كيف تساعدنا حشرة السيكادا على تصميم نفاثات في روبوتات؟

3 دقيقة
السيكادا: ما الذي يمكن للبشر تعلمه من هذه الحشرة القوية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Georgi Baird
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع ارتفاع درجات الحرارة، يتعالى أزيز حشرات السيكادا أو الزيز معلناً قدوم الصيف، وبينما قد تظن أن هناك قطرات ماء صغيرة تلامس وجهك فجأة وأنت تمشي في حديقة أو بين الأشجار، فقد تُغيّر رأيك بعد أن تعلم أنها قد تكون قطرات بول السيكادا؛ حيث اكتشف باحثان من معهد جورجيا للتكنولوجيا، أن السيكادا التي تزن بضع غرامات، يمكنها نفث قطرات البول في سرعة تتجاوز 3 أمتار في الثانية.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب توثيق حياة الحشرات عن كثب؟ وما فائدته للإنسان؟

ميزة جديدة للسيكادا

تتبع كل من الأستاذين المساعدين في كلية الهندسة الكيميائية الحيوية بمعهد جورجيا للتكنولوجيا، سعد بهاملا (Saad Bhamla)، وإيليو شاليتا (Elio Challita)، حشرة السيكادا في غابات البيرو، لفهم الطريقة التي تتبول بها هذه الحشرات الفريدة باعتبارها كائنات شرهة للغاية؛ حيث تتغذى السيكادا على النسغ الخشبي منخفض المغذيات، وتستهلك كميات كبيرة منه.

في دراستهما التي نُشِرت نتائجها في مارس/آذار 2024، في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية (Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America)، سلّط الباحثان الضوء على القدرات المذهلة للسيكادا، ومنها:

  • تتمتّع بجهاز هضمي له قدرة مذهلة على معالجة ما يصل إلى 300 ضعف وزن جسمها من النسغ الخشبي.
  • يمكنها اختراق النسيج الخشبي وصولاً إلى نسغه؛ حيث تستخدم خرطوماً صغيراً بعرض الشعرة لاختراق الخشب، ثم تمتص السائل عبر مضخة موجودة في رأسها الضخم، وذلك لأن النسغ الخشبي يقع تحت ضغط سلبي، أي أنه لا يتدفق من تلقاء نفسه من الثقب ما لم تمتصه الحشرة بخرطومها. نتيجة لذلك، فإنها تقضي حياتها كلها تقريباً في الشرب.
  • تتبول بسرعة وقوة تتفوق بها على البشر والفيلة، وقد تصل إلى نحو 3 أمتار في الثانية؛ وهي في الأساس طريقتها في معالجة نسغ الخشب التي تستهلكه، حيث تمكن الباحثان لأول مرة من التقاط فيديو يوضّح هذه الظاهرة الفريدة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف القدرة الكبيرة على التكيف لدى بعض أنواع الطيور

كيف تستطيع السيكادا قذف البول؟

تستخدم السيكادا تقنية قذف البول عادة ضد الغرباء والمعتدين، وللتخلّص من الكمية الكبيرة للنسغ الخشبي.

تتبول الحشرات التي تتغذى على نسغ الخشب عادة في قطرات صغيرة، لأن حجمها صغير بحيث لا يمكنها إخراج سوى قطرات صغيرة من ثقوب في خلفيتها. علاوة على ذلك، لا تمتلك الحشرات طاقة كافية لنفث البول بسبب التوتر السطحي للسائل وقوة لزوجته.

في المقابل، تعتمد الحشرات الأكبر مثل السيكادا على الجاذبية وقوة القصور الذاتي للبول؛ لذا تلجأ السيكادا لقذف البول بسرعة عالية، والتخلّص من الكمية الكبيرة للسوائل في جسمها. ويساعدها على ذلك:

  • التوتر السطحي للسائل المطرود.
  • وجود عضلة تدفع البول عبر ثقوب صغيرة في خلفية الحشرة.
  • الحجم الكبير لحشرة السيكادا؛ حيث تستخدم طاقة أقل لنفث البول السريع، بينما تمتلك الحشرات الأخرى فتحات صغيرة فلا يمكنها طرد البول سوى في قطرات صغيرة.

