في عام 1973، لاحظ الدكتور ساندرز فرانك Sanders T. Frank ارتباطاً بين وجود علامة في الأذن والإصابة بأمراض القلب، سُميت بـ "علامة فرانك"، وهي ثنية مميزة في شحمة الأذن تظهر عادة بزاوية 45 درجة وتمتد بشكل قطري إلى الخلف ويمكن رؤيتها بسهولة بالعين المجردة. أثار وجود هذه العلامة جدلاً حول ارتباطها بأمراض القلب، فقد تكون مؤشراً على مرض الشريان التاجي (CAD)، النوع الأكثر شيوعاً بين أمراض القلب والأوعية الدموية.
كان الأطباء الصينيون القدماء أول من أشاروا إلى وجود ارتباط بين "علامة تجعد شحمة الأذن"، وتحديداً الطية القطرية (DELC)، والظهور المبكر لمرض الشريان التاجي (CHD)، حيث عُرِفت هذه العلامة سابقاً باسم "أخدود CHD" بوصفها علامة محتملة على هذا المرض.
اقرأ أيضاً: هل كل ما تعلمته عن شحمة الأذن في المدرسة غير صحيح حقاً؟
كشف جديد يوضّح العلاقة بين طية شحمة الأذن المائلة وأمراض القلب التاجية
نشرت الدورية الدولية للطب العام (International Journal of General Medicine) دراسة حديثة أجرتها مجموعة باحثين من مختلف المؤسسات العلمية الصينية، وألقت الضوء على العلاقة بين طية شحمة الأذن المائلة وأمراض القلب التاجية. توصل الباحثون إلى أن وجود الطية القطرية يُعدّ عاملَ خطرٍ مستقلاً للإصابة بمرض القلب التاجي، حتى بعد الأخذ في الاعتبار عوامل الخطر الأخرى المعروفة مثل: الجنس والعمر وارتفاع ضغط الدم والسكري ومستويات الدهون في الدم وغيرها من العوامل ذات الصلة.
توافقت نتائج الدراسة الصينية مع دراسات سابقة عديدة، منها:
- في دراسة أجرتها جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا في إسبانيا، توصل باحثون إلى وجود علاقة محتملة بين "علامة فرانك" وخطر الإصابة بأمراض القلب، خاصة عندما تكون طية شحمة الأذن كاملة وثنائية وعميقة ولها طيات إضافية.
- في دراسة نشرتها الدورية الأميركية للطب الشرعي وعلم الأمراض (The American Journal of Forensic Medicine and Pathology)، شملت أكثر من 500 حالة تشريح، وجد الباحثون ارتباطاً بين وجود طيات شحمة الأذن والإصابة بمرض الشريان التاجي بنسبة تصل إلى 80% لدى لأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً.
- أظهرت دراسة أخرى نشرتها الدورية الأميركية لأمراض القلب (American Journal of Cardiology)، وجود ارتباط بين ثنية شحمة الأذن وزيادة انتشار مرض الشريان التاجي ومداه وحدته.
- وفي دراسة نشرتها دورية الطب الأميركية (The American Journal of Medicine)، أُجريت على مصابين بسكتة دماغية حادة، لاحظ الباحثون وجود ثنية قطرية في شحمة الأذن لدى نحو 78.8% منهم. خلصت الدراسة إلى أن وجود ثنية شحمة الأذن القطرية يمكن اعتباره مؤشراً مستقلاً على الإصابة بالسكتة الإقفارية، وهي حالة طبية طارئة مرتبطة بمرض الشريان التاجي الموجود مسبقاً.
اقرأ أيضاً: طريقة جديدة تكشف احتمالية الإصابة بأمراض القلب قبل 20 عاماً
ما سبب ارتباط طية شحمة الأذن المائلة بأمراض القلب؟
لم تُفهم أسباب العلاقة بين طية شحمة الأذن وأمراض القلب على نحو كامل بعد، إلّا أن هناك فرضيات عديدة طرحتها الدراسات السابقة لتفسير هذه الصلة، منها:
- قد يكون وجود طية شحمة الأذن المائلة علامة على حدوث تغيرات دقيقة في الأوعية الدموية أو ضعف كثافة الشعيرات الدموية في أنسجة شحمة الأذن. تُشبه هذه التغيرات ما يحدث في الأوعية الدموية لدى مرضى القلب والأوعية الدموية.
- قد تتجعد شحمة الأذنين لنقص إمدادها بالدم بسبب تصلب الشرايين، وهي حالة تتسم بتراكم اللويحات الدهنية في جدران الشرايين، وقد تنشأ هذه العلاقة من عوامل خطر مشتركة أو آليات مرضية فيزيولوجية متشابهة.
- قد تسهم التغيرات في الكولاجين والأنسجة الضامة في شحمة الأذن في تكوين الطية. تشبه هذه التغيرات ما يحدث في جدران الأوعية الدموية لدى مرضى تصلب الشرايين.
- قد يتشارك الأفراد الذين لديهم طيات شحمة الأذن المائلة في وجود عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة والتدخين.
- قد تسهم العوامل الوراثية والبيئية في زيادة قابلية الأفراد لتكوين طية شحمة الأذن المائلة وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن هناك حاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث لتوضيح الآليات الوراثية الكامنة وراء هذا الارتباط.
- يؤدي الالتهاب المزمن والإجهاد التأكسدي دوراً رئيسياً في الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومن الممكن أن تسهم هذه العمليات أيضاً في تكوين تجاعيد شحمة الأذن.
