على الرغم من أن معدلات الإصابة بمرض الإسقربوط لم تعد مرتفعة كما كانت سابقاً، فإن هذا النقص في فيتامين سي المعروف بأنه يصيب البحارة خلال الرحلات الطويلة لا يزال موجوداً. لكن عندما تظهر الحالات من هذا المرض، فهي قد توفّر للأطباء دلائل حول استمرار ظهور هذه المرض السهل العلاج. تشير دراسة حالة جديدة من أستراليا إلى أن الأسباب المحتملة لحالات الإسقربوط تشمل تأثير أزمة تكلفة المعيشة في التغذية وانتشار عمليات تخفيف الوزن الجراحية. وصف الباحثون النتائج الجديدة في مجلة بي إم جيه كيس ريبورتس (BMJ Case Reports) بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ما هو الإسقربوط؟
ينتج الإسقربوط عن نقص حاد في فيتامين سي، الذي يحمل أيضاً اسم "حمض الأسكوربيك". وفقا لمؤسسة كليفلاند كلينك، فيتامين سي هو مغذٍّ بالغ الأهمية في جسم الإنسان؛ إذ إنه يعزز تطور البشرة والعظام والأنسجة الضامة ونموها وقدرتها على الشفاء. فيتامين سي ضروري أيضاً للحفاظ على سلامة وظيفة الأوعية الدموية، وهو يساعد في الحفاظ على الأسنان واللثة كما يساعد الجسم على امتصاص الحديد الضروري لتركيب خلايا الدم الحمراء، إضافة إلى أنه يساعد على التئام الحروق والجروح الأخرى.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى العلاجات الأنسب لكل من العدوى والإنتان والالتهاب
يساعد فيتامين سي أيضاً باعتباره مضاداً للأكسدة على حماية الخلايا من التلف الناجم عن الجذور الحرة، وهي نواتج للنشاط الخلوي الطبيعي تشارك في التفاعلات الكيميائية داخل الخلية. ويمكن أن يتسبب بعض هذه التفاعلات الكيميائية بالتلف بمرور الوقت. قد يؤدي عدم الحصول على كمية كافية من فيتامين سي من الغذاء على مدى شهرين إلى ثلاثة أشهر تقريباً إلى الإصابة بالإسقربوط في الحالات المتطرفة.
تتضمن أعراض الإسقربوط الضعف العام وفقر الدم وأمراض اللثة وتراجع التئام الجروح ونزيف الجلد. يصيب هذا المرض في الولايات المتحدة عادة الرضّع والأطفال والبالغين الكبار السن الذين لا يحصلون على كمية كافية من فيتامين سي من النظام الغذائي.
تأثير تكلفة المعيشة في النظام الغذائي
عالج الباحثون في دراسة الحالة الجديدة رجلاً في منتصف العمر في أستراليا. غطّت رجلي المريض بقع صغيرة حمراء اللون تشبه الطفح وتتسبب بالألم، كما ظهر الدم في بوله وعانى فقر الدم.
بيّنت الفحوص أن المريض غير مصاب بالاضطرابات الالتهابية أو الدموية أو اضطرابات المناعة الذاتية، ولم تكشف الفحوص الجسمية والاختبارات التشخيصية الأخرى المعتمِدة على الخزعة الجلدية أي أدلة على النزيف الداخلي. استمر الطفح الجلدي بالانتشار عندما كان المريض في المستشفى.
كشف المريض أنه كان يواجه صعوبات مالية وأنه كثيراً ما أهمل نظامه الغذائي؛ إذ إنه لم يتناول الكثير من الفواكه والخضروات وتخطّى بعض الوجبات أحياناً. توقف المريض أيضاً عن تناول المكملات الغذائية التي وصفها له الأطباء بعد خضوعه لعملية جراحية لتخفيف الوزن، وذلك بسبب تكلفة هذه المكملات.
بيّنت الفحوص الدموية أن مستويات فيتامين سي لدى المريض غير قابلة للكشف، وأن مستويات بعض المغذيات الأخرى البالغة الأهمية منخفضة للغاية. شخّص مؤلفو الدراسة الحالة بأن المريض مصاب بالإسقربوط وعالجوه بمنحه فيتامين سي (1,000 ملليغرام) وفيتامين دي 3 وحمض الفوليك والمكملات المتعددة الفيتامينات يومياً، وأدى هذا العلاج إلى اختفاء الأعراض.
وفقاً للمؤلفين، تمثل الدراسة الجديدة حالة واحدة فقط، والمرض نادر نسبياً لكنه يجب أن يخضع للمراقبة. خفّضت تكلفة المعيشة المرتفعة أيضاً قدرة الأسر على تحمل تكلفة الأطعمة المغذّية.
