في اليوم العالمي للغة بريل تعرّف إليها وإلى نسختها العربية

تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للغة بريل في الرابع من ديسمبر/ كانون الثاني من كل عام، وذلك لتذكيرنا بمساهمة هذه الطريقة التي يستخدمها نحو 6 ملايين شخص مكفوف أو شبه مكفوف حول العالم حتى يستطيعوا القراءة وأن يتعلموا بشكل أكثر فردية واستقلالية. وفي الوقت ذاته تحمل لغة بريل أو برايل الفرصة لمساعدة نحو 2.2 مليار شخص حول العالم يعانون من ضعف البصر القريب والبعيد أو أشكال العمى المختلفة في القراءة وتسهيل نمط حياتهم.

اختراع لغة بريل

تعد قصة اختراع الشاب الفرنسي لويس بريل لهذه الطريقة في القراءة والكتابة للمكفوفين ملهمة بقدر أهميتها، إذ تعرض بريل الصغير المولود في 4 ديسمبر/ كانون الثاني عام 1809 حين كان عمره 3 سنوات لحادث في ورشة والده الإسكافي، حيث سقط المخرز الذي كان يستخدمه والده لتثقيب الجلد في عينه ما أصابه بالعمى والالتهاب فيها، وامتد الالتهاب ليصيب العمى كلتا عينيه.

عندما بلغ بريل 15 عاماً، أرسله والداه إلى المعهد الوطني للشباب المكفوفين في باريس كطالب بمنحة، وكانت طرائق التدريس هناك تعتمد على أساليب صعبة، إذ استخدمت الكتب الموجودة آنذاك الحروف النافرة، لكن هذه الطريقة تعد معقدة ومكلفة في الطباعة، ما شجّع بريل لابتكار طريقة جديدة في الطباعة والقراءة لكي يكون مستقلاً، ويشبع فضوله في التعلم والمعرفة وأصبح معلماً في المعهد ذاته لاحقاً.

استلهم بريل طريقته من أسلوب ترميز اسمه "الكتابة الليلية" اخترعه تشارلز باربييه، واستخدمه جنود الجيش الفرنسي لإرسال الرسائل وقراءتها بالخفاء دون الحاجة لإشعال شمعة وفضح أماكنهم، وطوّر منها نسخة مبسطة من النقاط النافرة لا تزال مستخدمة إلى يومنا هذا بعد نحو 200 سنة من اختراعها.

كيف يتم الترميز بلغة بريل؟

قد تكون عبارة "طريقة بريل" أفضل من استخدام لغة، لأنه أسلوب في الترميز أكثر من كونه لغة، فطريقة بريل يمكن أن تكتب بلغات متعددة مثل الإنجليزية والفرنسية والعربية وغيرها.

تتألف طريقة بريل من عدة نقاط نافرة تتوضع على أسطر الصفحات الورقية، وهناك خانات موزعة للأحرف التي تتسع في السطر، كل خانة يمكن أن نضع فيها 6 نقاط نافرة، أي يوجد هناك 64 احتمالاً يكفي للأحرف والأرقام وعلامات التنقيط الفرنسية.

عند تغيير ترتيب النقاط يتغير معنى الحرف، وترتيب النقاط مستطيل أي 3 نقاط نافرة على اليمين ويجاورها 3 عن اليسار، ويفصل بين الحرف والآخر فراغ بمسافة محددة، فلا توجد رموز متصلة كما في كتابة اللغة العادية لتفادي صعوبة القراءة وفصل الجمل.

يتم ترقيم النقاط من أجل كتابة الحروف الخاصة بها، فحرف a يأخذ النقطة 1 فقط، بينما الحرف b النقطتين 1 و2، وهكذا يتم ترميز الأحرف، ويمكن معرفة الأرقام عن طريق وضع لاحقة قبلها، وينطبق الأمر كذلك على علامات الترقيم والحروف الكبيرة والصغيرة.

يجب أن تكون النقاط متباعدة بما يكفي ليستطيع الشخص تمييز الرموز باللمس، ويفضل استخدام بصمات الأصابع عوضاً عن رؤوس الأصابع في القراءة لتحقيق نتائج أفضل في القراءة، والإحساس بنقاط الرموز بشكل أدق.

كيف يتم الترميز بلغة بريل؟ — حقوق الصورة: shutterstock.com/ Esa Riutta

كيف تتم الكتابة بطريقة بريل؟

يمكن للمكفوفين الكتابة بطريقة بريل أيضاً، وذلك باستخدام أداة خاصة تدعى اللوحة (slate)، وتحتوي على خانات الأحرف، وثقوب للنقاط التي يستخدم الكاتب فيها أداة تشبه الدبوس لتثقيب الورقة من خلالها لترميز الحرف المطلوب.

توجد آلات كاتبة مخصصة لطريقة بريل، وتحتوي على 6 مفاتيح لتثقيب نقاط كل حرف، بالإضافة لبعض المفاتيح الاخرى مثل فاصلة الكلمات أو لتحديد تباعد الأسطر، وتتميز بعض الآلات الكاتبة بإصدار الأصوات قبل الاقتراب من نهاية السطر لإنذار الكاتب مسبقاً.

هناك أيضاً طابعات خاصة لطريقة بريل في الترميز، وتستخدم ورقاً أكثر سماكة من ورق الطباعة القياسي، وتحتوي على سلسلة من دبابيس النقش الخاصة وتستغرق وقتاً أطول في الطباعة من آلات الطباعة المعتمدة على الحبر، وتكون موصولة عادةً بحاسوب يقوم بترميز الأحرف اللاتينية أو العربية لأحرف بريل.

