رصد علماء الفلك أول مرة قرصاً يحيط بنجم يافع في مجرة تحمل اسم سحابة ماجلان الكبرى. تبعد هذه المجرة نحو 200 ألف سنة ضوئية عن الأرض وقد تصطدم بمجرتنا درب التبانة خلال نحو ملياري سنة.
أجرى العلماء الرصد الجديد باستخدام مرصد مصفوفة أتاكاما الكبيرة المليمترية/دون المليمترية في تشيلي. يحتوي النظام النجمي آتش آتش 1177 في هذه المجرة على نجم يافع ضخم يزداد حجمه ويجذب المادة من محيطه. ويؤدّي تجمّع المادة حول هذا النجم إلى تشكّل قرص دوار يحمل اسم القرص التراكمي. هذه هي أول مرة يرصد فيها علماء الفلك قرصاً تراكمياً في منطقة خارج مجرتنا. وُصف الاكتشاف الجديد في دراسة نُشرت بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في مجلة نيتشر (Nature).
قرص تراكمي خارج مجرة درب التبانة
قالت عالمة الفلك في جامعة دورام في المملكة المتحدة والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، آنا ماكلاود، في بيان صحفي: "عندما لاحظت أدلة تبين وجود بنية دوارة في بيانات مرصد أتاكاما أول مرة، دُهشت من أننا تمكنا من اكتشاف أول قرص تراكمي يقع خارج المجرة، وكانت هذه اللحظة مثيرة. نعلم أن الأقراص ضرورية لتشكّل النجوم والكواكب في مجرتنا. ولكن الآن، اكتشفنا أول مرة أدلة مباشرة تبيّن وجود هذه البنى في مجرة أخرى".
تبعت هذه الدراسة الأرصاد السابقة للنظام النجمي آتش آتش 1177 التي أجراها العلماء باستخدام أداة المستكشف الطيفي المتعدد الوحدات الموجودة في التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي. رصد هذا التلسكوب في عام 2018 تدفقاً من نجم آخذ في التشكّل يقع في أعماق سحابة غازية في مجرة سحابة ماجلان الكبرى.
قالت ماكلاود: "رصدنا تدفقاً ينبثق من هذا النجم اليافع الضخم، ويمثّل وجوده دليلاً على وجود قرص تراكمي قيد التشكّل".
اقرأ أيضاً: علماء الفلك يستخدمون النجوم الميتة لرصد الأمواج الثقالية وفهم تاريخ المجرة
كيف أكد علماء الفلك هذا الاكتشاف؟
اضطر الباحثون إلى قياس حركة الغاز الكثيف حول النجم اليافع لإثبات وجود قرص تراكمي حوله بالفعل. لا يستطيع هذا النجم المتضخّم جمع المادة المحيطة بأكملها فيه عندما يجذبها تجاهه، ما يؤدي إلى تسطّح المادة مشكلة قرصاً دواراً حوله. تدور المادة التي يتألف منها القرص في المناطق الأقرب من المركز بسرعة أكبر. ويمثّل الفرق في سرعة دوران المادة دليلاً احتاج الباحثون إلى اكتشافه لتأكيد وجود القرص التراكمي حول النجم.
قال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ليفربول جون مورس في المملكة المتحدة والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، جوناثان هنشو، في بيان صحفي: "يتغيّر تردد الضوء تبعاً لسرعة تحرك الغاز الذي يصدره في اتجاهنا أو بعكسه. هذه هي الظاهرة نفسها تماماً التي تحدث عندما تتغير طبقة صوت صفّارة سيارة الإسعاف بالنسبة لراصد ما في أثناء مرورها بجانبه؛ إذ إن تردد هذا الصوت ينخفض".
تمكّن الباحثون بدراسة قياسات التردد المفصّلة التي أجروها باستخدام مرصد أتاكاما من كشف الدوران المميز للقرص وإثبات اكتشاف أول قرص تراكمي حول نجم يافع خارج مجرتنا.
نظام آتش آتش 1177 النجمي
تتشكل النجوم الضخمة مثل هذا بسرعة أكبر بكثير وتعيش حياة أقصر بكثير مقارنة بالنجوم المنخفضة الكتلة مثل الشمس. ويعد رصد هذه النجوم في مجرة درب التبانة صعباً بصورة خاصة بالنسبة لعلماء الفلك؛ إذ إن المواد الغبارية التي تتشكّل منها هذه النجوم يمكن أن تخفيها عن الراصدين عندما تتشكّل الأقراص حولها.
اقرأ أيضاً: كيف يحافظ تلسكوب هابل على مشروع مراقبة النجوم؟
مع ذلك، المواد التي تتشكّل منها النجوم في سحابة ماجلان الكبرى مختلفة تماماً عن نظيراتها في درب التبانة. نظام آتش آتش 1177 النجمي ليس مغلّفاً بشرنقة الغبار التي تشكّل ضمنها، ويعود ذلك إلى أن كمية الغبار فيه أقل. يمكّن انخفاض كمية الغبار في هذا النظام مقارنة بالأنظمة المشابهة في مجرة درب التبانة علماء الفلك من رصد عمليات تشكّل النجوم والكواكب في سحابة ماجلان الكبرى عن بُعد ولكن دون عوائق.
قالت ماكلاود: "نحن نعيش في عصر تتطور فيه التكنولوجيات المستخدمة في المنشآت الفلكية بسرعة. والقدرة على دراسة تشكّل النجوم على هذه المسافات الهائلة وفي مجرة مختلفة مثيرة جداً".