ما حقيقة الإصابة باضطرابات الغدة الدرقية بعد التطعيم بلقاح كوفيد-19؟

4 دقيقة
ما حقيقة الإصابة باضطرابات الغدة الدرقية بعد التطعيم بلقاح كوفيد-19؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Explode

كان التطور السريع للقاحات كوفيد-19 علامة فارقة حاسمة في معركتنا ضد الوباء، وقد أدت هذه اللقاحات دوراً محورياً في الحدّ من شدة المرض ومنع انتقاله، وإنقاذ الأرواح. ومع ذلك، كما هي الحال مع أي تدخل طبي؛ من الضروري مراقبة الآثار الجانبية المحتملة من كثب.

تحتوي لقاحات كوفيد-19 ما يُعرف بـ "المواد المساعدة"؛ وهي مواد تُضاف إلى اللقاح لتعزيز الاستجابة المناعية في الجسم ضد الفيروس. لكن بعض الدراسات العلمية؛ التي سنوردها في هذا المقال، تشير إلى وجود صلة محتملة بين المواد المساعدة الموجودة في لقاح كوفيد-19 وتفاقم اضطرابات الغدة الدرقية بين الأفراد الذين طُعّموا. فما رأي الخبراء بهذا التأثير؟ وهل ثمة داعٍ للقلق من المخاطر المحتملة المرتبطة بلقاحات كوفيد-19 على صحة الغدة الدرقية ؟

كيف أثّر كوفيد-19 في الغدة الدرقية؟

أفادت الدراسة المنشورة عام 2022 في دورية آفاق في علم الغدد الصماء (Frontiers in Endocrinology)، أن تأثير كوفيد-19 تجاوز الجهاز التنفسي إلى التأثير في أعضاء وأنظمة أخرى؛ مثل الجهاز القلبي الوعائي والعصبي المركزي والكبد، بالإضافة إلى نظام الغدد الصماء؛ بما فيه الغدة الدرقية؛ وهذا يعني أن الغدة الدرقية التي تؤدي دوراً حاسماً في عملية التمثيل الغذائي، وتتحكم بالعديد من وظائف الجسم الحيوية، قد تتعرض إلى الخلل في أداء وظائفها بسبب إصابتك بكوفيد-19 سابقاً، أو بمجرد حصولك على اللقاح حتى ولو لم تكن مصاباً؛ لأن اللقاح هو حقن الفيروس في الجسم بنسبة مخفَّفة.

في الحقيقة، إن هذا ليس بأمر مستغرَب؛ حيث يحتوي غلاف الفيروس بروتيناً شوكياً يمكنه الارتباط مع بروتين آخر يوجد على غشاء الخلايا المضيفة ويُدعى "أيه سي إي 2" (ACE2)؛ أي يعمل أيه سي إي 2 (ACE2) كنقطة دخول رئيسة للفيروس إلى الخلايا. ونظراً إلى أن الخلايا البطانية للغدة الدرقية تنتج بروتين أيه سي إي 2 (ACE2)، فإن الفيروس يمكنه دخول الغدة الدرقية وإصابتها بالعدوى.

اقرأ أيضاً: هل يؤثر فيروس كورونا على الذاكرة والدماغ؟

العلاقة بين المواد المساعدة في اللقاحات وحالات اضطرابات الغدة الدرقية

المواد المساعدة هي مواد تُضاف إلى اللقاحات لتعزيز تكوين أجسام مضادة ضد  الفيروس. بالنسبة إلى لقاحات كوفيد-19، فإنها تحتوي نسخة غير ضارة من البروتين الشوكي الموجود على غلاف الفيروس تحاكي نسخة الفيروس. تتفاعل هذه البروتينات مع مستقبلات أيه سي إي 2(ACE2)؛ ما يسمح لجهاز المناعة بالتعرف عليها والاستجابة لها، وإعداد الجسم لمحاربة الفيروس الفعلي إذا واجهه في المستقبل.

ومع ذلك، قد تكون استجابة الجهاز المناعي غير متوقعة، وفي بعض الحالات، قد تؤدي إلى تفاعلات مناعية ذاتية والتهابات.

في دراسة نُشرت عام 2022، في مجلة تحقيقات الغدد الصماء (Journal of Endocrinological Investigation)، حقق فريق الباحثين في 3 حالات إصابة بأمراض الغدة الدرقية بعد وقت قصير من التطعيم ضد فيروس كورونا:

  • الحالة الأولى: امرأة تبلغ من العمر 38 عاماً، عانت ألماً في عنق الرحم الأمامي ورعاشاً خفيفاً بعد 8 أيام من تلقي لقاح موديرنا، وبالفحص تبينت إصابتها بالتهاب الغدة الدرقية الحُبيبي.
  • الحالة الثانية: رجل يبلغ من العمر 32 عاماً، عانى خفقان القلب والأرق بعد 10 أيام من تلقي الجرعة الأولى من لقاح فايزر. لاحقاً، شخّص الأطباء إصابته بالتهاب الغدة الدرقية الصامت تحت الحاد (SAT)؛ الذي تطور بعد 8 أسابيع إلى قصور الغدة الدرقية.
  • الحالة الثالثة: امرأة تبلغ من العمر 38 عاماً، مصابة بالفصام؛ ولكن ليس لديها تاريخ إصابة بأمراض الغدة الدرقية. عانت المريضة العصبية والأرق والتعرّق بعد 12 يوماً من الجرعة الأولى من لقاح فايزر. لاحقاً، شخّص الأطباء إصابتها بمرض غريفز.

