العلماء يسعون إلى الحصول على مصدر للغذاء من البكتيريا الآكلة للبلاستيك

6 دقيقة
العلماء يسعون إلى الحصول على مصدر للغذاء من البكتيريا الآكلة للبلاستيك
يقول أحد الباحثين في هذا المجال إن الهدف ليس إطعام الناس البلاستيك، بل أن يتمكن من إثبات أن الميكروبات التي تتغذّى على البلاستيك في النظام الذي طوّره صالحة للاستهلاك البشري.

ملخص: لطالما كانت مشكلة النفايات البلاستكية من أكبر مشكلات التلوث في العالم، لا سيما وأننا بدأنا نشهد آثارها في كل مكان على سطح الأرض، حتى في المحيطات. ويحث الكثير من العلماء والباحثين على خفض إنتاج البلاستيك، أو تشجيع إعادة التدوير لحل المشكلة، لكن كثيرين اختبروا ميكروبات يمكنها أن تفكك هذا البلاستيك، ومن ثَمَّ تحويل هذه الميكروبات إلى مواد غذائية. يجفف الخبراء الميكروبات بعد استهلاكها للبلاستيك ويحوّلونها إلى مسحوق يتمتع برائحة تشبه رائحة الخميرة المغذية ويحتوي على نسب متوازنة من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات. قبل استهلاك هذه الميكروبات كمواد غذائية، يجب النظر إلى الآثار الصحية الناجمة عن استهلاكها، والتي أثبت الباحثون عدم وجود أي آثار جانبية لها. في الوقت الراهن، قد تُستخدم هذه الميكروبات في مناطق الكوارث والحروب، إلى أن تلقى قبولاً أوسع بين الناس.

في عام 2019، أطلقت وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية دعوة لتقديم مشروعات بحثية لمساعدة الجيش على حل مشكلة الكمية الهائلة من النفايات البلاستيكية الناتجة عن عمليات القوات العسكرية في المواقع النائية أو مناطق الكوارث. سعت الوكالة للحصول على نظام يمكن وفقه تحويل أغلفة الأطعمة وقوارير المياه وغيرها إلى منتجات قابلة للاستخدام، مثل الوقود والحصص الغذائية. ويجب أن تكون معدات هذا النظام صغيرة بما يكفي لتتسع لها المركبة المتعددة الأغراض والعالية التحركيّة ذات العجلات، أو مركبة هَمفي (Humvee)، كما كان من الضروري أن يسخّر النظام قدرات الميكروبات التي تتغذّى على البلاستيك.

اقرأ أيضاً: لأول مرة: إيجاد صلة بين الجزيئات البلاستيكية النانوية وصحة الإنسان

قال عالم الأحياء الدقيقة في جامعة ميشيغان للتكنولوجيا، ستيفن تيكتمان، الذي يقود إحدى مجموعات البحث الثلاث التي تتلقى التمويل لتطوير مثل هذا النظام: "توصلنا إلى عدد من الأفكار عندما بدأنا هذا المشروع قبل أربع سنوات. وبدت فكرة المشروع منطقية من الناحية النظرية". مع ذلك، "كانت هذه الجهود أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى مشروع يمكن أن ينجح بالفعل"، حسب تعبيره.

عدم اليقين هذا هو عامل بالغ الأهمية؛ إذ تدعم وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة، أو داربا (DARPA)، المشروعات ذات المخاطر العالية والفوائد الكبيرة. يعني ذلك أن احتمال فشل أي مشروع كان كبيراً في النهاية. لكن عندما ينجح مشروع ما، فإنه قد يمثّل إنجازاً علمياً غير مسبوق بحق. قال مدير البرامج في وكالة داربا، لينارد تيندر، الذي يشرف على مشروعات النفايات البلاستيكية: "هدفنا هو إقناع مختلف الأشخاص بأن إنجاز هذه المشروعات ممكن فعلاً".

مشكلات إنتاج البلاستيك تنتظر الحلول

المشكلات التي يطرحها إنتاج البلاستيك وتصريفه معروفة. وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تنتج دول العالم نحو 440 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنوياً. ينتهي المطاف بكمية كبيرة من هذه النفايات في مكبات النفايات أو في المحيط، حيث يمثّل كل من البلاستيك الدقيق والحبيبات البلاستيكية والأكياس البلاستيكية تهديداً للأحياء البرية. يتفق العديد من الحكومات والخبراء على أن حل هذه المشكلة يتطلب خفض إنتاج البلاستيك، كما طرح بعض البلدان والولايات الأميركية سياسات لتشجيع إعادة التدوير.

أجرى العلماء أيضاً على مدى سنوات التجارب على أنواع مختلفة من البكتيريا التي تتغذّى على البلاستيك. لكن وكالة داربا تتخذ نهجاً مختلفاً بعض الشيء في البحث عن حل مصغّر ومتحرك يعتمد على استخدام البلاستيك لإنتاج شيء مختلف تماماً، وهو الغذاء للبشر.