تطبيقات الدراسة

يعتقد بهاملا أنه يمكن الاستفادة من الآليات الحيوية التي تستخدمها السيكادا في قذف البول في:

  • تصميم نفاثات في روبوتات أو فوهات صغيرة.
  • تطوير حلول هندسية مستوحاة من الحياة لديناميكيات السوائل.
  • تطبيقات المراقبة الحيوية.
  • توفير نظرة ثاقبة للعمليات الحيوية الأساسية، التي قد تكون لها آثار في مراقبة الصحة والتشخيص.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف آلية إصدار الحيتان أصواتها والفائدة منها

غرائب عن حشرة السيكادا

بالإضافة إلى قوة تبول السيكادا وسرعتها، ثمة حقائق أخرى عن هذه الحشرة، إليك أهمها:

1. أطول دورة حياة: تضع إناث السيكادا نحو 200-400 بيضة في ثقوب في أغصان الأشجار، وبعد 6-10 أسابيع، تفقس البيوض وتخرج منها الحوريات التي تزحف تحت الأرض، حيث تلتصق بجذور الأشجار وتمتص النسغ منها. تبقى حوريات بعض الأنواع في طور السكون نحو 17 عاماً، وتخرج بعدها فوق سطح الأرض وتتحول إلى حشرة ذات أجنحة تعيش على الأشجار نحو 5 أسابيع فقط.

2. الصوت العالي: تصدر ذكور السيكادا صوتَ أزيز عالياً؛ حيث تحتوي ما يشبه الطبل في بطنها المجوف. وفقاً لرئيس لجنة البيئة بجلاجل في السعودية، الأستاذ عبد السلام السلمان، قد تصل قوة صوت الزيز إلى 100 ديسبل، وهو ما يقارب صوت مكنسة كهربائية. لذا قد يؤدي التعرّض المطوّل له إلى الإصابة بضعف السمع أو تلف دائم به. ومع ذلك، لا يصدر هذا الصوت القوي إلّا عن الذكور خلال عملية التزاوج، أمّا الإناث فتُصدر نداءات نقر صغيرة. ومن اللافت أنه نظراً إلى انجذاب الإناث إلى الأزيز العالي، فإنها قد تنجذب إلى الأصوات الصاخبة مثل آلات جز العشب.

3. وجبة طعام للحيوانات والبشر: تُعدّ حشرات السيكادا وجبة رئيسية للحيوانات مثل الراكون والضفادع والثعابين والسناجب، بالإضافة إلى بعض البشر، حيث تُعدّ وجبة رئيسية في بعض المطابخ حول العالم. شبَّه البعض مذاقها بالهيليون، وذكر آخرون أنه يشبه الجمبري أو زبدة الفول السوداني. ومع ذلك، ينبغي الحذر من تناول كميات كبيرة منها لأنها تحتوي على مستويات مرتفعة من الزئبق، وقد تسبب حساسية خاصةً لأولئك الذين يعانون حساسية المحار.

4. من أكثر الحشرات انتشاراً: يوجد أكثر من 3400 نوع من حشرات السيكادا، وتعيش في أنحاء العالم كافة، لكن تُصنّف عامة إلى نوعين أساسيين؛ هما الدورية والسنوية. تقضي الدورية مرحلة الحورية تحت الأرض في مدة 13-17 عاماً، بينما تقضي السيكادا السنوية نحو عامين فقط في هذا الشكل.

5. حشرة مفيدة للبيئة: حشرات السيكادا لا تعض ولا تلسع، بل قد تكون ضرورية وذات أهمية بالنسبة إلى النظام البيئي بعدة طرق، مثل:

  • توفّر غذاءً للعديد من الحيوانات الآكلة للحشرات.
  • تساعد على تقليم الأشجار الناضجة ونموها.
  • تساعد على تهوية التربة عندما تحفر الحوريات تحت الأرض.
  • تعمل أجسادها مصدراً للنيتروجين للأشجار.