هل يمكن أن يساعد دواء أوزمبيك على التعافي من إدمان المخدرات؟

6 دقيقة
تي كيه

ملخص: طور العلماء في السنوات الأخيرة أدوية تحمل اسم "ناهضات مستقبل الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1"، تساعد على علاج مرض السكري. ونظر الباحثون، في دراسة جديدة، في إمكانية استخدام هذه الأدوية لعلاج الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة. بيّنت الدراسة أن خطر حوادث الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية كان أقل بنسبة 40% لدى أولئك الذين تناولوا هذه الأدوية مقارنة بالذين لم يتناولوها، بينما كانت معدلات حوادث التسمم الحاد بالكحول أقل بنسبة 50%. يبدو أن هذه الأدوية تعمل من خلال تثبيط نشاط مسارات المكافأة في الدماغ، ما يؤدي إلى خفض الرغبة في تعاطي المواد المخدرة وخفض شدّة مشاعر الرضا المرتبطة بتلبية هذه الرغبة. لا تعالج هذه الأدوية المشكلات النفسية الكامنة وراء الإدمان، بالإضافة إلى أنها قد تفاقم أعراض بعض هذه المشكلات، لكن قد يكون من الممكن توسيع استخدامها لعلاج الإدمان على مواد أخرى مثل المنشطات، وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال مستقبلاً، كما يجب إجراء التجارب السريرية ودراسات التصوير العصبي للتحقق من فعاليتها وتأثيرها في الدماغ.

أحد أبرز التطورات الطبية في السنوات الأخيرة هو ظهور فئة من الأدوية تحمل اسم "ناهضات مستقبل الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1" (GLP-1 RAs، أو جي إل بي-1 آر أيه اختصاراً). أوزمبيك (Ozempic) هو أشهر هذه الأدوية، وهو دواء لعلاج مرض السكري يصفه الأطباء عادة للمساعدة على تخفيف الوزن. نظر الباحثون، في دراسة جديدة نشرتها مجلة الإدمان (Addiction) بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، في إمكانية استخدام ناهضات مستقبل الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 لعلاج الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة.

فحص الباحثون 100 مليون سجل طبي مجهول المصدر من قاعدة بيانات مركز أوراكل لبيانات العالم الحقيقي (Oracle Cerner Real-World Data)، وهي قاعدة بيانات كبيرة تحتوي على البيانات الطبية المجهولة المصدر. تغطّي هذه السجلات الفترة من يناير/كانون الثاني 2014، التي تشير الدراسة إلى أنها "تزامنت مع منح إدارة الغذاء والدواء الأميركية الموافقة الأولية على العديد من أدوية جي إل بي-1 آر أيه"، حتى سبتمبر/أيلول 2022. حدد الباحثون سجلات الأشخاص الذين تلقوا تشخيصاً بإصابتهم بالاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة، خصوصاً اضطراب تعاطي الأفيون واضطراب تعاطي الكحول، والذين كانوا يتناولون أدوية جي إل بي-1 آر أيه أيضاً لعلاج مرض السكري أو لتخفيف الوزن. بعد ذلك، قارن الباحثون معدلات "النتائج الصحية الشديدة"، أي الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية وحوادث التسمم الحاد بالكحول، مع المعدلات بين الأشخاص في مجموعة البيانات الذين يعانون اضطراب استخدام المواد الأفيونية أو اضطراب تعاطي الكحول ولكنهم لم يتناولوا أحد أدوية جي إل بي-1 آر أيه. تبدو النتائج واعدة؛ إذ كانت معدلات الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية أقل بنسبة 40% لدى أولئك الذين تناولوا هذه الأدوية مقارنة بالذين لم يتناولوها، بينما كانت معدلات حوادث التسمم الحاد بالكحول أقل بنسبة 50%.

اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون جهازاً جديداً فريداً من نوعه لمعالجة جرعات الأفيون الزائدة

كيف تعمل المواد الأفيونية؟

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، الدكتور فارس قعدان، لبوبيولار ساينس إن الفريق اختار المواد الأفيونية والكحول لأن "كليهما يتفاعل مع مسارات المكافأة في الدماغ والتي من المعروف أن أدوية جي إل بي-1 آر أيه تؤثر فيها، وهو تفاعل يتوافق مع آلية العمل المفترضة لهذه الأدوية".

تفعّل آلية العمل المفترضة هذه مسارات المكافأة في الدماغ، التي توفر شعوراً بالمتعة والرضا عند تفعيلها، ما يشجع الشخص على تكرار السلوك الذي يتسبب بهذه المشاعر. يقول قعدان: "تشير الأبحاث الأولية إلى أن أدوية جي إل بي-1 آر أيه تؤثر في نشاط الدوبامين في مسارات المكافأة". بتعبير آخر، يبدو أن آلية عمل هذه الأدوية تعتمد على تثبيط نشاط هذه المسارات. يؤدي ذلك إلى خفض الرغبة في اتباع السلوك المعني، وخفض شدّة مشاعر الرضا التي تتولّد نتيجة تلبية هذه الرغبة.