عند عدم توفر الأدوات يمكن كتابة الملاحظات من خلال ورقة عادية وقلم رصاص حاد الرأس أو دبوس لتدوين الملاحظات أو أخذ رقم هاتف مثلاً.

كيف تتم الكتابة بطريقة بريل؟ — حقوق الصورة: shutterstock.com/ vvoe

كيف يمكن التمرن لزيادة سرعة القراءة بطريقة بريل؟

يمكن تحسين مهارات القراءة بطريقة بريل من خلال اتباع بعض الاستراتيجيات التالية:

تدريب استخدام اليدين: ويمكن استخدام نصوص محفورة بلغة بريل وتدريب الشخص على تتبع مسار الحروف، وتمييز مجال كل منها بغض النظر عن إمكانية فهم المكتوب.
استخدام اليدين بشكل مزدوج: وتعد هذه الطريقة الأفضل، إذ تسمح بتوفير الوقت على القارئ بطريقة بريل من البحث عن بداية السطر، فيضع القارئ في بداية الصفحة سبابته الأولى على أول سطر وسبابة يده الأخرى على السطر الذي يليه، وهكذا عند انتهاء كل سطر تبدأ اليد الأخرى بالقراءة.
تعلم الكلمات المتكررة: يمكن توفير الكثير من الوقت عند تعلم الكلمات المتكررة مثل أل التعريف وحروف الجر وغيرها، ومن ثم التدريب على فهم الكلمات الأكثر تعقيداً بشكل تدريجي.
الاستخدام اليومي: يقوم الأشخاص الذي يفقدون بصرهم بشكل تدريجي بتعلم طريقة بريل عن طريق وضع أوراق مطبوعة بهذه الطريقة على الأغراض اليومية مثل الثلاجة والطاولة والهاتف والميكرويف ليعتادوا على ترميز بريل ويتعلموه بسرعة أكبر.

طريقة بريل في اللغة العربية

استخدمت طريقة بريل الموحدة في اللغة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي، وعُقد مؤتمر تطوير وتوحيد حروف بريل العربية في المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2002، لكن ما زالت هناك عدة صعوبات تواجه اللغة العربية بطريقة بريل ومنها ما يلي:

النقص الكبير في الموارد التعليمية الرقمية لنظام بريل العربي.
يحتوي نظام بريل الحالي على العديد من المشكلات والعيوب، إذ هناك كلمات بحاجة لوضع علامات التشكيل مثل الفتحة والضمة ليتم فهمها.
هناك عدة مشكلات في برمجيات الكتابة والقراءة بطريقة بريل العربية.
عدم وجود طرائق تفاعلية لتعليم لغة بريل، وأساليب التعليم المستخدمة هي التقليدية فقط.
وجود عدد قليل من الكتب المتوفرة بطريقة بريل باللغة العربية.
الحاجة لمدربين متخصصين بلغة بريل، فكل طالب بحاجة لمدرب خاص به يساعده على القراءة وتعلم اللغة.

لهذه الأسباب صدرت عدة أبحاث للمساهمة في تطوير طريقة بريل في اللغة العربية، ومنها بحث هند طالب بنت طالب في المجلة الدولية لعلوم وتطبيقات الكمبيوتر المتقدمة (IJACSA)، إذ قامت بتصميم واجهة تفاعلية مبرمجة لتعليم طريقة بريل العربية للأطفال المكفوفين في عام 2020.

بالإضافة لعدة تطبيقات تساعد المكفوفين على استخدام الهواتف الذكية المعتمدة على اللمس، فلا يمكن للمكفوف أن يلمس الشاشة ويميز منها الأزرار ومفاتيح الكتابة، لذا قام الباحث نبيل نواحي بتصميم أول تطبيق للغة العربية يستخدم طريقة بريل للمكفوفين الذين يستخدمون الهواتف الذكية بنظام أندرويد عام 2014.

وهناك توجه لاعتماد ترميز بريل عربي موحد لإفساح المجال للمكفوفين العرب لدراسة مواضيع مختلفة مثل الرياضيات والعلوم والكيمياء، نظراً لحاجة هذه المجالات العلمية لرموز مختلفة غير الأحرف تم اقتراح نظام بريل مكون من 8 نقاط عوضاً من 6، لزيادة عدد الرموز إلى 255 لتغطية تنوع الأحرف والرموز بشكل أفضل.

حقائق مهمة عن طريقة بريل

يمكن ذكر الحقائق التالية عن طريقة بريل:

يُقرأ النص المكتوب بطريقة بريل العربية من اليسار إلى اليمين وفقاً للاتفاقيات الدولية.
استخدم بريل أداة مشابهة لتلك التي سببت إصابته بالعمى في تثقيب الأوراق والكتابة بطريقته.
تشغل طريقة بريل مساحة أكبر للكتابة، فكتاب هاري بوتر وكأس النار يتألف من 10 مجلدات بطريقة بريل.
أطلقت ناسا على كويكب تم اكتشافه عام 1999 اسم "بريل 9969 " تكريماً للويس بريل.
يستغرق الشخص نحو 9 أشهر لتعلم مبادئ لغة بريل وسطياً.
توجد عدة اختصارات لكلمات بلغة بريل، وتوجد على أزرار المصاعد وأبواب الحمامات والأدوية لكي توفر الوقت على المكفوفين في معرفة الأمور باستقلالية.

قد لا تكون طريقة بريل الأحدث في مساعدة المكفوفين، لكنها تعد من الطرائق الأكثر انتشاراً، وهناك تطور واضح بالتطبيقات والتقنيات التي تجعل الوصول للتعليم والثقافة والاستقلالية لذوي البصر الضعيف والمكفوفين أمراً أسهل، لكن لا يمكن إنكار دور بريل في إشعال شرارة هذه التطورات التي يستمر أثرها إلى يومنا هذا.