبيلين مادة أساسية في تركيب العديد من المواد الكيميائية الأخرى التي تستخدم في عمليات تصنيع الكحول المحمِّر والبوليسترات.
يقول مهدي أبو عمر (Mahdi Abu-Omar)، أستاذ الكيمياء الخضراء في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن إنتاج هذه الكمية الكبيرة من البروبيلين "مثير للغاية"، وذلك لأنه في المنتج النهائي، تشكّل ذرات الكربون التي تعتبر من النفايات ثلثي عدد الذرات الكلية.
اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون قوةً أساسيةً خامسةً في الطبيعة
بلغت نسبة البروبيلين في المنتج النهائي للتفاعلات التي أجرتها سكوت وزملاؤها 94%. وتقول سكوت إنه على الرغم من أن الطريقة التي اتبعتها في دراستها مشابهة لتلك التي اتبعها الباحثون في الدراسة التي نشرت في مجلة ساينس، فإنها أكثر سلاسة وتتطلب استخدام كمية أقل من مادة تحمل اسم الإيثيلين. ويعود ذلك إلى أن سكوت وزملاءها قاموا بإضافة الإيثيلين بشكل مستمر مع إزالة البروبيلين فور تشكّله. تقول سكوت: "نطلق على هذه العملية اسم الاستدارة، وهي تتضمن تفكيك البوليمر وتجميع القطع مع بعضها مجدداً بطريقة مختلفة لتشكيل بوليمر جديد منها".
تنتمي هاتان الدراستان إلى مجموعة من الأبحاث السابقة التي هدفت لتفكيك متعدد الإيثيلين. اقترح الباحثون في دراسة نشرت في عام 2020 نموذجاً لتفاعل عضوي يمكن وفقه إضافة الروابط الكربونية المزدوجة لمتعدد الإيثيلين باستخدام وسيط معدني بهدف تسريع العملية.
على الرغم من أن متعدد الإيثيلين ليس ساماً، فإنه يمكن أن يتفاعل مع الجزيئات الأخرى التي قد تكون سامة والتي قد تلوّث المواد البلاستيكية. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتفكك متعدد الإيثيلين في البيئة، يمكن أن تتناول الحيوانات بعض الأجزاء الصغيرة من بوليمر آخر يحمل اسم البلاستيك الدقيق، والذي يمكن أن تمتصه التربة. على الرغم من أننا لا نعرف بعد تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة على البيئة، تشير الأبحاث إلى أن ابتلاع الإنسان هذه المواد يمكن أن يؤدي إلى تلف الخلايا والسميّة التنموية وارتفاع خطر الإصابة بالسرطان.
اقرأ أيضاً: نهجٌ جديد لاستخدام الدخان الناتج عن عوادم السيارات في زراعة الغذاء
تقول سكوت: "إنه تحدٍ علمي واجتماعي مثير للاهتمام"، وتضيف: "ندرك جميعاً أن [تحلل البلاستيك] مشكلة يجب حلها سريعاً. وهذا أمر مثير لأننا نشهد تقدّماً كبيراً في الأبحاث في هذا المجال لا نشهده في مجال الأبحاث العلمية عادة".