لكن المشكلة هي أن دواء أوزمبيك لم يعدّل بعض السلوكيات فقط لدى بعض المرضى؛ إذ أبلغ بعضهم عما يصفه قعدان بأنه "انخفاض عام في المتعة". قد يؤدي ذلك لدى البعض إلى تفاقم أعراض بعض الحالات مثل الاكتئاب، والتي تشمل بالفعل أعراضاً مثل انعدام التلذّذ، أي فقدان القدرة العامة على الشعور بالفرح أو المتعة في الحياة.

ترتبط الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة ارتباطاً وثيقاً بالمشكلات المتعلقة بالصحة النفسية، ويقول قعدان إنه بالنتيجة، "يعدّ كل من مراقبة النتائج الصحية لأمراض الصحة النفسية، وأخذ الحصول على الدعم النفسي الملحق في الاعتبار مهماً للغاية إذا استخدم المريض أدوية جي إل بي-1 آر أيه لعلاج هذه الاضطرابات، وخصوصاً بالنسبة للفئات السكانية الأكثر عرضة للأعراض الجانبية المتعلقة بالمزاج". يشير قعدان أيضاً إلى أن "تحديد إذا كانت الأدوية قادرة على تثبيط المكافأة المرتبطة بالمخدرات انتقائياً دون التأثير في التجارب الإيجابية الأخرى [مهم] للغاية".

اقرأ أيضاً: هل ينافس الدواء الجديد ماريتايد عقار أوزمبيك وغيره من أدوية تخفيض الوزن؟

ما هي الخطط المتبعة حالياً لعلاج إدمان المواد الأفيونية؟

عموماً، أحد التساؤلات الدائمة الظهور فيما يتعلق بالاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة هو كيفية تحقيق التوازن بين علاج الإدمان نفسه وعلاج الأسباب الكامنة وراء تعاطي المخدرات. تتضمن العلاجات الحالية لهذه الاضطرابات عزل المرضى عن المواد الأفيونية الخطيرة القصيرة المفعول مثل الديامورفين (الهيروين) والفنتانيل، وإعطاءهم أدوية مثل الميثادون أو البوبرينورفين، ما يتيح لهم التخلص من المواد الأفيونية ببطء مع تلقي المشورة والعلاج النفسي.

يتفق قعدان مع هذا الرأي قائلاً: "يعاني الكثير من المصابين بالاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة مشكلات الصحة النفسية أو المشكلات الجهازية الكامنة. "قد تخفف الأدوية مثل أدوية جي إل بي-1 آر أيه الرغبة في تعاطي هذه المواد من خلال تثبيط إشارات المكافأة، لكنها لا تعالج هذه المشكلات الكامنة مباشرة. [و]على عكس العلاجات التقليدية المدعومة بالأدوية مثل الميثادون أو البوبرينورفين، التي تمثّل نهجاً يعتمد على الخفض التدريجي للجرعة وتساعد على الحد من الضرر، من المرجح أن يزداد استخدام أدوية جي إل بي-1 آر أيه لتخفيف الرغبة الشديدة والحد من سلوكيات الاعتماد بسرعة".

يثير ذلك تساؤلاً حول نوع الدعم النفسي الذي يجب أن يحصل عليه الأشخاص الذين يقلعون عن المواد المخدرة بسرعة نسبياً، وإن كانت البنية التحتية الحالية في مراكز إعادة التأهيل الحالية توفّر هذا الدعم. وفقاً لقعدان، هذا مجال بحثي مستقبلي بالغ الأهمية؛ إذ يقول: "سيكون البحث في دمج أدوية جي إل بي-1 آر أيه مع الدعم النفسي بالغ الأهمية في المستقبل لإنشاء نموذج علاج متوازن وفعال للاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة؛ يعالج المشكلات السلوكية والجهازية الكامنة وراء الإدمان".

كيف تؤثر أدوية جي إل بي-1 آر أيه في المسارات الإدمانية؟

أثارت ورقة بحثية لقعدان وزملائه أيضاً العديد من الأسئلة المهمة الأخرى التي يمكن أن تتناولها الأبحاث المستقبلية. في حين أن الدراسة ركزت فقط على تواتر الأحداث الصحية الشديدة، لا يزال من غير الواضح كيف تؤدي أدوية جي إل بي-1 آر أيه إلى خفض تواتر هذه الأحداث؛ إذ إن الباحثين يجهلون إن كان المرضى الذين تناولوا هذه الأدوية قد تعاطوا الكحول أو المواد الأفيونية بتواتر أقل أو بكميات أقل أو الاثنين معاً.