يسارع تيكتمان بالإضافة قائلاً إن الهدف ليس إطعام البشر البلاستيك، بل أن يتمكن من إثبات أن الميكروبات التي تتغذّى على البلاستيك في النظام الذي طوّره صالحة للاستهلاك البشري. في حين أن تيكتمان يعتقد أن المشروع سيكون جاهزاً بأغلبه خلال عام أو عامين، فإن إثبات قابلية استهلاك هذه الميكروبات هي الخطوة التي قد تستغرق وقتاً أطول. يعمل فريق تيكتمان حالياً على إجراء اختبارات السمية التي سيقدّم نتائجها إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية لتراجعها. حتى لو سارت العملية بسلاسة، سيواجه الباحثون تحدياً آخر. يقول تيكتمان إن البشر قد يشعرون بالاشمئزاز حيال هذه الفكرة، "ويجب التغلّب على هذه المشاعر".

الجيش الأميركي ليس الكيان الوحيد الذي يعمل على تحويل الميكروبات إلى مواد غذائية؛ إذ ينظر عدد صغير من الباحثين من مختلف البلدان من كوريا إلى فنلندا، فضلاً عن بعض الشركات، في إمكانية أن تؤدي الكائنات الحية الدقيقة في المستقبل دوراً في توفير الغذاء لسكان العالم الآخذ عددهم في الازدياد.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف عن وجود البلاستيك الدقيق في عينات السائل المنوي للإنسان

تحويل الميكروبات إلى مواد غذائية

وفقاً لتيندر، هدفت دعوة تقديم المقترحات التي أطلقتها وكالة داربا إلى حل مشكلتين في الوقت نفسه. أولاً، أمل خبراء الوكالة في الحد من الظاهرة التي يطلق عليها تيندر اسم "ضعف سلسلة التوريد". يجب أن ينقل الجيش في أثناء الحروب الإمدادات إلى القوات المتمركزة في الأماكن النائية، ما يشكّل خطراً على سلامة الأشخاص الموجودين في المركبات التي تنقل هذه الإمدادات. بالإضافة إلى ذلك، أراد خبراء الوكالة الاستغناء عن استخدام حفر الحرق الخطيرة للتعامل مع النفايات البلاستيكية. قال تيندر: "إزالة هذه النفايات من هذه المواقع بطريقة مسؤولة هو إنجاز مُشجّع كبير".

الخطوة الأولى في عمل النظام الذي طوره فريق جامعة ميشيغان للتكنولوجيا هي استخدام آلة تقطيع ميكانيكية تقطّع البلاستيك إلى قطع صغيرة تنتقل بعد ذلك إلى مفاعل، حيث ينقعها الخبراء في هيدروكسيد الأمونيوم على درجة حرارة مرتفعة. يتفكك بعض المواد البلاستيكية في هذه المرحلة، مثل البولي إيثيلين تيرفثالات المستخدم عادة في صناعة قوارير المياه الوحيدة الاستعمال. ينقل الخبراء المواد البلاستيكية الأخرى المستخدمة في تغليف الأطعمة العسكرية، خاصة البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، إلى مفاعل آخر تتعرض فيه لحرارة أعلى بكثير ضمن وسط خالٍ من الأوكسجين.

يتحول كل من البولي إيثيلين والبولي بروبيلين في هذه الظروف إلى مركبات تمكن إعادة تدويرها لصنع منتجات ذات قيمة مثل الوقود ومواد التشحيم. أسّس المهندس الكيميائي في جامعة ميشيغان للتكنولوجيا، ديفيد شونارد، الذي أشرف على هذا الجزء من المشروع، شركة ناشئة تحمل اسم "ريسيرجنت إنوفيشن" (Resurgent Innovation) لتسويق أجزاء من تكنولوجيا النظام. (وهو يقول إن أعضاء آخرين من الفريق البحثي يسعون للحصول على براءات اختراع إضافية تتعلق بأجزاء أخرى من النظام).

بعد تفكك البولي إيثيلين تيرفثالات في هيدروكسيد الأمونيوم، ينقل الخبراء السائل إلى مفاعل آخر حيث تستهلكه مستعمرة من الميكروبات. اعتقد تيكتمان في البداية أنه سيحتاج إلى العثور على البكتيريا القادرة على تحليل البلاستيك المفكك في الأوساط الشديدة التلوث. لكن اتضح أن البكتيريا المستخرجة من السماد الطبيعي تؤدي هذه الوظيفة بفعالية. يقول تيكتمان إن ذلك قد يعود إلى أن البلاستيك المفكك الذي يدخل المفاعل يتمتع ببنية جزيئية مشابهة لبنية بعض مركبات المواد النباتية. بالتالي، فإن البكتيريا التي تتغذّى عادة على النباتات قد تتمكن من استخلاص الطاقة التي تحتاج إليها من البلاستيك بدلاً من ذلك.