اقترح الباحثون في الدراسة، إنه يمكن للاستجابة المناعية لدى البشر ضد البروتين الشوكي لفيروس كوفيد-19 في اللقاح، أن تولد تفاعلاً تبادلياً ضد الغدة الدرقية؛ أي أن الجهاز المناعي قد يتعرف عن طريق الخطأ على بروتينات الغدة الدرقية على أنها غريبة ويهاجمها (مرض غريفز).

يدعي التفاعل بين بروتينات اللقاح وبروتينات الغدة الدرقية بـ "متلازمة المناعة الذاتية/الالتهاب الناجم عن المواد المساعدة" (ASIA).

اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن جرعات لقاحات كورونا المُعزِّزة

وفي مراجعة أكثر شمولاً، نُشرت عام 2022، في مجلة تحقيقات الغدد الصماء (Journal of Endocrinological Investigation)، تبيّن أنه من بين 83 حالة إصابة باضطرابات الغدة الدرقية بعد التطعيمات ضد كوفيد-19، بلقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، كان أكثرها شيوعاً:

  • التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد (SAT) بنسبة 60.2%.
  • مرض غريفز بنسبة 25.3%
  • التهاب الغدة الدرقية الصامت 3.6%.

عامة، حدثت أعراض الاضطرابات بعد تلقي الجرعة الأولى من التطعيم بمتوسط 10 أيام، وبعد تلقي الجرعة الثانية بمتوسط 10.5 يوم في التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد، و14 يوم في مرض غريفز.

وفقاً للباحثين في المراجعة؛ ترتبط لقاحات كوفيد-19 بمضاعفات نادرة للغاية مثل اضطرابات الغدة الدرقية؛ لكنها استجابت إيجاباً للعلاج، فاستنتجوا أن فوائد لقاحات كوفيد-19، تتجاوز مخاطر حدوث مضاعفات غير متكررة؛ مثل خلل مؤقت في الغدة الدرقية.

أشار استشاري الأمراض الباطنية والغدد الصماء والسكري، الطبيب خالد الغامدي، إلى أن الذين يعانون أمراض الغدة الدرقية يمكنهم أخذ اللقاح ما لم يكن هناك سبب يمنعهم من ذلك؛ مثل الحساسية المفرطة والحمل.

تأثير الجرعات الثانية من اللقاح في اضطراب (SAT)

للبحث عن سلامة عمليات إعادة التطعيم والمتابعة الطويلة المدى للأفراد الذين طوروا مرض التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد وغريفز، الناجمين عن اللقاح بعد تلقي لقاحات كوفيد-19، راجع فريق بحث في جامعة أنقرة التركية بيانات 15 مريضاً مصاباً بالتهاب الغدة الدرقية تحت الحاد الناجم عن لقاحات كوفيد-19، و4 بالغين مصابين بمرض غريفز الناجم عن لقاحات كوفيد-19، ونشروا نتائج دراستهم عام 2022، في مجلة علم الغدد الصماء والتمثيل الغذائي السريري (The Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism).

تبين أن حالة واحدة فقط من مرض غريفز تكررت الإصابة بالمرض فيها؛ بينما لم تعاود حالات التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد الظهور لدى المرضى بعد تلقيهم جرعة أخرى من اللقاح.

وعلى الرغم من إقرار الباحثين بقيود الدراسة؛ مثل صغر حجم العينة ونقص البيانات حول وقت التعافي، فإن نتائج الدراسة تدعم إعادة التطعيم الآمن للأفراد الذين طوروا التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد، وأكدوا إن العواقب المحتملة لكوفيد-19 ينبغي ألا تُثني الأطباء عن تقديم اللقاحات ضد كوفيد-19، وتكرارها.

اقرأ أيضاً: جرعة واحدة من لقاح كورونا أفضل من لا شيء على الإطلاق

تأثير الجرعات الثانية من اللقاح في مرض غريفز

في دراسة نُشرت عام 2022، في مجلة الغدد الصماء والتمثيل الغذائي السريري، وصف الباحثون 12 حالة إصابة بمرض غريفز بعد لقاح كوفيد-19، بمتوسط 17 يوماً؛ حيث عانى 6 منهم ظهورَ أعراض جديدة؛ بينما عانى الآخرون انتكاسات لمرض غريفز، بعد أن كانوا قد تحكموا به سابقاً.

عولج المصابون بالكاربيمازول جميعهم قبل تلقي الجرعة الثانية من اللقاح، وبعد تلقيها لم تتفاقم أي أعراض لديهم.

توصّل الباحثون إلى أنه من الممكن بعد الجرعة الأولى ظهور فرط نشاط الغدة الدرقية المناعي (غريفز) الجديد، أو الانتكاس، وعلى الرغم من أنهم تحمّلوا جرعة معززة لاحقة من لقاح كوفيد-19، فإنه ينبغي على الأطباء توخي الحذر واليقظة لخطر تفاقم اضطرابات الغدة الدرقية المناعية الذاتية لدى الأفراد المعرضين إلى الإصابة بعد تلقي اللقاح.

المحتوى محمي