ليس واضحاً أيضاً كيف سيؤثر التوقف عن تناول هذه الأدوية في الأشخاص الذين يستخدمونها لعلاج الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة. على الرغم من أن العلماء لاحظوا في بعض الدراسات أن أغلبية الأشخاص الذين وصف الأطباء لهم أدوية جي إل بي-1 آر أيه بهدف تخفيف الوزن تمكنوا من الحفاظ على وزن أخفض بعد توقفهم عن تناولها، فقد توصل العلماء في دراسات أخرى إلى نتائج معاكسة. أشار الباحثون في إحدى هذه الدراسات إلى أن النتائج "أثبتت أن السمنة مرض مزمن، وأشارت إلى أن العلاج المستمر ضروري للحفاظ على التحسن في الوزن والصحة". بالنظر إلى أن الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة هي حالات مزمنة أيضاً، يبدو التحقيق في إمكانية تأثير التوقف عن تناول أدوية جي إل بي-1 في معدلات الانتكاس مهماً.

يقول قعدان: "تابعنا في الدراسة المشاركين على مدى عدة سنوات، ولاحظنا أن الآثار الوقائية لأدوية جي إل بي-1 آر أيه كانت متسقة في هذه الفترة الزمنية. مع ذلك، ليس لدينا حتى الآن بيانات تبين إن كان المرضى بحاجة إلى تناول جرعات متزايدة بمرور الوقت، أو بيانات حول تغيّر النتائج الصحية إذا أقلع المرضى عن هذه الأدوية. سيساعد إجراء الدراسات الطويلة الأمد على فهم إمكانية اكتساب المرضى القدرة على التحمّل، ومعرفة إن كانت الفوائد مستدامة دون زيادة الجرعات".

قد يكون البحث في استدامة الفوائد هو الأكثر إثارة للاهتمام. على الرغم من توافر علاجات دوائية لاضطراب تعاطي الأفيون واضطراب تعاطي الكحول، لم يطوّر العلماء علاجات لإدمان المواد المخدرة جميعها. في الواقع، لا توجد علاجات معتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء للعديد من المواد المخدرة غير المشروعة التي يسيء الأشخاص استخدامها أكثر من غيرها، مثل الكوكايين والميثامفيتامين. هل يمكن أن تكون أدوية جي إل بي-1 آر أيه فعالة أيضاً في معالجة الإدمان على هذه المواد المخدرة؟

اقرأ أيضاً: 6 حقائق مهمة عن دواء أوزمبيك تبرر رواجه الهائل

هل ستعالج أدوية كأوزمبيك طيفاً واسعاً من حالات الإدمان؟

يشعر قعدان بالتفاؤل ولكن بحذر؛ إذ يقول: "قد تكون آلية عمل هذه الأدوية في تعديل سلوكيات المكافأة والرغبة فعالة لعلاج مجموعة واسعة من حالات الإدمان، ما قد يؤدي إلى توسيع مجال التطبيقات العلاجية لهذه الأدوية ليشمل مواد أخرى [مثل] الكوكايين". مع ذلك، فإنه يحذر قائلاً إن "هناك [حاجة] إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد إن كانت أدوية جي إل بي-1 آر أيه تؤثر في دارات المكافأة العصبية التي تؤدي دوراً في إدمان المنشطات".

في النهاية، هذه الدراسة خطوة أولى جديدة نحو تنويع خيارات العلاج المتاحة للاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة. وفقاً لقعدان، الخطوة التالية هي التجارب السريرية؛ إذ يقول: "تمثّل التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية، والتي تركّز على هذه الاضطرابات، الأولوية القصوى نحو تعزيز فهمنا. ستؤكد هذه التجارب إن كانت أدوية جي إل بي-1 آر أيه قادرة على خفض تعاطي المواد المخدرة مباشرة، وستساعد على تحديد أنظمة الجرعات الدقيقة والمعلومات الشاملة عن السلامة الطويلة الأمد لهذه الأدوية".

يقترح قعدان أيضاً عدة مجالات بحثية مستقبلية قائلاً: "ستكون دراسات التصوير العصبي مفيدة أيضاً في مراقبة التغيرات التي تطرأ على دارات المكافأة في الوقت الحقيقي، ما سيتيح لنا أن نرصد كيف تؤثر أدوية جي إل بي-1 آر أيه في نشاط الدماغ المرتبط بالرغبة والإدمان. بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة تأثيرات هذه الأدوية في أنواع أخرى من الإدمان، مثل إدمان المنشطات أو النيكوتين، قد تساعدنا على تحديد إمكانية استخدامها على نطاق أوسع وعلى توجيه تصميم التدخلات المخصصة لحالات معينة".

المحتوى محمي