وفقاً لتيكتمان، يجفف الخبراء الميكروبات بعد استهلاك البكتيريا للبلاستيك ويحولونها إلى مسحوق يتمتع برائحة تشبه رائحة الخميرة المغذية ويحتوي على نسب متوازنة من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات.

لماذا يجب أخذ الميكروبات في الاعتبار باعتبارها مصدراً للغذاء؟

تعود الأبحاث حول الكائنات الحية الدقيقة الصالحة للأكل إلى أكثر من 60 عاماً، لكن الأدلة المتوافرة حول هذا الموضوع محدودة للغاية. (قدّر الباحثون في إحدى دراسات المراجعة أن العدد السنوي للأوراق البحثية المنشورة في هذا المجال منذ عام 1961 يساوي سبع أوراق فقط). مع ذلك، يقول الباحثون في هذا المجال إن هناك أسباباً وجيهة تدفع البلدان إلى أخذ الميكروبات في الاعتبار بصفتها مصدراً للغذاء. قال المهندس الحيوي والنائب الأول لرئيس الأبحاث في المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، سانغ يوب لي، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع أندراك، إن أحد الأسباب هو أن الميكروبات غنية بالبروتين. أشار لي وآخرون إلى أن إنماء الميكروبات يتطلّب مساحة أصغر وكمية أقل من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية. بالتالي، قد يتبين أن الميكروبات تمثّل مصدراً أكثر استدامة للتغذية، خاصة بالنظر إلى نمو عدد سكان العالم.

راجع لي ورقة بحثية تصف العمليات المتعلقة بالميكروبات في مشروع معهد ميشيغان للتكنولوجيا، وقال إن خطط الفريق قابلة للتنفيذ. لكنه أشار إلى مشكلة كبيرة. يقول لي إنه حالياً، هناك أنواع محددة فقط من الكائنات الحية الدقيقة التي يعد العلماء استهلاكها آمناً، وهي "تلك التي يتناولها البشر من خلال استهلاك الأطعمة والمشروبات المخمّرة، مثل بكتيريا حمض اللاكتيك والعصيّات وبعض أنواع الخمائر"، حسب تعبيره. لكن هذه البكتيريا لا تفكك المواد البلاستيكية.

قبل استخدام الميكروبات الآكلة للبلاستيك على أنها مصدر للغذاء، سيقدم فريق البحث أدلة علمية للجهات التنظيمية تبين أن هذه الميكروبات آمنة. أجرى المهندس الكهربائي في جامعة ويسترن في مدينة أونتاريو الكندية، جوشوا بيرس، فحص السمية الأولي الذي فكّك فيه الميكروبات إلى قطع أصغر وقارنها بالسموم المعروفة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى الميكروبات التي تمنح العجين نكهته المميزة

التأثيرات الصحية لاستهلاك الميكروبات

قال بيرس: "نحن واثقون للغاية بأن هذه الميكروبات غير ضارة". قال بيرس أيضاً إن فريقه غذّى ديدان الربداء الرشيقة الأسطوانية على الميكروبات ولم يلحظ أي آثار جانبية سيئة واضحة، وإن الفريق يدرس حالياً الحالة الصحية للجرذان بعد الاستهلاك الطويل المدى للميكروبات. إذا لم تتأثر صحة الجرذان سلباً، فالخطوة التالية هي تقديم البيانات إلى إدارة الغذاء والدواء لمراجعتها.

هناك على الأقل عدد قليل من الشركات التي تمر حالياً في مراحل مختلفة من تسويق أصناف جديدة من الميكروبات الصالحة للأكل. على سبيل المثال، استخدم الخبراء في شركة فنلندية ناشئة تحمل اسم "سولار فودز" (Solar Foods) البكتيريا الطبيعية لصنع منتج مسحوق بلون بنيّ خردليّ حصل على موافقة الاستخدام في سنغافورة. قالت الرئيسة التنفيذية لتجربة العملاء في الشركة، لورا سينيسالو، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع أندارك، إن الشركة تقدمت بطلب للحصول على الموافقة لاستخدام المنتج في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وكذلك في الولايات المتحدة حيث تأمل في دخول السوق بحلول نهاية عام 2024.

قال تيكتمان إنه حتى لو ثبت أن الميكروبات التي تتغذى على البلاستيك آمنة للاستهلاك، قد يتردد العوام في تناول كائن حي يتغذى على النفايات البلاستيكية. ويضيف قائلاً إنه لهذا السبب، قد تكون هذه المجموعة المحددة من الميكروبات مفيدة بصورة خاصة في القواعد العسكرية النائية أو في أثناء عمليات الإغاثة من الكوارث، حيث يمكن استهلاكها على المدى القصير للحفاظ على حياة البشر.

قال تيكتمان: "أعتقد أن عامل الاشمئزاز من هذه البكتيريا سيكون أقل تأثيراً إذا اقتنع المستهلك أنها ستساعده على البقاء على قيد الحياة ولو فترة قصيرة".

المحتوى محمي