- ترتبط تجاعيد شحمة الأذن بالتغيرات المرئية المصاحبة للتقدم في العمر، الذي يُعدَ عاملَ خطرٍ رئيسياً للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
- قد تكون ثنية شحمة الأذن علامة على السمنة، وهي عامل خطر معروف للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
اقرأ ايضاً: طبيب المستقبل: الذكاء الاصطناعي ينبئ بأمراض القلب
كيف يمكن أن تسهم طية شحمة الأذن المائلة في تحسين صحة القلب؟
يمكن أن تُسهم طية شحمة الأذن المائلة في انتباه أفضل لمؤشرات الصحة القلبية وذلك من خلال؟
تقييم المخاطر
يمكن لأخصائيي الرعاية الصحية إضافة خصائص طية شحمة الأذن المائلة إلى بروتوكولات تقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب، ما يُتيح تحديد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة بشكلٍ دقيق.
نهج وقائي مستهدف
يمكن استهداف الأفراد الذين يتمتّعون بطيات شحمة الأذن المائلة، خاصة الكاملة والثنائية والعميقة، ببرامج وقائية مكثّفة تركّز على تعديلات نمط الحياة والمراقبة الدورية والتدخل المبكر للحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
توعية صحية متقدمة
يصبح بإمكان مقدمي الرعاية الصحية توعية المرضى على نحو أفضل حول العلاقة بين طية شحمة الأذن المائلة وخطر الإصابة بأمراض القلب، ما يُعزز الوعي ويشجّع على اتباع نهج استباقي لإدارة صحة القلب.
آفاق بحثية واعدة
تشجّع نتائج الدراسات السابقة على إجراء المزيد من الأبحاث لاستكشاف الآليات الكامنة وراء ارتباط طية شحمة الأذن المائلة بخطر الإصابة بأمراض القلب، وتقييم القيمة السريرية المحتملة لهذه العلامة الجسدية في نماذج توقع مخاطر الإصابة.
اقرأ أيضاً: بعد تحديد الخلايا المسؤولة عن إصلاح القلب لنفسه: ما الآفاق المستقبلية لعلاج الأمراض القلبية؟
ثنية شحمة الأذن: مؤشر محتمل لكنه ليس دقيقاً لمرض الشريان التاجي
على الرغم من ارتباط ثنية شحمة الأذن (DELC) بمرض الشريان التاجي في بعض الدراسات، فإن دقة تشخيصه لمرض الشريان التاجي لا تزال غير كافية، ولا تُعدّ مؤشراً سريرياً موثوقاً به على نحو منفرد، وفقاً لعدد من الدراسات مثل الدراسة التي نشرتها الدورية الأوروبية المركزية للطب (The Central European Journal of Medicine).
تقدّم الدراسات السابقة نتائج متباينة حول العلاقة بين ثنية شحمة الأذن القطرية وأمراض القلب، لذلك من الضروري توخي الحذر عند تفسير هذه النتائج، حيث توجد بعض القيود والتحيزات المحتملة التي يجب أخذها في الاعتبار:
- محدودية التعميم: فإجراء الدراسة في مركز واحد فقط على سبيل المثال، واختيار المشاركين من مستشفى محدد، قد يؤدي إلى انحياز في النتائج، ما قد يحدُّ من إمكانية تعميمها على السكان جميعهم.
- حجم العينة: زيادة حجم العينة يمكن أن توفّر نتائج أكثر دقة وقابلية للتعميم خاصة عند دراسة عامل خطر لحالة شائعة مثل مرض الشريان التاجي.
- العوامل المربكة: على الرغم من أخذ عوامل مختلفة مثل الجنس والعمر وارتفاع ضغط الدم والسكري ومستويات الدهون، في الاعتبار، فإنه قد تكون هناك عوامل مربكة أخرى لم تُقاس ويمكن أن تؤثّر في العلاقة بين ثنية شحمة الأذن ومرض الشريان التاجي.
- التقييم الذاتي: يعتمد تحديد ثنية شحمة الأذن وتقييمها على تقدير مقدمي الرعاية الصحية، ما يجعل العملية ذاتية، كما قد يؤدي الاختلاف في التعرف إلى ثنية شحمة الأذن بين الباحثين المختلفين إلى انحياز في نتائج الدراسة.
- انحياز النشر: قد يكون هناك ميلٌ لنشر الدراسات التي تظهر نتائج إيجابية، بينما لا تُنشر الدراسات ذات النتائج السلبية أو غير الحاسمة بالقدر نفسه، ما قد يؤدي إلى تشويه الفهم العام للعلاقة بين ثنية شحمة الأذن ومرض الشريان التاجي.
- مدة المتابعة: قد لا تكون مدة المتابعة في الدراسات كافية لالتقاط التأثير الكامل لثنية شحمة الأذن في تطور مرض الشريان التاجي، فيمكن للدراسات الطويلة المدى أن توفّر معلومات أكثر دقة حول القيمة التنبؤية لثنية شحمة الأذن.
- العوامل الثقافية والعرقية: إجراء دراسة على مجموعة سكانية محددة في منطقة معينة يحدُّ من إمكانية تطبيق نتائجها على مجموعات عرقية أو ثقافية أخرى، فقد تختلف العلاقة بين ثنية شحمة الأذن ومرض الشريان التاجي بين مختلف السكان.