قال المؤلفون في بيان صحفي: "لا يزال العلماء ينظرون للإسقربوط على أنه مرض من الماضي، وخصوصاً في البلدان المتقدمة. عانى مريضنا عوامل خطورة عديدة، وهي بالتحديد العادات الغذائية السيئة والسمنة وجراحة علاج البدانة واستخدام مثبطات مضخة البروتون وانخفاض الدخل. مثّل النقص السابق في كل من فيتامين دي والفولات لدى المريض أيضاً دليلاً على نقص التغذية الكامن الذي عاناه".
اقرأ أيضاً: ما هي اللقاحات العكسية؟ وكيف يمكن أن تحارب أمراض المناعة الذاتية؟
هل معدلات الإسقربوط آخذة في الارتفاع؟
تختلف معدلات النقص في فيتامين سي باختلاف البلد. قد يعاني نحو 7.1% من الأميركيين نقص فيتامين سي، بينما يصل هذا المعدل إلى 73.9% في شمال الهند. مع ذلك، هناك بعض التقارير المنفصلة عن الإسقربوط، ومنها تقرير صادر من المملكة المتحدة. وصف الباحثون في تقرير حالة نشرته مجلة الجمعية الطبية الكندية (Canadian Medical Association Journal) في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2024 حالة إصابة بالإسقربوط لدى امرأة تبلغ من العمر 65 سنة اتبعت غالباً نظاماً غذائياً يتألف من الحساء المعلب والأسماك ولا يحتوي على الفواكه والخضروات الطازجة. كانت قدرة هذه المريضة على شراء البقالة والطهو وممارسة النشاطات اليومية الأخرى محدودة بسبب الصعوبات في التحرك، وهي لم تتلقّ سوى القليل من الدعم في هذه المهام.
قالت المتخصصة في الطب الباطني العام في مستشفى ماونت سيناي وجامعة تورنتو والمؤلفة المشاركة للتقرير، الدكتورة سارة إنغلهارت، في بيان صحفي: "تقدّم هذه الحالة مثالاً معقداً لانعدام الأمن الغذائي الذي يؤدي إلى الإصابة بمرض غير شائع. لم نتوصل إلى تشخيص موحّد إلا بعد إجراء تقييم مفصّل لسيرة المريضة الاجتماعية والغذائية".
هناك أيضاً مؤشرات تبين أن معدلات الإسقربوط ربما ترتفع. توصّل الباحثون في دراسة مراجعة نشرتها مجلة الأكاديمية الأميركية لجراحي العظام: الأبحاث العالمية والمراجعات (JAAOS: Global Research and Reviews) في يوليو/تموز 2024 إلى أن حالات الإصابة بالإسقربوط بين الأطفال تضاعفت أكثر من ثلاثة مرات بين عامي 2016 و2020، من 8.2 حالات إلى 26.7 حالة لكل 100 ألف طفل. عانى العديد من المرضى أيضاً اضطراب طيف التوحد، الذي يمكن أن يتسبب بمشكلات حسية قد تؤدي إلى تجنّب بعض مجموعات الأطعمة المغذية. وفقاً لهذه الدراسة، كان انخفاض الطبقة الاقتصادية من عوامل الخطورة أيضاً.
على الرغم من أن الإسقربوط لا يزال نادراً عموماً بالنسبة لعامة السكان وحالة لا تدعو للقلق، يجب على الأطباء السريريين والمرضى توخي الحذر منه مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
الوقاية والعلاج
تناول كمية كافية من فيتامين سي هو الطريقة المثلى للوقاية من الإسقربوط. يجب أن يحصل معظم البالغين الذين يتمتعون بصحة جيدة على ما يتراوح بين 75 ملليغراماً و90 ملليغراماً تقريباً من هذا الفيتامين يومياً. إضافة الفواكه والخضروات الطازجة إلى كل وجبة هي الطريقة الأكثر فعالية لزيادة المقدار المأخوذ من فيتامين سي، لذلك يجب تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة المغذية. وردت أيضاً توجيهات للأطباء السريرين تنص على مراقبة الارتباط بين المقدار المأخوذ من فيتامين سي والارتفاع في معدلات انعدام الأمن الغذائي.
اقرأ أيضاً: ما هي «حمى الضنك»؟ وكيف يمكن الوقاية منها؟
لحسن الحظ، علاج الإسقربوط سهل للغاية؛ إذ إن المسار الأول للعلاج غالباً هو تناول مكملات فيتامين سي تحت إشراف الطبيب وتناول كميات أكبر من الفواكه والخضروات الطازجة، علماً أن بعض المرضى أبلغ عن تحسن الحالة الصحية خلال أول 48 ساعة من زيادة المقدار المأخوذ من فيتامين سي.